تقدير موقف

لماذا تُهاجَم "اليونيفيل" في لبنان؟

ظاهرةٌ ملفتةٌ للنّظر في جنوب لبنان، حيث يقوم ناشطون محليون بين وقتٍ وآخر بالهجوم على قوات "اليونيفيل"، وهي قوات الأمم المتحدة التي أنشأها مجلس الأمن، من المفروض أن تراقِب الحدود بين إسرائيل ولبنان، ويُجدّد لها مجلس الأمن كلّ عام في شهر أغسطس/آب، والتجديد المقبل بعد أقل من ثلاثة أشهر.

لماذا تُهاجَم

لا يمكن فهم ظاهرة التعرّض للقوة الدولية تكرارًا إلّا من خلال فهم رفض "حزب الله" تسليم سلاحه حسب قرار مجلس الأمن 1701 الصادر عام 2006، والمطوّر عام 2023 والذي قبلت به الحكومة اللبنانية السابقة وكان تمثيل "حزب الله" فيها وازنًا!.

يبرّر البعض أنّ "اليونيفيل" إمّا منحازة، أو غير فعّالة في مراقبة تحرّكات إسرائيل، تلك ذريعة فقط ولا تُبرّر الهجوم على أشخاصٍ عاملين في قوّةٍ دوليةٍ مكوّنةٍ من 48 دولة وتُشكّل أكثر من ربع أعضاء الجمعية العامة.

الحقيقة أنّ مناصري "حزب الله" ما زالوا يسيطرون فعليًّا على أجزاء من جنوب لبنان، والحزب لا يرحّب بأي رقابة خارجية على أنشطته العسكرية، وحتّى الجيش اللبناني غير قادرٍ حتى الآن على ذلك، بسبب تركيبة الجيش اللبناني، وتركيبة الهيكل السياسي اللبناني نفسه.

معظم البلدات الجنوبية التي ساعدت الدول الخليجية على إعادة بنائها بعد حرب تموز 2006 دُمِّرت عن آخرها

ينشط الاعتداء على مجموعة "اليونيفيل" عندما تقوم بعمليات تفتيشٍ أو تصويرٍ يُزعم أنّها لم تُنَسَّقْ مسبقًا مع الجيش اللبناني، والحزب أيضًا، أي وضع اشتراطات مُسبقة على أعمالها، والتي وافقت عليها الحكومة في السابق!.

القرار 1701 الصّادر أساسًا بعد حرب يوليو/تموز 2006 يدعو إلى نزع سلاح كلّ الجماعات المسلّحة جنوب نهر الليطاني، بعد حرب 2023 توسَّع نطاق ذلك القرار، بإضافة شروطٍ، منها أن يكون نزع سلاح "حزب الله" شاملًا للأراضي اللبنانية، وأن يسيطر فقط الجيش اللبناني الرّسمي على الأراضي كافّة. أمّا محاولة "اليونيفيل" لتطبيق مُلحقات القرار 1701 فتعتبره القوى الرافضة لنزع السلاح استفزازًا، وعلى رأسها "حزب الله".

بعض الخطابات في لبنان تتّهم الأمم المتحدة بالانحياز إلى إسرائيل، ربما ذلك من أجل تسويق الاعتداءات على قوات "اليونيفل" أو تبرير المعارضة لوجودها.

الانتعاش الاقتصادي قد يؤدّي إلى توسيع رقعة الرأي العام المُطالِبة بنزع السلاح

مع التدهور الاقتصادي في لبنان، وبخاصة في الجنوب، والانفلات الأمني المُصاحب، تصبح القوات الأجنبية عرضةً للاستهداف، سواء لأسبابٍ سياسيةٍ، أو حتّى من مجموعاتٍ خارجةٍ عن القانون.

في زيارةٍ لمسؤول خليجي سابق خدم في لبنان كديبلوماسي، أيام عيد الأضحى إلى الجنوب، وصف ما شاهده بأنّ معظم البلدات لم يستطع التعرّف إليها، والتي ساعدت الدول الخليجية على إعادة بنائها بعد حرب يوليو/تموز 2006 إذْ دُمِّرت عن آخرها.

المُعادلة هنا صعبة، هل يمكن أن تنجح معادلة نزع السلاح ثم الإعمار، كما هو سائد في الكثير من الخطابات، أم يجب أن تتغيّر المعادلة، فيبدأ الإعمار، ثم بعد ذلك نزع السلاح، أو بالتزامن؟ في رأيي أنّ المعادلة الثانية أقرب إلى المنطق، لأن الانتعاش الاقتصادي قد يؤدّي إلى توسيع رقعة الرأي العام المُطالِبة بنزع السلاح، ويساعد الحكومة الحالية والنظام الحالي اللبناني على تبنّي فكرة أنّنا نبني ما تهدّم مع بنائنا للدولة نفسِها وأهم شروطها توحيد السلاح.

من دون استراتيجية واضحة للجوار العربي تجاه لبنان كما يحدث في سوريا فإنّ الأوضاع قد لا تتحسّن قريبًا

ترك الأمور بهذا الوضع الاقتصادي المتردّي يدفع الكثيرين في لبنان بشكل عام وفي الجنوب بشكل خاص إلى فقدان الأمل، وقد يؤدّي إلى الاحتقان وأيضًا إلى العناد، الذي هو ليس في صالح كلّ اللبنانيين.

مع الاعتراف بجهود الحكومة الحالية لإخراج لبنان من عنق الزجاجة، لكن من دون استراتيجية واضحة للجوار العربي تجاه لبنان، كما يحدث تقريبًا في سوريا، فإنّ الأوضاع قد لا تتحسّن قريبًا، بل قد تسوء.

ربّما القطاع الخاص هنا يستطيع أن يلعب دورًا مبدئيًا في إنعاش الاقتصاد اللبناني، وذلك يحتاج إلى قوانين واضحةٍ من الحكومة الحالية، وإصلاحٍ ماليّ، وكلاهما في اليد، وبعد ذلك يمكن أن يحضر رأس المال الخاصّ للمساعدة على الإعمار.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن