صحافة

ترامب يُبشّر بـ"سلام" فوق ركام فوردو

عبدالوهاب بدرخان

المشاركة
ترامب يُبشّر بـ

 انتهى على الأرجح المشروع النووي لإيران. لم يعد في إمكانها إحياؤه بالطريقة التي اتّبعتها طوال عقدَين ونيّف، سرّاً وعلناً، بين تأزّم وتفاوض، تجميد وتعليق وتفعيل، وصولاً إلى اتفاق 2015 الذي بالغت في اعتباره "انتصاراً تاريخياً" لمشروعها الأكبر والأشمل: تكريس نفوذها الإقليمي. ولم يكن مفهوماً لماذا ناورت كل هذا الوقت أو لماذا بنت مفاعلات في باطن الأرض إذا كانت تطمح فقط إلى برنامج نووي "سلمي".

لكن الحلف الأميركي - الإسرائيلي، حلف دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، فرمل هذا الانتصار عام 2018، وفرض سياسة "الضغوط القصوى" عليها وعقوبات أميركية أشد قسوة على اقتصادها. وما لبثت طهران أن أخفقت في انتهاز "المهادنة" التي عاملتها بها إدارة جو بايدن فاشترطت وماطلت في إحياء الاتفاق، إلى أن عاد ترامب الى البيت الأبيض، بل عاد متعجّلاً فاقد الصبر ويريد الانتهاء من هذا الملف في أقرب وقت، خصوصاً أن "صديقه" الإسرائيلي كان أنجز الكثير من الأعمال التمهيدية بإضعاف إيران وشلّ أذرعها من غزّة إلى لبنان وسوريا.

مع ذلك، لم يتخيّل أحد أن "المهمة القذرة" التي يقوم بها نتنياهو بالنيابة عن دول الغرب، وفقاً للمستشار الألماني المحبّذ والمؤيّد، ستكون على هذه الدرجة من الاختراق والفاعلية. شكّلت هذه "المهمة" فرصة لترامب كي يصنع التاريخ على متن طائرات "بي 2" قاذفاً للمرّة الأولى قنابل "جي بي يو 57" الخارقة للتحصينات، وليعلن أن الولايات المتحدة دخلت حرب إسرائيل - إيران، علناً ورسمياً، وأن الجيش الأميركي "نفّذ ضربات دقيقة واسعة النطاق على المنشآت النووية الرئيسية الثلاث للنظام الإيراني: فوردو ونطنز وأصفهان"، ودمّرها "بشكل تام وكامل".

كان ترامب أعلن "مهلة أسبوعين" لاختبار ما تستطيع الديبلوماسية تحقيقه كي يتجنّب هذه الضربات. لكنه استخدم فكرة المفاوضات، للمرة الثانية خلال أسبوعين، لتمرير "خدعة الحرب"، الأولى ساهمت في الضربات الإسرائيلية المباغتة، والثانية في تغطية الضربة الكبرى للمنشآت الثلاث. حقّق ترامب بالقوة وخلال دقائق ما لا تستطيع الديبلوماسية تحقيقه في شهور وسنوات.

قبل ذلك جرى تصوير قراره بأنه "صعب"، لكنه كان اتخذه فعلاً، أما الوقت القصير المستقطع فاستهلكه لمعالجة انقسام الرأي داخل إدارته وحزبه وتياره الشعبي ("جعل أميركا عظيمة مجدداً")، كذلك لإنهاء التحضيرات اللازمة للضربة وما بعدها أو لإظهار أن المفاوضات (عبر الأوروبيين) لن تكون مجدية، سواء لأنها لن تأتي بـ"الاستسلام غير المشروط" الذي عرضه على إيران، أم لأنه توقّع مسبقاً أن "إيران تريد التحدّث معنا، فأوروبا ليست قادرة على إنهاء النزاع". وإذا كانت إيران وضعت تصوّراً لتنازلاتها فإنها لن تقدمها الى الأوروبيين بل إلى أميركا.

مشكلة إيران أنها منذ عُرض عليها التفاوض قبل شهرين اعتقدت أنها استعادت فرصتها لاستعراض قدراتها على الجدل، على رغم أن تجربتها مع هذا الرئيس الأميركي كان ينبغي أن تعلّمها أنه لا يتيح لها ترف الوقت. وعندما بدأت التفاوض فعلاً اعتقدت أنها يمكن أن تعيد فرض سيناريوهات قديمة استخدمتها مع إدارة باراك أوباما، ولم تلتقط أن ترامب قرر التفاوض على إنهاء البرنامج النووي ولم يكن مهتماً باستعادة "اتفاق 2015" بل بفرض خيار "صفر تخصيب" لليورانيوم.

ثم أنه كان واضحاً جداً في وضع التهديدات الإسرائيلية جنباً إلى جنب مع التفاوض، لكن طهران اعتبرت أنه يناور وأنها محصّنة، وبدا واضحاً أنها كانت تجهل إلى أي حدّ كانت مخترقة استخبارياً. صحيح أن خسائرها العسكرية (والمعنوية) الجسيمة في الضربات الأولى كانت تتطلّب منها أن تعود الى المفاوضات باقتراحات متقدمة (من خارج الصندوق العقائدي)، إلا أن الحديث الهاتفي بين عراقجي وستيف ويتكوف ثم اللقاء مع الأوروبيين كانا كافيين لإقناع ترامب بأن شيئاً لم يتغيّر في عقلية التفاوض الإيرانية.

وسط تبادل التهاني والشكر مع نتنياهو، والإشادة بالجيشين الأميركي والإسرائيلي، رأى ترامب أن ثمة "سلاماً" ينبغي أن ينبثق عن الدمار الكبير لمنشآت فوردو ونطنز وأصفهان. قال: "إما أن يكون هناك سلام وإما ستكون هناك مأساة لإيران أكبر بكثير"، مشيراً إلى "العديد من الأهداف المتبقية، وإذا لم يتحقّق السلام بسرعة، فإننا سنلاحقها بدقة وسرعة وكفاءة، ومعظمها يمكن تدميره في دقائق".

لكن السلام الذي كان ترامب يتصوره لحظة إعلان إنجازه العسكري الضخم لا يختلف عن "الاستسلام" الذي كرّر عرضه على إيران ورفضه المرشد علي خامنئي. وبالنسبة إلى نتنياهو وترامب، فإن "الأهداف المتبقية" ربما تتمثل في ضرب القوة الصاروخية الإيرانية التي استطاعت إشاعة حال خوف وهلع في إسرائيل، وبالتالي إيجاد شيء من "توازن الرعب" معها. وربما تشمل أيضاً إمكان اغتيال خامنئي بهدف تغيير النظام، وهو ما يشكّل دافعاً قوياً للأذرع الإيرانية للعودة الى القتال واستهداف القواعد والمصالح الأميركية.

(الوطن السعودية)

يتم التصفح الآن