المرشد الأعلى هو "الولي الفقيه" الذي بيده كلّ خطوط اللعبة السياسية والصلاحيات غير المحدودة، والكلمة النهائية في شؤون الأمن والدفاع والإعلام والدين، وتعيين غير المنتخبين في المجالس المختلفة، من مجلس خبراء القيادة إلى الأجهزة الأخرى. وكلّ هؤلاء الأعضاء يجب أن يمرّوا بامتحان ديني يشرف عليه مجلس صيانة الدستور، ويتمّ رفض معظم المرشحين، أكانوا مستقلّين أو ممن لا يلتزمون بالكامل بخطّ ولاية الفقيه. وكذلك، أعضاء مجلس الشعب الذي يخضع لشروطٍ قاسيةٍ إذ يخضع المرشح الذي يرغب بترشيح نفسه لموافقةٍ مسبقةٍ من مجلس صيانة الدستور، وغالبًا ما يستبعد هذا المجلس معظم المرشّحين، خصوصًا من التيار الإصلاحي، أو المعارضين لهيمنة الولي الفقيه، وعادةً ما يُستبعد المرشحون من الأقليات الدينية، أو مَن يُعتقد أنّهم من المنتقدين للنظام، فإذن الحديث عن الديموقراطية هو حديث في أقلّ ما يمكن شكلي.
القابض على السلطة، وهو الولي الفقيه، يتعامل مع الأجهزة المختلفة التنفيذية بطرقٍ مختلفة، فيعطي أوامر إلى هذا الجهاز بالتشدّد، وإلى ذلك الجهاز بخلاف ذلك، تجاه القضايا التي تُفرض على إيران. والولي الفقيه هو رئيس السلطة القضائية أيضًا، الذي يُعيّن رئيس السلطة القضائية التي تُدير المحاكم بما فيها محاكم الثورة ذات السلطة المُطلقة.
الحرب الإسرائيلية جعلت النظام الإيراني يواجه الحقيقة من دون قدرة على استخدام "الأذرع" التي صرف عليها بلايين الدولارات
هذا الحزام الحديدي من المؤسّسات صُمّم من أجل بقاء النظام أطول فترةٍ ممكنة. لذلك، نجد في الوقت الذي تتقدّم فيه بعض القوى للدفع بفكرة التفاوض مع الغرب، أو مع دولٍ أخرى، تقوم قوى أخرى بإرسال الأسلحة وتدريب المُنتمين إلى قواها الخارجية، من أجل إشاعة عدم الاستقرار في دول الجوار، وفي العالم أيضًا.
هنا تكمن أزمة النظام، وبخاصة بعد الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الأخيرة، والتي جعلت النظام الإيراني يواجه الحقيقة مباشرةً من دون قدرةٍ على استخدام "الأذرع" التي صرف عليها بلايين الدولارات.
إذًا هذه الأزمة مُستحكمة اليوم، فإمّا أن يذهب إلى التفاوض، ويصل إلى نتيجةٍ مُرضيةٍ للطرف الآخر، وفي حدّها الأدنى تخفيض التخصيب، وفرض رقابة على الأسلحة طويلة المدى، وضبط التدخل في الجوار، أو يذهب إلى التصعيد، وفي كلتا الحالتَيْن أمامه أزمة مُستحكمة.
جماعات واسعة داخل إيران وجدت أنّ النظام صبّ كل جهده لحماية نفسه مهما كلّفه ذلك من مال وجهد وبشر وقمع
فإنْ ذهب إلى الحوار والوصول إلى نتيجةٍ مرضيةٍ للمجتمع العالمي، معنى ذلك أنّه يضع اللمسات الأخيرة على نعش النظام، حيث سيرى الجمهور المؤيّد له في القوى الصلبة، أنّه يسير على عكس ما قال لهم في الـ40 سنة الماضية من محاربة "الشيطان الأكبر" و"الشيطان الأصغر" وما بينهما. وإن ذهب الى التشدّد، ورفض أي صيغة من صيغ التعايش، فإنّ الحرب قائمةٌ من جديد، وقد تكون أقسى من حرب الـ12 يومًا الماضية.
من الثابت أيضًا أنّ هناك جماعاتٍ واسعةً في داخل إيران، معارضة بدرجاتٍ مختلفةٍ لهذا النظام، بحيث وجدت أنّه بعد هذه الفترة الطويلة نسبيًا، لم يُقدّم ما وعد به، خصوصًا في الحرّيات، وفي برامج التنمية، إنّما صبّ كل جهده لحماية النظام مهما كلّفه ذلك من مالٍ وجهدٍ وبشرٍ وقمع.
حُكم الإيديولوجيا يُدخل المجتمعات في سكة مقفلة لا مخرج منها إلّا بالتخلّص من ذلك الحُكم
وإن اختار العناد، فإنّه بذلك ينتحر خوفًا من الموت، وهو ما يُشكّل أقصى درجات الحيرة لأي نظام سياسي في العالم، فإن تقدّم خطوةً إلى الأمام خاطر في سقوطه، وإن تأخر خطوةً إلى الخلف، أدّت أيضًا إلى سقوطه!.
نحن أمام فترةٍ حرجةٍ للنظام الإيراني، ونستطيع أن نرى الأزمة بين النّخب الإيرانية اليوم في داخل النظام نفسه، بعضها يتوجّه إلى المساومة والمراجعة، وبعضها يرغب بالاستمرار في المواجهة، وكلا الرغبتَيْن المُثيرتَيْن للعجب موجّهتان من "الإمام المعصوم"!. هكذا هي الأنظمة التي تُبنى على الإيديولوجيا بصرف النظر عن نوع الإيديولوجيا أكانت دينية أو حديثة، حُكم الإيديولوجيا يُدخل المجتمعات في سكةٍ مقفلةٍ لا مخرج منها إلّا بالتخلّص من ذلك الحُكم.
(خاص "عروبة 22")