صراع يهدد المنطقة

ما يحدث من تصعيد في المنطقة راهناً لم يكن مفاجئاً، بل إن إرهاصاته كانت جلية وواضحة، فالتهديدات الأمريكية والإسرائيلية التي سبقت الهجوم على إيران كانت على أشدها، تزامناً مع تحركات عسكرية، أشارت إلى أن ثمة شيئاً ما سيحدث، كما أن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب المتتالية في الشهر الأخير كانت تصب في هذا الاتجاه.

التصعيد الآن أصبح واقعاً مع ضرب إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، وقواعدها والمراكز الحكومية ودفاعاتها الجوية واغتيال الكثير من قادتها العسكريين، ثم رد طهران بهجوم مضاد بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، لكن كل ما حدث قد يكون مقدمة لتصعيد أكبر مع حشد أمريكا لعشرات القطع العسكرية البحرية في المنطقة، وتأكيد ترامب أن إيران لن تمتلك السلاح النووي، مطالباً إياها بالإذعان التام والاستسلام، وهذا المطلب ليس وارداً لدى إيران، إذ لاتزال تهدد بتوسيع الصراع، والانتقام بكل ما أوتيت من قوة.

الاشتباك الحالي هو الأخطر والأكبر في المنطقة، ولا يمكن مقارنته بحرب إسرائيل الدائرة حتى اللحظة في غزة، أو لبنان، فإسرائيل كانت تتعامل مع تنظيمات، مهما بلغت قوتها فإنها تظل محدودة مقارنة بدولة كإيران التي تمتلك مقومات بشرية كبيرة، ودولة مترامية الأطراف من ناحية المساحة، وموقعاً مهماً يجعلها لاعباً مؤثراً إقليمياً، كما لديها إمكانات الصمود ودعم من بعض الحلفاء، وهذا ما يرفع منسوب المخاوف، من حرب إقليمية قد تطال الجميع، وتُدِخل المنطقة في نفق مظلم يصعب الخروج منه، وانفلات الأمور من عقالها، بحيث يتزعزع الأمن وتتضرر التجارة والاقتصادات، خصوصاً عبر مضيق هرمز، الذي توعدت طهران أكثر من مرة بإغلاقه إن اضطرت لذلك.

ثمة وساطات واتصالات تحاول وقف الحرب، وخفض منسوب التوترات، لكن يبدو أن إيران من جهة وإسرائيل ومن خلفها أمريكا وحلفائها من جهة أخرى لا يزالون متمسكين بتوجهاتهم، فطهران ترى أن تفكيك برنامجها النووي يُعدّ مساساً بسيادتها ولن تقبل بأي حال مناقشة ذلك، في حين تطمح تل أبيب بتحقيق أهداف تتجاوز "النووي"، وهو القضاء على الباليستي الإيراني، ومحاولة إطاحة النظام الإيراني بشكل كامل، وهذا يظهر من تصريحات نتنياهو التي دعا فيها الشعب الإيراني للانتفاض، أو بتهديده رأس الدولة خامنئي بالاغتيال.

لا يوجد أفق حتى اللحظة بتبريد المواقف، بل إنها تأخذ منحى تصاعدياً، إذ ليس من السهل أن تتوقف إسرائيل في المنتصف، فهي تحضّر لهذه المواجهة منذ سنوات طويلة، ولن تتراجع حتى تحقيق أهدافها، كما أن إيران أكدت أنها لن تستلم مهما كلفتها الأثمان، بل إنها أضحت تهدد بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

المستقبل يكتنفه الكثير من الغموض، والمخاوف تتزايد من تصعيد أكبر بكثير، بحيث لا يمكن احتواؤه.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن