صحافة

مفارقات الحرب الإيرانية الإسرائيلية

خليل حسين

المشاركة
مفارقات الحرب الإيرانية الإسرائيلية

ربما تُعتبر الحرب الإيرانية الإسرائيلية من أغرب الحروب المعاصرة، فرغم العداء العلني بين الجانبين، فهو الصدام الأول، رغم حروب الواسطة التي اتسمت بها ظروف الطرفين ورغم تعددها وظهور الكثير من النتائج والتداعيات لم يستمر أي مظهر من مظاهرها، فسرعان ما كانت تتهاوى النتائج، ليعود الطرفان إلى نسج بيئات صدامية على أمل إعادة فرض موازين قوى جديدة.

وإذا كانت أسباب الصدام قائمة على تماس دائم التوتر والتصعيد وقبول الاشتعال، إلا أنها لم تكن يوماً صداماً مباشراً، إذ ترك الأمر لحلفاء إيران وأذرعها القيام بما هو مطلوب، على قاعدة رئيسة وهي قواعد اشتباك (مزنرة) بقواعد ردع متبادل، أقلها إشاعة أجواء أن إشعال فتيل الحرب المباشرة، سيؤدي إلى حرب إقليمية واسعة وربما عالمية.

بداية الحرب أظهرت مؤشرات تطورت إلى حدود اليقين، أن الولايات المتحدة ستدخل الحرب إلى جانب إسرائيل وقد دخلت، فيما آمال كثيرة علقت على الجانبين الروسي والصيني في الوقوف إلى جانب إيران، لكن ما جرى مفاجئ إلى حد بعيد بالنسبة لإيران، فحتى الآن بدت طهران وحيدة في مواجهة حلفاء كثر دون ظهور مواقف فعلية داعمة، باستثناء مواقف الإدانة والدعوة لوقف التصعيد والدخول في مفاوضات لإيجاد مخارج حلول حتى وإن بدت غير مقبولة لطهران.

بداية أبدت موسكو استعدادها للدخول في وساطة بين الطرفين، لكن سرعان ما قابلها الرئيس الأمريكي برفض دبلوماسي على غير عادته عبر الطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنهاء الحرب على أوكرانيا أولاً، ما يعني أن واشنطن لا ترى في موسكو شريكاً في حلول ممكنة وهي تعامل موسكو كدولة من طراز دول العالم الثالث غير القادرة على إنتاج حلول، بل تُعامل كدولة تحتاج هي لمن يساعدها على حل مشاكلها وأزماتها. وفي التدقيق أكثر، يبرز أن مستوى العلاقات الروسية الإيرانية مثلاً لم يصل إلى مستوى التحالف وهو لم يتعد مستوى الشراكات التي لا تنتج مثلاً حلولاً لحرب في هذه المستويات وهو ما تدركه واشنطن بدقة.

والمفارقة الأخرى، تبدو في الموقف الصيني تحديداً، وهو مفاجئ من الطراز الأول، بالنظر لحجم الشراكات في مختلف المجالات الاستراتيجية ولزمن ممتد لربع قرن وذلك لم يؤثر في موقف بكين في الحرب القائمة حالياً، مكتفية بالنظر من بعيد وكأن الأمر لا أثر له، في حين أن الاتفاقات القائمة بين البلدين، ذات طابع استراتيجي ينبغي أن يلامس أقله حلفاً دفاعياً مشتركاً، الأمر الذي لا يعتبر موجوداً حتى الآن.

والغرابة في موقفي موسكو وبكين، فروسيا مثلاً اتكلت على دعم إيران عبر المسيرات في حربها مع أوكرانيا، فيما عقود النفط التي تؤمنها طهران لبكين، تعتبر ركيزة للاقتصاد الصيني وبذلك أن الموقفين الروسي والصيني ليسا في المستوى الذي تتطلبه الوقائع القائمة. في المقابل بدا الدعم الأمريكي لإسرائيل واضحاً منذ بداية الحرب وينظر إليه فعلياً وعملياً تحالفاً استراتيجياً وهو إعلان دخول الحرب علانية ومباشرة إلى جانب إسرائيل وهو ما حاولت تل أبيب دفع واشنطن الدخول فيه.

وفي أي حال من الأحوال لا تبدو خريطة المواقف الدولية والإقليمية من طرفي الحرب متوازنة، بل ثمة دعم قوي وواضح إلى جانب إسرائيل وهو أمر سيؤدي إلى نتائج واضحة لنهاية الحرب، باختصار ما يجري حالياً من مواجهة بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى هو نتيجة واضحة للزلزال الذي جرى مؤخراً والذي لا زالت تداعياته تتوالى.

والمفارقة الأخرى أيضاً تظهر في عدم الاتعاظ والتعلم من الحروب السابقة ، فما جرى ضد إيران منذ بداية الحرب هو مطابق تماماً لما قامت به إسرائيل في حربها على لبنان، لجهة استعمال التكنولوجيا بشكل رئيسي في مسار الحرب علاوة على الاختراقات الاستخبارية العميقة في البيئة الإيرانية وهو أمر أدى إلى حسم وجهة الحرب منذ بدايتها وهو ما أحسنت إسرائيل استثماره من نظرية التفوق عبر الضربة الاستباقية الأولى، رغم استيعاب إيران لهذه الضربة وقدرتها على إعادة تكوين وإطلاق قواها بسرعة من خلال الرد باستهداف مواقع عسكرية واستخبارية وقواعد جوية إسرائيلية عديدة.

والمفارقة الأخرى كما هو متوقع ، ما له علاقة بتكريس نتائج الحرب والقدرة على فرض معادلات إقليمية وربما دولية جديدة وهو أمر مرتبط أيضاً بقدرة إسرائيل وواشنطن على تثبيت ما تم السعي إليه منذ ربع قرن بالتمام والكمال، سيادة إسرائيل في نظام شرق أوسطي جديد أو كبير، كما نظر إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز وما تبعه من وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت ومن بعدها أيضاً كونداليزا رايس في الحرب على لبنان العام 2006.

بالمحصلة إن الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية ستترك تداعيات وآثاراً كثيرة أقله في منطقة الشرق الأوسط وهي المنطقة التي ينطلق منها عادة تركيب النظم الدولية عبر العصور، ذلك في وقت لا قوى دولية فاعلة وقادرة أو لها رغبة في المشاركة بما يجري التأسيس له لقرن قادم أو أكثر.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن