صحافة

مساحات حذرة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية

طارق فهمي

المشاركة
مساحات حذرة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية

تتباين الرؤى والمقاربات الراهنة بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بشأن بعض الملفات الرئيسية المطروحة وفق أولويات كل طرف، ما يؤكد أن التوصل لاتفاق بشأن ما سيتم بين الطرفين يمكن أن يمضي في إطار من "حلول وسط" أو مقايضات ستجري وفق كل ملف مطروح، وبما يحقق مصالح كل طرف ومراعاة مساحة الخلاف المطروحة.

من الواضح أن هناك مساحات للتباين بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، حيث يدرك الجانبان أن ملف إيران يظل مساحة خلاف كبيرة بين الجانبين، خاصة مع إدراك أن حصيلة مواجهات الـ12 يومياً ستظل محل جدال ونقاش استراتيجي وعسكري بل وأمني، لجملة من الأسباب أهمها تضارب مواقف الداخل في الولايات المتحدة وإسرائيل من التعامل مع الحالة الإيرانية، خاصة مع دخول جهات رسمية أمنية واستخباراتية في الولايات المتحدة وإسرائيل، بل وبعض الدول الغربية للتأكيد على أن ما تم من ضربات مرتبط بالفعل بالكثير من أسرار لم تتكشّف بشأن تضرر القدرات الإيرانية نتاج توجيه الضربة على إيران، وتوقعات الجانبين الأميركي والإسرائيلي بأن إيران قد تعمد للمراوغة في التعامل بالفعل.

الأمر الذي يتطلب سرعة في التعامل، وإعادة التأكيد على أن كل طرف له حساباته في التعامل مع الخطر الإيراني، حيث يتباين الموقفان في حدود الخطر والتهديد بل وإمكانية فتح مسارات جديدة في التعامل ما قد يكلف الجانبين الكثير من التبعات السياسية والأمنية والاستراتيجية في المديين القصير والمتوسط، ما لم يتم التنسيق، ومن ثمَّ فإن سرعة التحرك مطلوبة ومهمة، كما يري الجانب الإسرائيلي وعدم الارتكان لخيار واحد في هذا السياق.

في الإطار السابق فإن الولايات المتحدة ستستمر في اتباع نهج قائم على فكرة الحوار الاستراتيجي مع ترقب ومتابعة السلوك الإيراني، ومدى تقبله للموقف الأميركي، خاصة أن الموقف الإيراني يعتمد على إطالة أمد التفاوض، وهو أمر قد يؤدي لتبعات استراتيجية وتوصل إيران لمرحلة العتبة النووية، وحسم الأمر وهو ما يتخوف من تبعاته الجانب الإسرائيلي.

في المقابل فإن إسرائيل ترفض النهج الأميركي وتتحفّظ على تفاصيله بالكامل، وترى أن الحل يجب أن ينطلق من خيار القوة والعمل على تطويع إيران، وإرجاعها للتفاوض، وليس من خلال جلسات للحوار، وإنْ كان هذا التوجه يري أن إسرائيل قد تدفع تكلفة عالية في حال اعتماد مقاربة القوة الحاسمة، ما يدفع نحو العمل على خيارات حقيقية، تقلّل أية ارتدادات أمنية أو تكلفة على الداخل الإسرائيلي، رغم التسليم بذلك في حال الإقدام على تصعيد عسكري، والدخول في مواجهة جديدة وشاملة، خاصة أن إسرائيل تتخوّف من احتمالين الأول: اتجاه إيران إلى إجراء تجربة نووية مفاجئة/ تفجير نووي، وبالتالي حسم الأمر لصالحها.

الثاني: الخروج من معاهدة منع الانتشار النووي، وبالتالي التحرر من الموقف الراهن والانتقال منه تدريجياً إلى التخصيب من دون رقابة دولية، ويدعم الموقف الإسرائيلي في هذا الإطار أن إيران ترفض التعامل مع عودة مفتشي الوكالة مرة أخرى للعمل في المنشآت النووية. أما ملف غزة، فإنه شائك خاصة أن الإدارة الأميركية تريد أن تصل إلى اتفاق سلام نهائي في القطاع، وحسم الأمر في ظل ضغوطات تقوم بها عناصر الإدارة، خاصة كل من المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف والمبعوث الخاص بالرهائن آدم بوللر.

وفي المقابل، فإن الحكومة الإسرائيلية -حتى مع قبولها بمبدأ التفاوض تحت ضغوطات أميركية- فإن الأمر بالنسبة إليها مازال يتّسم بحالة من عدم الوضوح حتى مع افتراض توصل الإدارة الأميركية لحل وإتمام الاتفاق المتعثر، فإن إسرائيل ستعتمد الحل التدريجي المرحلي، ودون الاتجاه إلى حل نهائي في الوقت الراهن، خاصة أن الإدارة الأميركية قد تعمل على خيار بقاء حركة "حماس" في المشهد بصورة غير مباشرة، وبقاء بنيتها العسكرية لبعض الوقت، وهو أمر محل خلاف واعتراض من الحكومة الإسرائيلية، التي لا تريد بقاء "حماس" في السلطة الراهنة، بل وتعمل على طرح البديل الداخلي، ومن ذلك ما يجري خاصة من بعض الوجوه المناوئة لحركة "حماس" من ممثلي العشائر وغيرهم، ما يؤكد على أن الأمر سيظل محل تباين سياسي وأمني بين الجانبين.

في المجمل تتباين الرؤى الأميركية والإسرائيلية في العمل على إقرار الترتيبات المطروحة في كل من غزة وإيران. فبالنسبة لغزة تريد الإدارة الأميركية حلاً اقتصادياً وليس سياسياً، فيما ترى إسرائيل أن الحل يجب أن يكون أمنياً في المقام الأول، وأنه لا حلول سياسية في ظل وجود حركة "حماس"، وبالنسبة لإيران ترى الحكومة الإسرائيلية أن المفاوضات الإيرانية الأميركية المخطط لها في النرويج مضيعة للوقت، وأن الحل استئناف المواجهات العسكرية لحسم الأمر على أرض الواقع، ما يشير إلى أن إسرائيل ستستمر في التأكيد المسبق على إفشال الحل السياسي في التوصل إلى اتفاق ملزم لإيران، وفي كل الأحوال ستظل الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية على مقربة من مساحات التوافق، ولو الشكلي مع العمل على تنفيذ الأهداف المخطط لها إسرائيلياً أولاً ودون صدام حقيقي مع الإدارة الأميركية.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن