صحافة

"المشهد اليوم"…اسرائيل تُصعّد وواشنطن تصف حرب غزّة بـ"الوحشية"زيارة المبعوث الاميركي للبنان "دون ضمانات" وايران تتمسك ببرنامجها لتخصيب اليورانيوم

طوابير من الفلسطينيين يتجمعون لتلقي الطعام من مطبخ خيري وسط أزمة جوع حادة تفتك بالقطاع (رويترز)

بين مخطط التهجير والتجويع يعيش سكان قطاع غزة بعدما أخذت الحرب الدائرة رحاها منذ أكثر من 21 شهرًا منعطفًا خطيرًا لا يمت بصلة لهزيمة حركة "حماس" او اطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لديها، بل ان الواقع المُعاش حاليًا يؤكد ان المخطط الاسرائيلي يهدف الى القضاء على القطاع الصحي والاستشفائي بشكل كامل بالتزامن مع حصار مطبق واغلاق كافة المعابر واستهداف المنظمات والوكالات الدولية التي لا زالت تعمل في القطاع، ولو بطاقتها الدُنيا.

واستغلت إسرائيل احداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 كي تمضي قدمًا في استراتيجيتها القائمة على تضييق الخناق على الفلسطينيين بشتى الوسائل الممكنة من قصف لمراكز الايواء وخيم النزوح الى فتح النيران مباشرة على طوابير المجوعين بالقرب من "مؤسسة غزة الانسانية" وصولًا الى اوامر الاخلاء شبه اليومية والتي باتت تقضم مساحات واسعة جدًا من القطاع فيما يحتشد اكثر من مليون فلسطيني في منطقة المواصي وحدها، والتي رغم تصنيفها آمنة، يقوم جيش الاحتلال باستهدافها موقعًا عشرات الشهداء والجرحى. هذا ولا تزال ردود الفعل والتحركات الرسمية دون المستوى المطلوب خاصة أن المجاعة باتت تستفحل في القطاع رسميًا ويعاني السكان هناك من اوجاعًا وغثيان ودوران ويتساقطون، بحسب المشاهد المتداولة، من شدة الاعياء والهزال.

فمنذ 140 يوميًا والاحتلال يحارب أهالي غزة بسلاح التجويع والتعطيش القاتل والذي حصد، بحسب وزارة الصحة، 20 شخصًا خلال 48 ساعة الماضية فقط، محذرة من أن ما يجري في غزة سياسة تجويع مُمنهجة أسفرت حتى الآن عن 86 حالة وفاة بسبب الجوع، بينهم 76 طفلا. وفي السياق، قال مدير الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي روس سميث إن البرنامج لم يتمكن منذ منتصف أيار/مايو الماضي من إدخال أكثر من 10% من الاحتياجات الغذائية، مشيرًا الى ان المساعدات الموجودة خارج القطاع تكفي لإطعام سكان غزة لمدة شهرين على الأقل، لو توفرت الظروف المناسبة لذلك. النداء عينه سبق لوكالة "الاونروا" أن أطلقته، في وقت سابق، مناشدة المعنيين التدخل الفوري من اجل ادخال المساعدات وانقاذ الاهالي من موت محتوم.

في غضون ذلك، يمر القطاع الصحي والاستشفائي بأزمة لا مثيل لها وسط انهيار شبه كامل نتيجة غياب الادوية والنقص الحاد في المعدات الطبية ما يُفاقم معاناة الجرحى الذين تكتظ بهم المستشفيات التي تعمل فوق قدراتها الاستيعابية خاصة وأن تل أبيب تعتمد استراتيجية قوامها القضاء على هذا القطاع سواء عبر القصف والتدمير او اعتقال وقتل العاملين فيه، وتجلى ذلك عبر اقدام قوة اسرائيلية خاصة باختطاف مدير المستشفيات الميدانية بغزة مروان الهمص. وسبق لقوات الاحتلال ان قامت بعمليات مماثلة شملت مدير مستشفى "الشفاء" محمد أبو سلمية ومدير مستشفى "كمال عدوان" حسام أبو صفية. وازاء هذا الواقع، لم يتبق في القطاع المنكوب سوى 16 مستشفى تعمل جزئيًا من أصل 38، وسط توسع العمليات العسكرية والتي شملت أمس البدء بعملية برية في مدينة دير البلح، وفق معلومات القناة "12 الإسرائيلية" التي أشارت الى أن قوات من "لواء غولاني" باشرت توغلها في المناطق التي سبق وان تم توجيه انذارات بالاخلاء اليها والتوجه جنوبًا نحو منطقة المواصي. 

سياسيًا، برز موقف للبيت الابيض الذي لا يزال يهادن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو دون ممارسة ضغوط قصوى عليه للمضي قدمًا باتفاق وقف النار. فعلى الرغم من المفاوضات المستمرة والمساعي الدؤوبة للوسطاء الى أن المباحثات تشهد حالة من المدّ والجزر ازاء تعنت الجانب الاسرائيلي بالبقاء بمساحات واسعة من القطاع. ويدرك نتنياهو ان حركة "حماس" محشورة وتريد التوصل الى اتفاق ما ولكنه يرفض منحها اي "جائزة" ويتمسك بالسيطرة العسكرية ومنع اي وجود للحركة الفلسطينية في "اليوم التالي" لمستقبل غزة. وبالعودة الى الموقف الاميركي، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت "إن الحرب أصبحت وحشية للغاية في ظل تزايد أعداد القتلى خلال الأيام الأخيرة"، لافتة الى أن الرئيس دونالد ترامب "يريد أن يتم التفاوض من أجل وقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين وأنه يريد دخول المساعدات لغزة بطريقة آمنة".

كما اشارت ليفيت الى أن الرئيس الاميركي يتمتع بعلاقة جيدة مع نتنياهو ولكنه فوجئ بقصف سوريا وقصف الكنيسة في غزة. وتتسع نقاط الاختلاف وتضيق بين تل أبيب وواشنطن التي تُعد الداعم الاول عسكريًا وسياسيًا. في الاطار عينه، طالبت 25 دولة إسرائيل بالرفع الفوري للقيود التي تفرضها على تدفق المساعدات، منبهة من أن مقترح نقل الفلسطينيين إلى "مدينة إنسانية" غير مقبول تمامًا، مشددة في الوقت ذاته على رفض أي إجراء لإحداث تغيير ديمغرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذه التصريحات واكبها تأكيدات من حركة "حماس" بأنها "تتحرك بمسؤولية وعقلانية وبأقصى سرعة ممكنة لاستكمال مشاوراتها مع القوى والفصائل الفلسطينية للوصول إلى اتفاق مُشرّف ينهي العدوان على القطاع".

وازاء ما تقدم، لا تزال الاوضاع عالقة في منتصف الامور لا بخواتيمها وهذا ما يزيد من معاناة الفلسطينيين وسط عجز دولي وأممي يطرح الكثير من التساؤلات خاصة ان تل أبيب ماضية في الاجرام والابادة دون محاسبة. ولم تستطع الامم المتحدة من كسر الحصار او مساعدة مليوني فلسطيني يعيش في رقعة لا تزيد عن 17% من مساحة القطاع. وكان الامين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش عبّر عن قلقه إزاء التدهور المتسارع للأوضاع الانسانية، حيث ينهار آخر شريان يُبقي الناس على قيد الحياة، على حد تعبيره. ولم تسمي الامم، حتى الساعة، ما يجري في القطاع بأنه مجاعة رغم وجود كل المؤشرات الدالة على ذلك، لان هذا "التوصيف" يحتاج الى شروط دقيقة يُصعب تحقيقها في الحالة الغزاوية بسبب الحصار ومنع اسرائيل المسؤولين الدوليين من الدخول الى القطاع ومعاينة الواقع عن كثب.

ومن غزة الى سوريا التي تشهد على تطبيق اتفاق وقف النار وسط محاولات لتثبيت الاستقرار بعد أسبوع من الاشتباكات الدامية بين مسلحين دروز وعشائر بدوية والتي خلفت وراءها عدد كبير من القتلى والجرحى. وبدأت أمس، الاثنين، عملية إجلاء عوائل العشائر البدوية، التي كانت محتجزة في مدينة السويداء بعد جهود بذلتها الجهات السورية من اجل تطبيق الاتفاق والتخفيف من حدة الاحتقان. من جهته، انتقد المبعوث الأميركي توم برّاك التدخل الإسرائيلي الأخير في سوريا، واصفًا إياه بأنه "سيئ التوقيت ويُعقّد جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة". ولفت الى أن "إسرائيل تريد رؤية سوريا منقسمة"، مشيدًا بأداء الحكومة السورية الحالية "التي تصرفت بأفضل ما بوسعها كحكومة ناشئة ذات موارد محدودة للغاية لمعالجة القضايا المتعددة التي تنشأ، في محاولة لمّ شمل مجتمع متنوع".

وبانتظار ان يتم الحفاظ على الهدنة الهشة في السويداء وعدم تطور الامور الى ما لا تحمد عقباه مع وجود من "ينفخ" بنار الانفصال والفتنة، تواصل واشنطن ضغوطها على لبنان لحصر السلاح بيد الدولة وحدها وسحبه من "حزب الله." وكانت زيارة برّاك الثالثة الى لبنان تنحصر في هذا الاطار، دون ان ترشح أي معطيات جديدة سوى أن المبعوث الاميركي أعلن صراحةً عدم قدرة واشنطن على تقديم الضمانات التي يطلبها لبنان بشأن الانسحاب الاسرائيلي بالقول: "ليست لدينا أجوبة عن كل الأسئلة... ولا نستطيع إرغام إسرائيل على فعل أي شيء". وتتبرأ واشنطن من امكانية ممارسة ضغوط على تل أبيب لدفعها الى انهاء احتلالها للنقاط الخمس على طول الحدود مع لبنان، فيما يتمسك المسؤولين بتحقيق هذا الشرط كمدخل اساسي لسحب السلاح وانتفاء ذرائعه.

هذا وتصرّ الادارة الاميركية على ان سحب سلاح الحزب مسؤولية لبنانية بحتة، كما تربط بين هذا البند واعادة الاعمار التي تبدو انها في مهب الريح مع استمرار الاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية لاتفاق وقف النار الذي أُبرم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وتضع تصريحات برّاك الدولة اللبنانية امام معضلة حقيقية تتمثل بعدم قدرتها على سحب سلاح الحزب دون ضمانات رفضت واشنطن توفيرها كما انها تنظر بعين القلق والحذر الى امكانية ان يسبب ذلك من حدوث خضات امنية داخلية. وبالتالي، اجمعت التحليلات على ان هذه الزيارة الاميركية حملت "تحذيرات" اكثر من "تطمينات" كان ينتظرها الجانب اللبناني الذي يحاول استعادة الهدوء وضبط الاوضاع. وبناء على ذلك، تبقى الأنظار موجهة إلى اللقاء المرتقب اليوم، الثلاثاء، بين برّاك ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

في المقلب الايراني، دعت منظمة العفو الدولية (أمنستي) إلى فتح تحقيق بشبهة ارتكاب "جريمة حرب" في الغارات التي شنّتها إسرائيل على سجن إيفين في طهران خلال حرب الـ12 يومًا. فيما جدد وزير الخارجية عباس عراقجي موقف بلاده المتمسك ببرنامج تخصيب اليورانيوم. وقال "لقد توقف البرنامج لأن الأضرار جسيمة وشديدة. لكن من الواضح أننا لن نتخلى عن التخصيب لأنه إنجاز لعلمائنا. والآن، والأهم من ذلك، أنه مسألة كرامة وطنية". ويتضارب الموقف الايراني مع مخططات اميركا واسرائيل الرافضة لامتلاك طهران السلاح النووي في وقت يؤكد الرئيس الاميركي بأن الضربات الاخيرة ألحقت اضرارًا جسيمة ودمرت البرنامج النووي الذي يحتاج، وفق تصريحاته، الى سنوات طويلة.

وهنا أبرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم:

اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك إلى بيروت هذه المرة "جاءت مختلفة، ليس من حيث توقيتها المفاجئ فحسب، بل من حيث طبيعة الرسائل التي تحملها في ظروف إقليمية صعبة ومعقدة، وعلى وقع ما جرى في سوريا مؤخراً، نظراً للترابط الجغرافي والديموغرافي بين البلدين، والتأثير المتبادل بما يجري في البلدين"، موضحة أن هذه المعطيات "تعكس رغبة أمريكية في السعي لإغلاق ملفات باتت تثقل على كاهل السياسة الاميركية في المنطقة، لكن ذلك مرتبط بقدرة واشنطن على الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف".

ونبهت صحيفة "اللواء" اللبنانية من أن "التناقض بين خطاب لبنان الرسمي ونهج "حزب الله" يضع البلاد أمام مفترق خطير. فبينما تسعى الدولة إلى كسب الوقت وتفادي الصدام المباشر، يعمل الحزب على ترسيخ معادلاته بالقوة، ما يُضعف من قدرة لبنان على خوض مفاوضات جدّية بغطاء دولي". وقالت "إن المرحلة المقبلة مرهونة بمدى قدرة الدولة اللبنانية على فرض مرجعيتها، لا في النصوص فحسب، بل في القرار والتنفيذ. أما التصعيد الكلامي فلا يخدم سوى تأزيم المشهد الداخلي، واستفزاز المجتمع الدولي، في وقت يحتاج فيه لبنان إلى أقصى درجات التهدئة والانفتاح للخروج من أزمته المتعددة الأوجه"، بحسب تعبيرها.

صحيفة "عكاظ" السعودية، من جهتها، لفتت الى أن "النظام العالمي الحالي يتآكل ويضمحل بسرعة. وأن الفوضى الناجمة عن الحروب العبثية في غزة ومنطقتنا، والفوضى العالمية الناجمة عن العربدة الصهيونية الاستعمارية تدفع باتجاه تدهور النظام العالمي الأحادي القطب الحالي لصالح نظام عالمي جديد"، موضحة أن "جميع الجرائم التي ارتكبت خلال حقبة هذا النظام العالمي أحادي القطب، والتي أفلت أصحابها حتى الآن من العدالة والعقاب، خاصة الجرائم والفظاعات التي ارتكبها الاستعمار الصهيوني في فلسطين، يجب أن تكون أولوية يُبنى عليها"، على حدّ قولها.

من جهتها، كتبت صحيفة "الأهرام" المصرية أن "أكثر من دولة عربية معرضة لمؤامرة التقسيم أمام أطماع إسرائيل في الدول العربية.. فإسرائيل تحارب الآن على جبهات عدة، وتراهن على إقامة دولة إسرائيل الكبرى بدعم أميركي وتواطؤ دولي"، مضيفة "إن نجاح إسرائيل في تقسيم العالم إلى دويلات صغيرة سيكون نكبة تتجاوز نكبة فلسطين، خاصة أن المؤامرة تمت أمامنا، وكأنها أحداث عادية، وربما شاركت بعض الأطراف فيها..خاصة أن إسرائيل كانت تمهد لذلك من سنوات، وكانت تعلم أن الوقت لمصلحتها، وقد راهنت عليه كثيرًا ونجحت، لأن حالة الانقسام والحروب الأهلية مهدا لذلك كله، وأصبحت كل الظروف لمصلحتها".

وعن الوضع في غزة، اشارت صحيفة "الغد" الأردنية الى ان "الوحشية بلغت مرحلة لم يعد الإعمار فيها ممكنا، وهذا السلوك البربري مقرون مع سياسة تجويع لا تترك للسكان من خيارات للبقاء، خاصة إذا طال أمد مفاوضات الهدنة في الدوحة"، محذرة أيضًا من أن "حكومة المتطرفين في إسرائيل، لا تتوقف عن تغيير الوقائع بشكل كلي في الضفة الغربية…فالاستيطان يتوسع، والضم يتم بشكل متسارع دون إعلان رسمي" لتصل الى نتيجة مفادها أن "وجه الشرق الأوسط يتغير، وما صنعته الحروب، تحصده السياسة...".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن