صحافة

"المشهد اليوم"…لقاء "مصيري" بين ترامب ونتنياهو وغزّة "بانتظار الصفقة" ملامح مرحلة أميركية جديدة في سوريا واسرائيل تهدّد الحوثيين بـ"قطع اليد"

فلسطينية تقف بين خيام النازحين في خان يونس بجنوب قطاع غزة (رويترز)

يواصل الاحتلال الاسرائيلي ارتكاب المجازر في قطاع غزة مستهدفًا خيم النازحين العُزل الذين ضاقت بهم السبل وحاصرهم الجوع والعوز في وقت ترفع المنظمات الدولية الصوت عاليًا لوقف حرب الابادة والسماح بإدخال المساعدات وفتح المعابر وتجميد عمل "مؤسسة غزة الانسانية" بعدما تسببت باستشهاد 600 فلسطيني وجرح أكثر من 4 آلاف مصاب منذ مباشرة العمل بالآلية الاسرائيلية - الأميركية. وفي هذا الاطار، حذّر مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية من الأوضاع المأساوية، موضحًا أن أهالي القطاع أصبحوا محصورين في أقل من خُمس مساحة غزة نتيجة أوامر الإخلاء وتصعيد العملية العسكرية.

أما منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فسلّطت الضوء على الخسائر الفادحة التي مُني بها القطاع الزراعي، موضحة أنه "لم يتبق سوى 4.6% من الأراضي صالحة للزراعة"، ما من شأنه أن يترك انعكاسات مُزمنة على الاجيال المقبلة. وينهك هذا الوضع المتأزم كاهل الفلسطينيين الذين يأملون أن تفلح الوساطات القائمة بوقف الحرب بعد فشلها في المرات السابقة بسبب التعنت والتسويف الاسرائيلي، والذي لا يزال قائمًا حتى اللحظة. ولكن الانظار شاخصة حاليًا الى البيت الابيض والضغوط المكثفة التي يمارسها الرئيس الاميركي دونالد ترامب على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو فيما تعمل قطر ومصر على تليين الموقف المُتخذ من قبل حركة "حماس" خاصة في ما يتعلق بشروط إنهاء الحرب ومدى انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.

وفي جديد التطورات، أعلن ترامب عن موافقة إسرائيل على "الشروط اللازمة لإتمام" وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا في القطاع وذلك بعد "اجتماعًا طويلًا وبناء مع الإسرائيليين"، واضعًا الكرة في ملعب الحركة التي دعاها الى الموافقة على الاتفاق المعروض "لأن الوضع لن يتحسن، بل سيزداد سوءًا". هذا وكان نتنياهو أكد، في وقت سابق، أنه سيتوجه إلى واشنطن الأسبوع المقبل للقاء الرئيس الأميركي في زيارة ستكون محط اهتمام لكونها ستحسم ملف الحرب على غزة الى جانب قضايا أخرى تتعلق بتوسيع اتفاقيات السلام في المنطقة وفق الرغبات الاسرائيلية. وتؤكد هذه الوقائع مدى الدور الاميركي وتأثيره على القرار الاسرائيلي، لاسيما أن واشنطن تعتبر الحليف الاستراتيجي لتل أبيب سواء من حيث الدعم العسكري اللامحدود أو عبر الموقف السياسي والذي تجلى برفع "الفيتو" في مجلس الامن الدولي مرارًا لعدم اتخاذ أي قرار بإدانة وحشية اسرائيل وأعمالها الاجرامية.

من جهتها، تبدو "حماس" تواقة للتوصل الى اتفاق يوقف التوسع العكسري الاسرائيلي ويجنّب الأهالي المزيد من الخسائر ولكنها تتمسك بشرط أساسي ويقضي بإنهاء الحرب كليًا وارساء هدنة طويلة الأمد وهو ما يرفضه الجانب الاسرائيلي الذي يربط ذلك بنزع سلاح الحركة وابتعادها عن إدارة غزة. وعليه ستكون الايام القليلة المقبلة حافلة بالمعطيات التي إما ستؤدي الى وقف القتال، ولو جزئيًا، واطلاق سراح الرهائن المحتجزين او ستزيد من حدة المعاناة في حال فشل التفاوض. ويسعى نتنياهو المتمتع بـ"فائض قوة" الى الاستثمار في ما حققه الاسرائيليون في الآونة الاخيرة، سواء ما يتعلق بالتوسع الميداني في غزة والقضاء على كبار قادة "حماس" أو لجهة الأوضاع في سوريا والتي تسير نحو الاتفاق وصولًا الى الضربات على المنشآت النووية الايرانية واستهداف شخصيات سياسية وعسكرية من الطراز الرفيع الى جانب عدد كبير من العلماء النوويين.

في غضون ذلك، لا تزال تداعيات الضربات الاسرائيلية الاميركية على ايران تخيّم على المشهد العام، إذ نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤوليْن أميركييْن إشارتهما الى أن الجيش الإيراني شحن ألغامًا بحرية على متن سفن في الخليج العربي الشهر الماضي، في خطوة وضعت في إطار استعداد طهران الفعلي الى اغلاق مضيق هرمز بعد التلويح بذلك. ووفق المعطيات، يشير تحميل الألغام إلى أن ايران ربما كانت جادة بشأن إغلاق أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم، ما كان سيؤدي الى المزيد من التصعيد العسكري نتيجة اعاقة حركة التجارة العالمية. علمًا أن نحو خُمس شحنات النفط والغاز العالمية تتخذ من مضيق هرمز ممرًا لها، وأن اي محاولات لاغلاقه ستعني ارتفاعًا حادًا في أسعار الطاقة العالمية.

الى ذلك، تتصاعد سقوف التصريحات بين الجانبين الاميركي والايراني في وقت تبدو فيه المفاوضات بشأن ابرام اتفاق نووي جديد متوقفة حتى إشعار أخر. ففي حين يدفع الرئيس الأميركي الى عقد جولة سادسة واستكمال ما انقطع غداة الضربات على ايران، تميل طهران الى اتباع سياسة التأني وتوخي الحذر رغم تأكيدها على أهمية اعتماد السبل الديبلوماسية، وفق ما جاء على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي الذي شدّد، في تصريحات صحافية، على أن "البدء بأي مفاوضات جديدة يتطلب أولًا التأكد من أن الولايات المتحدة لن تستهدفنا عسكريًا خلال فترة التفاوض". ويأتي هذا التصريح على وقع وجود مخاوف حقيقية من انهيار الهدنة الهشّة والعودة الى الحرب خاصة أن أي اتفاق جدي لم يتم عقده بعد بسبب الخلافات الحادة. في المقابل، أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية بأن الهجوم العسكري الذي شنّته اسرائيل على ايران أحيا عن غير قصد مشاعر القومية في الجمهورية الإسلامية وجعل الأوساط المنتقدة لنظام الحكم هناك تتحد في جبهة واحدة ضد العدو الخارجي.

ولاحظت الصحيفة البريطانية عينها أن الحرب، عزّزت، ولو في الوقت الراهن على الأقل، دعم الإيرانيين لعدد من الخطط والسياسات الحكومية وعلى رأسها النظام الصاروخي الباليستي والبرنامج النووي والحملة على "الجواسيس" المتهمين بالتعامل مع إسرائيل. ولطالما واجهت ايران انتقادات داخلية حادة لنظام الحكم السائد ومظاهرات داعية للتغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الا ان ما حصل مؤخرًا أعاد "اللحمة" بين الايرانيين الذين توحدوا في جبهة واحدة لرفض الاعتداءات ضد بلدهم ومقدراتهم النووية. وتواجه طهران ظروفًا شديدة الحساسية والدقة عقب الضربات الاسرائيلية التي استهدفت أذرعها في المنطقة وانقلاب الاوضاع بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

تزامنًا، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن سلاح الجو اعترض صاروخًا أُطلق من اليمن ما تسبب بحالة من الهلع والخوف في صفوف الاسرائيليين الذين هرعوا الى الملاجئ بعد تفعيل صفارات الإنذار في تل أبيب الكبرى والقدس ووسط إسرائيل. من جانبه، هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الحوثيين قائلًا "مصير اليمن هو مصير طهران". وقال: "بعد أن ضربنا رأس الأفعى في طهران، سنستهدف الحوثيين في اليمن أيضًا.. من يرفع يده ضد إسرائيل، ستُقطع يده". أما السفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي فسارع بدوره الى التلويح باستخدام "قاذفات بي 2"، وذلك إشارة إلى قصف الولايات المتحدة لمفاعل فوردو النووي الإيراني بتلك القاذفات. يُشار الى ان الحوثيين تحدثوا عن تنفيذ عملية استهدفت مطار اللد بصاروخ باليستي فرط صوتي، موضحين، في بيان، بأن العملية حققت هدفها بنجاح وتسببت في هروب الملايين وتوقف حركة المطار.

سوريًا، دخل قرار الرئيس الأميركي التنفيذي برفع العقوبات عن سوريا حيّز التنفيذ أمس، الثلاثاء، في خطوة لاقت اشادات محلية وخارجية لاسيما أن ذلك سيؤدي الى تعزيز الاستقرار في سوريا ومنحها فرصة من أجل التعافي الاقتصادي ومعالجة تداعيات الحرب الدموية التي أنهكت البلاد. وألغى الأمر التنفيذي لترامب حالة الطوارئ التي كانت مفروضة على سوريا منذ عام 2004 الى جانب إعفاءات على قيود التصدير والتجارة وصولًا الى القرار القاضي بمراجعة تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب. كما نص بشكل صريح على بقاء العقوبات على الأسد والمرتبطين بنظامه، ومن دعموه ماديًا وعسكريًا، ومن ارتكبوا جرائم حرب وضد الإنسانية بحق الشعب السوري، كما بقيت العقوبات على تنظيم "الدولة الاسلامية" والجماعات التي تصفها الولايات المتحدة بالمتطرفة والموالية لإيران.

ويجسد هذا القرار تحولًا كبيرًا في السياسة الأميركية تجاه سوريا منذ أكثر من عقدين، خصوصًا لجهة رفع العقوبات والحدّ من القيود الاقتصادية التي كانت تكبل دمشق وتمنعها من المضي قدمًا ما سيفسح المجال أمام النظام السوري من أجل استقطاب رؤوس الأموال والمشاريع الاستثمارية الضخمة التي بدورها ستعيد لسوريا دورها على الخارطة السياسية بعد سنوات طويلة من العُزلة الديبلوماسية. وضمن السياق، وصف وزير المالية السوري محمد يسر برنية، القرار الأميركي بـ"الخطوة الكبيرة والمهمة التي ستنعكس إيجابًا على الاقتصاد السوري"، مؤكدًا عزم الحكومة على "الاستفادة من كامل الفرص، ومواصلة تقوية الإدارة المالية، وتعزيز النزاهة"، بحسب تعبيره.

وفي الشؤون الدولية، حقق المرشح لمنصب رئيس بلدية نيويورك زهران ممداني نجاحًا باهرًا بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، مما يمهد الطريق أمامه ليكون مرشح الحزب لانتخابات رئاسة البلدية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. في حين يواصل الرئيس ترامب تهديداته العلنية وشنّ حملة شعواء ضد وصوله الى رئاسة البلدية حيث توعد باعتقاله إذا لم يتعاون مع دائرة الهجرة والجمارك في حربه ضد المهاجرين غير النظاميين. ويحمل ممداني، المسلم والمهاجر في آن واحد، افكارًا مناقضة لسياسات ترامب سواء ما يتعلق بدعم اسرائيل والحرب الجارية في غزة وصولًا الى رفضه كل ما يتعلق بتضييق الخناق على المهاجرين.

ما يجري على الصعد المحلية والاقليمية كان محل اهتمام الصحف العربية الصادرة اليوم. وهنا نظرة على ابرز ما ورد في العناوين والتحليلات الصباحية:

لفتت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أن "ما جرى في المنطقة مؤخرًا، من حرب إسرائيلية - أمريكية على إيران طرح أسئلة مهمة حول العلاقات العربية- الإيرانية، وكيفية الانتقال في هذه العلاقات إلى مرحلة جديدة من التفهم والسعي إلى ترميم العلاقات في إطار السيادة والقانون وحسن الجوار"، مؤكدة أنه "بحكم التاريخ والجغرافيا، يفترض قيام علاقات مستقرة ومزدهرة كما دعت دول المجلس إلى ذلك دائمًا، وهذا يفترض مراجعة لسياسات أدت إلى حدوث شرخ في هذه العلاقات، وحالة من عدم التفهم أثارت العديد من السلبيات في العلاقات، وهذه المراجعة مطلوبة من إيران الجارة أكثر من غيرها".

وتحت عنوان "هل تراجع ايران خطابها السياسي؟"، كتبت صحيفة "البلاد" البحرينية "كل المؤشرات والشواهد توحي بأن طهران لم تكن تريد سوى قليل من حفظ ماء وجهها في المباحثات غير المباشرة الأولية التي جرت بينها وبين واشنطن، وذلك توطئة لتغيير خطابها السياسي وسياساتها المتشددة في المنطقة، لكن الرئيس ترامب لم يكن يقبل أقل من إذلالها واستسلامها غير المشروط على شاكلة إذلاله للرئيس الأوكراني"، متوقعة أن "إيران ستتعلم هذه المرة من دروس هزائمها القاسية في المنطقة ثم في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، وأن تنتقل من إيران الثورة إلى إيران الدولة، وأن تتخلى عن خطابها الثوري الخشبي المتقادم وتتبنى خطابًا سياسيًا أكثر واقعية".

من جهتها، رأت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "الحرب لم تنتهِ ومشروع إيران النووي لن يتراجع، وسوف تعيد أمريكا حساباتها بعيدًا عن أكاذيب إسرائيل، لأن إيران، التاريخ والحضارة، لن تستسلم لتجّار الحروب وقتلة العصر"، مشيرة الى أن "إيران عادت لتحيى مشروعها النووي الذي تعتقد أمريكا أنها قضت عليه، وكل الشواهد تؤكد أن اليورانيوم المُخصب تم تهريبه، وهذا يعني أن إيران سوف تُعيد مشروعها ولن تُفرط فيه"، على حدّ قولها.

ومن وجهة نظر صحيفة "عكاظ" السعودية فإن "التحرك السوري باتجاه السلام ليس مجرد خيار سياسي، بل ضرورة استراتيجية فرضتها ظروف سوريا الصعبة بعد حرب طاحنة استمرت أربعة عشر عاماً. وقالت "سوريا تدرك أنها لم تعد قادرة على الاستمرار في حالة اللا سلم واللا حرب التي استنزفت طاقاتها لعقود. السلام سيعيدها إلى دائرة الفعل الدولي ويفتح أمامها فرصًا اقتصادية وسياسية كبيرة، مما يمكّن سوريا من إعادة بناء مكانتها الإقليمية والدولية، وجذب استثمارات ضرورية لإنعاش اقتصادها وإعادة إعمار ما دمرته الحرب".

بدورها، أكدت صحيفة "الغد" الأردنية أن "اللقاء المقبل بين ترامب ونتنياهو سيتجاوز مناقشة وضع غزة، ليدخل مباشرة في ملف إيران، وسورية، وربما مستقبل قواعد الاشتباك في لبنان، والأيام المقبلة ستكشف ما إذا كنا أمام مقدمة تصعيد عسكري جديد ضد طهران، أم على أعتاب تفاهمات كبرى يعاد من خلالها توزيع النفوذ في المنطقة". وخلصت الى أن "الشرق الأوسط يتجه نحو منعطف حساس، يتقاطع فيه منطق القوة مع الحسابات السياسة، وحيث ستقرر اللقاءات "غير المعلنة" القادمة مصير الحروب والأزمات التي دامت لسنوات".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن