صحافة

مباحثات النووي الإيراني... هل من جديد؟

حسن أبو طالب

المشاركة
مباحثات النووي الإيراني... هل من جديد؟

أيام قليلة ولربَّما تبدأ مباحثات بين كلّ من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيران، في مكان أو أماكن تبادلية ستُحدّد لاحقاً. الدول الأوروبية الثلاث هدَّدت بعودة العقوبات الدولية على إيران بنهاية أغسطس (آب) المقبل إن لم تبدأ مفاوضات جادة بشأن برنامجها النووي.

طهران قبلت مبدئياً اللقاء على مستوى نواب وزراء الخارجية، ليس من أجل التفاوض، وفقاً للخارجية الإيرانية، ولكن لتوضيح المواقف، وأهمها أنَّ الحلول العسكرية لا تفيد، وأنَّه لا بد من تعويض إيران عن الخسائر التي لحقت بها من جراء الهجوم الإسرائيلي والأميركي على منشآتها النووية، وأنَّ التوقف التام عن التخصيب غير وارد في القاموس الإيرانى، مع التأكيد أن برنامجها هو لأغراض سلمية بحتة، ولا نيَّة إيرانية لصنع قنابل نووية، وضرورة رفع العقوبات كاملة وفك التجميد عن الأرصدة المالية الإيرانية، وأن تتوافر ضمانات قوية بعدم تعرض البلاد لهجمات عسكرية مستقبلاً.

في المقابل تركز الرؤية الأوروبية على ضرورة وقف التخصيب تماماً لتأكيد عدم صنع أسلحة نووية، مشيرة إلى أنَّ التخصيب الذي حددته الوكالة الذرية بنسبة 60 في المائة هو أكبر من أي احتياجات سلمية تدعيها طهران، وأنه يشير إلى نية إيرانية ضمنية برفع نسبة التخصيب إلى 90 في المائة، ومن ثم صنع قنبلة نووية. ولا تتضمن الرؤية الأوروبية المعلنة أي إشارة لرفع العقوبات لا سيما الأوروبية عن إيران أو التخفيف منها، وكل ما يتم التلميح إليه هو أن تعود العلاقات التجارية مع إيران تدريجياً مع التيقن من التزام طهران بما يتم الاتفاق عليه.

وتبدو تهديدات الدول الأوروبية الثلاث بالعودة إلى العقوبات الدولية التي قُيدت حين تم التوقيع على الاتفاق الخاص بالنووى الإيراني 2015 وفق قرار مجلس الأمن 2231، من قبيل الضغط السياسي والدعائي لا أكثر، فتنظيم العقوبات تفعيلاً أو رفعاً جاء بقرار من الأمم المتحدة، والعودة إليها أو تفعيلها يتطلب قراراً أممياً جديداً، وهو أمر يبدو متعذراً نظراً للفيتو الصيني والروسي المتوقع. فضلاً عن أن اتفاق عام 2015 لم يعد محل تطبيق فعلي بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 أثناء إدارة الرئيس دونالد ترمب الأولى. وهنا يبدو السؤال الأهم، ما الذي ستضيفه تلك المباحثات إن عُقدت بالفعل؟ وهل المسألة مجرد عقد مباحثات وتبادل الآراء المتضاربة المعلنة للطرفين، أم أنها ستقود إلى اتفاق جديد ينهي حالة التوتر ويحاصر أي تصعيد عسكري محتمل؟

كثير من الإجابات المحتملة إيجاباً أو سلباً تتوقف على الموقف الأميركي، الذي يحدده الرئيس ترمب في أمرين؛ الأول أنَّ الضربات الجوية المتتالية التي أمر بها يوم 22 يونيو (حزيران) الماضي باسم "عملية مطرقة منتصف الليل"، واسُتخدمت فيها طائرات الشَّبح الأميركية "بي 2" الأكثر تقدماً، وقنابل تدمير الأعماق، قد دمرت المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، ومنشأة نطنز، وموقع أصفهان. ويفهم من هذا التأكيد الذي يصر عليه سيد البيت الأبيض بالرغم من تقييمات الاستخبارات الأميركية الأكثر تحفظاً، أن الإيرانيين فقدوا القدرة على التخصيب أو صنع قنبلة نووية إن لم يكن أبدياً، فعلى الأقل لعدة سنوات طويلة. والأمر الثاني أنه شخصياً ليس متعجلاً في التفاوض مع إيران بالرغم من طلبات طهران باللقاء والتفاوض، وفقاً لتصريحاته الكثيرة.

الموقف الأميركي على هذا النحو يطرح إشكالية سياسية بالنسبة للمفاوضين الأوروبيين من الدول الثلاث، فإن كانت واشنطن غير متعجلة، وترى أنه لا خطر نووياً إيرانياً قبل سنوات طويلة، فما الذي يمكن التوصل إليه من تفاهمات أو اتفاقات؟ وهل سيكون لها طابع ملزم للولايات المتحدة وإسرائيل؟ لا سيما وأن إسرائيل نتنياهو لا تريد إنهاء احتمالات التصعيد العسكري، والاكتفاء بما تم تحقيقه عسكرياً بالفعل، ويطرح رئيس وزرائها احتمال توجيه ضربة عسكرية أخرى ضد إيران حتى لو لم تشارك فيها الولايات المتحدة كما حدث في يونيو الماضي.

في ظني أن الدول الأوروبية الثلاث تدرك هذه الإشكالية جيداً، كما تدرك أيضاً أن هناك معلومات يتم تسريبها بناء على اللقاءات الثلاثة الأخيرة بين الرئيس ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن ما بين السابع إلى التاسع من يوليو (تموز) الحالي، مفادها تفهّم على الأقل، إن لم يكن تأييداً كاملاً، من قبل ترمب لرغبة الطرف الآخر، باستكمال الضغط العسكري على إيران، وتدمير ما لم يتم تدميره من قدرات نووية، ما يعني احتمال قيام إسرائيل بعملية عسكرية تعيد التوتر إلى المنطقة، وقد تتطور إلى أمور أكبر، خصوصاً وأن إيران تتحدث عن استعدادها لمواجهة أي هجوم إسرائيلي مرتقب، بصواريخ أكثر قوة وأشد تأثيراً، مع تلميحات شبه رسمية بالاستعداد لإغلاق مضيق هرمز.

الإدراك الأوروبي الثلاثي على هذا النحو، يدفع إلى نوع من التحرك الاستباقي، يستهدف تحييد نزعة التصعيد الإسرائيلية التي لا يخفيها نتنياهو ووزراؤه المتطرفون. لكن تظل الحاجة إلى مساندة أميركية للمباحثات مع طهران مسألة أساسية من أجل إنجاحها، أو على الأقل أن تكون بداية لعودة جادة مرة أخرى للمفاوضات الأميركية - الإيرانية بوساطة عمانية أو وفق إطار تفاوضي جديد، وهي المفاوضات التي توقفت مع العدوان الإسرائيلي يوم 13 يونيو الماضي.

ولا شك إن توصلت تلك المباحثات الرباعية إلى إطار عمل مقبول وقابل للتطبيق الفعلي، فسوف سيمثل علامة فارقة بين التصعيد العسكري وبين الحلول الدبلوماسية، شريطة أن يعالج القضايا الرئيسة بالقدرات النووية الإيرانية؛ مثل معدل التخصيب المقبول، ومكان التخصيب البديل، وتحديد مصير اليورانيوم المخصب في حدود 60 في المائة، وعودة مفتشي الوكالة الذرية إلى المواقع الإيرانية وفق تفاهمات تراعي الحالة الجديدة التي عليها تلك المواقع بعد استهدافها عسكرياً من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، وتخفيف العقوبات تدريجياً، وتطبيع علاقات إيران مع الغرب إجمالاً وواشنطن تحديداً. وهي شروط لازمة رغم تباعد المسافات.

(الشرق الأوسط)

يتم التصفح الآن