صحافة

"المشهد اليوم"…تصعيد يواكب مفاوضات غزّة والكرة في ملعب "حماس"ايران تعلق تعاونها مع "الطاقة الذرية" ورد لبنان الرسمي على الورقة الاميركية في خواتيمه

غارة إسرائيلية على مخيم للنازحين الفلسطينيين في شمال خان يونس مع تصعيد العمليات العسكرية (أ.ف.ب)

على الرغم من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب موافقة اسرائيل على "الشروط اللازمة لإتمام" وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا في غزة ووسط مؤشرات متزايدة عن تقدم في ارساء هدنة جديدة بضغوط من الوسطاء، الا ان قوات الاحتلال صعّدت بشكل هيستيري عملياتها العسكرية على وقع أوامر الاخلاء الفوري التي طالت أحياء سكنية واسعة فيما بات الأهالي "يتكدسون" في منطقة المواصي التي أصبحت متراصة بخيم الفلسطينيين الباحثين عن الأمان.

وشهدت الساعات الـ24 الماضية على تطورات ميدانية خطيرة أدت الى استشهاد ما يزيد عن 111 فلسطينيًا وإصابة العشرات، معظمهم من منتظري المساعدات بالقرب من مراكز التوزيع التي حددتها "مؤسسة غزة الانسانية"، التي تحولت الى نقطة "لقتل" الفلسطينيين وفق أوامر مباشرة من الجنود الاسرائيليين باستهداف المدنيين العُزل الذين تحولوا الى مجرد أرقام في حرب الابادة المستمرة منذ أكثر من 20 شهرًا. وكانت 170 منظمة دولية وأممية رفعت الصوت عاليًا لوقف الالية "القاتلة" بتوزيع المعونات الغذائية، والمدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة الاميركيةـ وتفكيك هذه المؤسسة المشبوهة الأهداف التي حلت مكان "الأونروا" ومنظمات الامم المتحدة التي رفضت أن تكون شريكًا في الجرائم الجارية.

ودأبت اسرائيل "لغايات في نفس نتنياهو" على تقويض عمل وكالة "الأونروا" واستهدافها من أجل تنفيذ مخطط التهجير الذي يجري على قدم وساق وسط صمت دولي مريب. وفي إطار هذا المخطط، لفت وزير الطاقة الاسرائيلي ايلي كوهين الى أنه تم إنشاء مديرية خاصة في وزارة الدفاع لـ"إخراج أكبر عدد ممكن من سكان القطاع طوعًا"، داعيًا الى دفع "هذه الخطة بكل قوة، حيث أنه لا يوجد سيناريو لإعادة إعمار قطاع غزة في المستقبل القريب". ويأتي ذلك بالتزامن مع اعلان "هيئة البث الإسرائيلية" أن جيش الاحتلال أطلق تسمية "الليث المشرئب" على عدوانه المتواصل. وتستفيد تل أبيب من الدعم الاميركي اللامتناهي لاستكمال اجرامها الوحشي وفرض واقعًا جديدًا على الغزيين الذين يتوقون للحظة الاعلان عن وقف النار بعد 660 يومًا من الحرب.

هذا ولا تزال معطيات المقترح الجديد الموضوع على طاولة المفاوضات مدار بحث وتدقيق من قبل حركة "حماس" التي أعلنت أنها تدرس "بمسؤولية عالية" المسودة النهائية، خاصة أن هدف الحركة هو انهاء الحرب كليًا وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي وتقديم المساعدات للسكان. وتضغط الدول المفاوضة، كمصر وقطر، على المعنيين للقبول بما هو موضوع على الطاولة مع وجود "ضمانات" بأن فترة الهدنة ستشهد مباحثات جدية لوقف النار كليًا. وعليه فإن الكرة اليوم في الملعب الفلسطيني، فإما الموافقة على الاتفاق "ولو على مضض" أو رفضه مع ما يعنيه ذلك من تصعيد ميداني جديد حذّر منه الرئيس ترامب. يُذكر أن المقترح المقدم هو ذاته مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف مع إحداث بعض التغييرات الطفيفة عليه وسط إصرار إسرائيل على شروطها والمتعلقة بإنهاء حكم "حماس" ونزع سلاحها كما نفي كبار قادة الحركة للخارج.

تزامنًا، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما بات معتادًا، تحديًا يتعلق بموقف الوزيرين "المتطرفين" بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يرفضان أي صفقة مع "حماس" ويطالبان باستمرار الحرب وتوسيعها. وسيعقد نتنياهو مساء السبت المقبل جلسة للمجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابنيت)، قبيل توجهه إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي حيث سيكون موضوع غزة على قائمة الاولويات الى جانب ملفات آخرى تتعلق بإيران واتفاقيات التطبيع في المنطقة. وتلفت هذه الزيارة الثالثة لنتنياهو الى البيت الابيض، منذ وصول ترامب الى سدة الرئاسة، الانتباه لانها تواكب المستجدات الحاصلة في ملف مفاوضات الهدنة والتبشير بخواتيم ايجابية تدفع لها واشنطن.

وتحاول تل أبيب توظيف ما حققته من "مكاسب" سياسية على الارض منذ عملية "طوفان الاقصى"، مدفوعة برغبة دفينة لتحقيق حلم اسرائيل الكبرى في وقت تشهد فيه المنطقة برمتها خضات وتغيرات دقيقة تثبت موزاين قوى اقليمية تصب في هذا الاطار. فمع استمرار حرب غزة وعملية "الاسد الصاعد" في ايران وصولًا للتغير الجذري في سوريا تعمل اسرائيل على ارساء معدلات جديدة، حيث كشفت "هيئة البث الإسرائيلية" عن محادثات دبلوماسية غير مُعلنة تجري بين تل أبيب وموسكو تتعلق بكل من إيران وسوريا. ووفق التقرير عينه، بدأت هذه المحادثات بعد نحو أسبوع من انتهاء حرب الـ12 يومًا، حيث ترى جهات إسرائيلية أن موسكو قد تشكل قناة محتملة لإرساء التهدئة في هذين البلدين.

في غضون ذلك، لا تزال تداعيات الحرب على ايران تتفاعل لاسيما لجهة الاضرار التي خلّفتها الضربات العسكرية، إذ قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن الغارات الجوية التي نفّذتها الولايات المتحدة على المواقع النووية الإيرانية (في اشارة الى نطنز، فوردو وأصفهان) أدت إلى تراجع برنامج طهران النووي للوراء لما يصل إلى عامين. وكانت نتائج هذه الضربات محل سجال طويل بين واشنطن وطهران التي اعترفت مؤخرًا على لسان وزير خارجيتها عباس عراقجي بالأضرار "الجسيمة والفادحة" التي أصابت منشأة "فوردو" على وجه التحديد. في حين، قررت طهران التصعيد بوجه "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" وتجميد تعاونها رسميًا بعدما وقع الرئيس مسعود بزشكيان على القانون الذي أقرّه البرلمان الأسبوع الماضي وسط تحذيرات دولية من خطورة هذه الخطوة على مستقبل المفاوضات المتعلقة بملف ايران النووي. ويشترط القانون، الذي تمت المصادقة عليه، موافقة مجلس الأمن القومي الأعلى على أي عمليات تفتيش مستقبلية.

ولا يبدو النظام الايراني في وارد التراجع عن تعليق التعاون خاصة بظل اتهامه الوكالة ومديرها رافائيل غروسي بالتواطؤ مع "العدوان الاسرائيلي الاميركي" وعدم ادانته وشجبه الضربات العسكرية على المنشآت النووية، بل حتى وصل الامر ببعض الصحف الايرانية (كصحيفة "كيهان") الى المطالبة باعتقال الاخير واعدامه. من جانبها، اكتفت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بالاشارة الى أنها أخذت علمًا بالقرار الصادر ولكنها تنتظر توضيحات رسمية من إيران. وفي إطار ذات صلة، تستكمل ايران حربها على من تسميهم بالمتعاونين والمتواطئين مع الكيان الاسرائيلي، اذ وجهت أمس تهمة "التجسس لحساب الموساد" و"التآمر لقلب النظام" و"الإفساد في الأرض" لفرنسيّين اثنين محتجزين في ايران من دون اظهار أي إثبات أو دليل على صحة هذه الاتهامات.

لبنانيًا، تتصدر الزيارة المهمة للسفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص للرئيس ترامب إلى سوريا توم برّاك سلم الأولويات الداخلية خاصة أنها ستتناول مواضيع حاسمة تتعلق بسلاح "حزب الله"، ترسيم الحدود اللبنانية -السورية الى جانب ملف الاصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي. ويبدو لبنان حاسمًا لجهة الخروج بموقف رسمي موحد يعكس وحدة داخلية رغم ما يشوب ذلك من اختلافات جوهرية، فورقة الرد على المقترح الاميركي الذي حمله برّاك، في وقت سابق، أصبحت في مراحلها النهائية رغم ما يعتريها من نقاط توضيحية عديدة ولكن المسعى اللبناني يتركز حاليًا على رفض الاحتلال الاسرائيلي في التلال الخمس والدعوة لوقف الاعتداءات والانتهاكات اليومية وتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار الذي لم تلتزم به اسرائيل ولو ليوم واحد.

وفي هذا الإطار، علمت صحيفة "الجريدة" الكويتية أن اجتماعًا عقد ليل الثلاثاء - الأربعاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووفد من "حزب الله"، لبحث الملاحظات التي يريد الحزب أن يأخذها الرد الرسمي اللبناني بعين الاعتبار. ووفق ما تشير المصادر، فإن الاجتماع لم يخلُص الى نتائج نهائية، وإن الأمور لا تزال بحاجة إلى بعض وقت وبحث متواصل بين الجانبين. يُذكر أن الورقة الأميركية تدعو الى سحب سلاح الحزب وكل الفصائل اللبنانية وغير اللبنانية خلال مدة لا تزيد عن 6 أشهر، أو مع حلول نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وفق آلية تنفيذية تفصيلية. هذا وكان الأمين العامّ لـ"حزب الله" نعيم قاسم رفع السقف عاليًا بتأكيده أن الحزب يرفض "أيّ تهديد بالقوّة أو تدخل خارجي في القرارات الداخليّة"، مؤكدًا أنّه "لن ينقاد إلى الذل ولن يسلّم الأرض أو السلاح للعدو الإسرائيلي".

وفي الجولة الصباحية على الصحف العربية الصادرة نلحظ اهتمامًا بالملفين الايراني والسوري الى جانب الاوضاع في غزة. وهنا موجز أبرز ما ورد في العناوين والمقالات:

رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "الحل لاستقرار الشرق الأوسط لا يكمن في انتشار القنابل النووية، سواء تلك الإيرانية المرتقبة أو الإسرائيلية الموجودة. فإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، رغم كونه هدفًا مثالي النزعة وبعيد المدى، إلا أنه يجب أن يبقى طموحًا إقليميًا مستمرًا"، موضحة أن "أنجع حل ويفضي إلى بناء الثقة والاعتراف المتبادل هو في قبول مبدأ التعايش دون الخضوع للهيمنة الأيديولوجية.. وقطعاً لن يتحقق ذلك الاتفاق النهائي دون أن تحل أولاً القضية الفلسطينية، القضية المركزية في الشرق الأوسط وأساس أو "قميص عثمان" صراعاته، وذلك عبر قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية 2002"، وفقًا لرأيها.

صحيفة "الصباح" العراقية، من جهتها، شددت على أن "في هذه الحرب (اي الحرب على ايران) برهن ترامب أنه ليس خارجًا عن النظام الدولي، أو يسعى لتعطيله فقط بل لتطويعه لأهدافه وكأنه اعلى سلطة منه"، معتبرة أن "تفويت الفرصة على الكيان الاسرائيلي واميركا في ما يخططان للمنطقة تقتضي من دولها بناء جبهة داخلية قوية واستخلاص الدروس، ومنها أن المال سلاح مهم في التجسس واصطياد العملاء والاختراق وقرأنا كيف امتد إلى مفاصل دول ومجتمعات بمسميات كثيرة، ووصل في هذه الحرب إلى اعلى مراحله".

ولفتت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أن "المفاوضات الجارية حول وقف إطلاق النار في غزة وإبرام صفقة تبادل للأسرى تتأرجح بين نقطتين أساسيتين هما إنهاء الحرب أو، على الأقل، التعهد بإنهائها بضمانات أمريكية مكتوبة، ورفض إسرائيلي قاطع لإنهائها قبل تحقيق أهدافها"، جازمة بأن "الحاجة إلى إبرام صفقة شاملة باتت تمثل الفرصة الأخيرة قبل الانزلاق إلى المجهول، وهي مرهونة، بجدية الضغط الأمريكي، والذي، كما يبدو، ترغب إدارة ترامب من خلاله، في فتح الطرق أمام تسويات إقليمية تعمل على إنجازها، من بوابة غزة"، بحسب تعبيرها.

بدورها، أشارت صحيفة "الدستور" الأردنية الى أن "ترامب يضغط لإنهاء محاكمة نتنياهو، والتي تُشكِّل خطرًا على مستقبله السياسي ويسعى إلى تقديم هدية كبرى لإسرائيل، وذلك في فتح أبواب التطبيع مع دولة كسوريا". وأردفت قائلة "وما بين وقف إطلاق النار في غزة والتطبيع السوري، يبدو أن المعادلة السارية في الشرق الأوسط: حلحلة المعضلة الإيرانية..وأن وقف إطلاق النار مع إيران مجرد تكتيك مؤقت، تمهيدًا لحرب كبرى هدفها تقويض النظام السياسي في طهران. وبين ثنايا المعادلة السارية شرق أوسطيًّا، بناء محور سُنّي عربي/طائفي ضد إيران".

في سياق متصل، طرحت صحيفة "اللواء" اللبنانية مسألة وقوف لبنان الرسمي عند حدود الترحيب بالمبادرة الاميركية المطروحة كمحاولة لضبط التصعيد، لكنها لفتت ايضًا الى "عدم بلورة موقف واضح منها، خصوصًا وأن المقترحات تتطلب توافقًا داخليًا غير متوافر حاليًا، في ظل انقسام حاد حول مسألة سلاح "حزب الله"، ودور الدولة في قرار السلم والحرب". وتساءلت "فهل المطلوب إدارة الأزمة وتدوير زواياها، أم البحث فعلًا عن حلول جذرية تُعيد ترتيب الأولويات، وتستعيد الاعتبار للدولة ومؤسساتها؟".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن