صحافة

عن الحرب الإسرائيلية - الإيرانية..

إدريس لكريني

المشاركة
عن الحرب الإسرائيلية - الإيرانية..

وأخيراً، بعد 12 يوماً من الحرب الإيرانية الإسرائيلية تم الاتفاق على وقف إطلاق النار بعد تصاعد العمليات العسكرية المتبادلة واستهدافها لمراكز حيوية داخل البلدين، حيث تزايدت الأسئلة القلقة بصدد المستقبل رغم الاتفاق وما إذا كان سوف يصمد ويقود في نهاية المطاف إلى استئناف المفاوضات، بعد أن كادت المواجهات تتطور لتطول مدة النزاع وتتحول إلى مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات الصعبة، بما فيها توسع دائرة العمليات لتشمل مناطق أخرى وبخاصة مع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة باستهدافها العسكري لمنشآت نووية إيرانية.

يتزايد طرح الأسئلة الكبرى أيضاً بصدد حدود الدور الأمريكي، خصوصاً وأن واشنطن اعتادت على دعم إسرائيل عسكرياً واقتصادياً ومالياً ودبلوماسياً حيث سخَّرت حضورها داخل مجلس الأمن كعضو دائم يمتلك حق "الفيتو" للحيلولة دون إصدار قرارات تدين إسرائيل أو تفرض عليها عقوبات اقتصادية أو عسكرية في سياق اعتداءاتها المتكررة على حقوق الشعب الفلسطيني وتوسعها في المنطقة.

إن القضاء على البرنامج النووي الإيراني بضربات عسكرية هو مطلب ظلّ حاضراً لدى قادة إسرائيل منذ مدة وبخاصة مع الشكوك التي بدأت تلوح حول إمكانية تحويله نحو استخدامات عسكرية ويبدو أن التردد والحذر ظل حاضراً إزاء استخدام هذا الخيار الصارم، نظراً لمجموعة من الاعتبارات المرتبطة إجمالاً بالتخوف من ردّ فعل إيراني قوي بشكل مباشر أو من خلال أذرعه في لبنان واليمن والعراق وسوريا، أو بسبب التحفظات الأمريكية إزاء هذا الخيار رغم انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018.

غير أن التحولات المتسارعة التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر الأخيرة، مع وصول ترامب المعروف بمواقفه الصارمة وكذا الدمار الذي لحق بقطاع غزة وما رافق ذلك من استهداف لعدد من القيادات الفلسطينية، ثم استهداف حزب الله في لبنان بضربات قوية وما تلا ذلك من اغتيال عدد من قادته، بالإضافة إلى العمليات المتتالية التي طالت اليمن، علاوة على التحولات السياسية التي شهدتها سوريا وما تمخض عن كل ذلك من تراجع ملحوظ للمد الإيراني داخل هذه المناطق، بالإضافة إلى التصعيد العسكري المحدود الذي طبع العلاقات بين البلدين (إسرائيل وإيران) خلال الفترة الأخيرة وهذه كلها عوامل أسهمت في إنضاج فكرة استهداف إسرائيل للبرنامج النووي الإيراني بمنشئاته المختلفة عسكرياً.

ومع تطور الوضع العسكري الميداني، يظهر أن المغامرة الإسرائيلية لم تكن محسوبة بشكل جيد ودقيق، بالنظر إلى حجم الضربات العسكرية التي قامت بها إيران واستهدفت عدداً من المنشآت داخل العمق الإسرائيلي. إن العمليات المتبادلة بين الطرفين ورغم التكتم الذي يطبع جزءاً كبيراً منها، تحيل إلى أن ثمة قدراً من التوازن في طبيعة الأضرار رغم مرور عدة أيام. فإسرائيل لم تحقق هدفها الرئيسي المتصل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية بشكل كامل، أو بوقف خطر الضربات الصاروخية الإيرانية التي تمكنت في كثير من الأحيان من اختراق أنظمة الدفاع الإسرائيلية، بينما لم تستطع إيران من جانبها الحيلولة دون استهداف كثير من منشآتها النووية والعسكرية.

وأمام هذا الوضع تصاعدت الدعوات تباعاً داخل إسرائيل مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل لحسم المعركة وهي المطالب التي سعت من خلالها إسرائيل إلى إنهاء المعركة بماء الوجه وبأقل كلفة، بل وإلى خلط الأوراق والحسابات. وقبيل تنفيذ الولايات المتحدة الأمريكية لهجومها الجوي على ثلاث منشآت نووية (في مناطق فوردو ونطنز وأصفهان) داخل إيران، كان الاعتقاد السائد في الأوساط الإسرائيلية أن الأمر سيسفر عن تدمير هذه المنشئات بشكل كامل، ما قد يدفعها إلى الاستسلام والتوقف عن استهداف العمق الإسرائيلي.

غير أن إيران ردّت على ذلك، بكونها لن توقف برنامجها النووي، معتبرة أن "التكنولوجيا النووية الإيرانية السلمية لا يمكن تدميرها بأي هجوم". إن الحديث عن منتصر ومنهزم في هذه المواجهة يظل أمراً سابقاً لأوانه، كما أن استمرار العمليات العسكرية وتصعيدها، سيخلف تداعيات خطيرة على المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية إقليمياً ودولياً، بالنظر إلى هشاشة النظام الإقليمي العربي وعدم نجاعة المؤسسات الدولية والإقليمية ذات الصلة بإدارة الأزمات وتسوية النزاعات وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة التي لم تتحرك بعد بالجدية والفعالية المطلوبين.

وفي ظل الوضع الراهن، تبدو كلفة المواجهة باهظة بالنسبة للطرفين، كما تظل كل الخيارات بما فيها توسع دائرة المواجهة قائمة، ما لم تتحرك المبادرات السلمية في هذا الخصوص ولذلك جاء التحرك الأمريكي لوقف الحرب في محاولة لتحاشي الأسوأ.

ومن زاوية أخرى، شكلت المواجهة محطة مفصلية، ستكون لها تبعات وتأثيرات على النظامين الإقليمي والدولي وهو ما يفرض على الدول العربية إعادة حساباتها باتجاه تجاوز الخلافات، في أفق المساهمة في إرساء نظام إقليمي ضمن مصالحها المختلفة وأمنها الاستراتيجي، وسط كل هذه التحديات والتجاذبات وكذا استثمار هذه المتغيرات على طريق إحياء النقاشات الجدّية إقليمياً ودولياً بصدد حلِّ الدولتين، بما يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن