لليوم الثالث على التوالي، استمرت مفاعيل الهدنة الهشة في محافظة السويداء السورية وسط مساعي حكومية دؤوبة من اجل معالجة ذيول هذه الحادثة التي دفعت بالوضع الامني الى الواجهة. الا انه، وبحسب المعطيات، فإن هناك شبكة امان محيطة بالرئيس أحمد الشرع من اجل مساعدته على تخطي تداعيات ما جرى ومنع الامور من الانفلات بشكل كامل. وقد عكست تصريحات المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك، وجود ارادة أميركية من أجل الحفاظ على نظام الحكم الحالي ودعمه لاستعادة الامن في البلاد بعد أسبوع من الاشتباكات الدموية بين مسلحين من الدروز وعشائر عربية.
ومن هنا دعا برّاك الرئيس السوري الى تقويم سياساته وتبني نهج أكثر شمولاً، وإلا "سيكون مهددًا بفقدان الدعم الدولي وتفتيت البلاد". وقال، في حديث إعلامي، إنه نصح الشرع، في مناقشات خاصة، بإعادة النظر في تكوين الجيش وتقليص نفوذ الإسلاميين، وطلب المساعدة الأمنية الإقليمية. كما نفى مسؤولية الحكومة السورية عن العنف في السويداء، قائلا "القوات السورية لم تدخل إلى المدينة. هذه الفظائع لا تحدث بفعل قوات النظام السوري". وهذه "التبرئة" الاميركية من شأنها المساعدة على اتخاذ قرارات مصيرية والسعي الجاد لوضع حد لتفلت الامور رغم وجود الكثير من التحديات والعقبات الداخلية والخارجية في بلدٍ لم يتعافَ بعد من آثار الحرب التي استمرت زهاء 14 عامًا.
كلام واشنطن ليس بعيد عن دعم تركيا أيضًا التي نددت بالعدوان الاسرائيلي ومطامعه بهدف زعزعة نظام الحكم هناك. في وقت تدأب أنقرة والدول العربية، وتحديدًا الخليجية منها، الى التشجيع على استقرار سوريا ووحدتها. وقد شكلت هذه الاحداث التي بدأت على صعيد فردي ولكنها ما لبثت ان تمددت واشتعلت مع وجود من يريد لدمشق أن تقع في فخ الطائفية المقيتة لتقطيع أوصال البلاد خاصة بعد احداث الساحل السوري الاخيرة والتي وضعت "الاقليات" تحت دائرة المواجهة. وحاليًا لا يبدو من مصلحة الادارة الجديدة الدخول في اتون النزاعات التي تحاول تخطيها وتفاديها والانطلاق نحو مواضيع اخرى واهمها معضلة اعادة الاعمار.
كما في سوريا كذلك في لبنان، تحاول واشنطن أن يكون لها الكلمة العليا من خلال الدفع نحو نزع السلاح خارج الشرعية اللبنانية وتحديدًا سلاح "حزب الله". وقد انشغلت الاوساط اللبنانية بتتبع نتائج وخلاصات زيارة توم برّاك الثالثة الى لبنان والتي جدد فيها التأكيد على عدم وجود "ضمانات" لتحقيق الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي التي لاتزال تسيطر عليها ما يفتح الباب على مصراعيه امام ازمة تتسع مفاعليها خاصة ان "حزب الله" يرفض الحديث عن تسليم سلاحه جملة وتفصيلًا ما يُثقل كاهل العهد والحكومة، ومعهما رئاسة مجلس النواب، بمسؤولية الحفاظ على الاستقرار ومنع الانفجار، بالحد الأدنى. ويتعرض لبنان لضغوط جمة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ولكنه، حتى الساعة، يبدو عاجزًا عن تحقيق المطلوب منه.
تزامنًا، أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيستقبل رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام غدًا، الخميس، في أول زيارة رسمية له إلى باريس منذ توليه رئاسة الحكومة. وسيكون على طاولة المناقشات العديد من الملفات والقضايا الحساسة من اتفاق وقف النار الذي لم تلتزم اسرائيل ببنوده الى سلاح "حزب الله" وصولًا الى موضوع قوات "اليونيفيل" التي تُساهم فرنسا فيها بشكل فعال وحيوي. دون أن نغفل اهمية ما يجري من أحداث في سوريا وتداعياتها المحلية والاقليمية. وحاليًا يستغل الحزب الاحداث الجارية في سوريا ويجدد تمسكه بالسلاح بحجة الدفاع عن البلاد ضد من يسميهم المتشددين والمتطرفين.
الاوضاع السورية واللبنانية على سخونتها، لم تحجب الاضواء عما يجري في قطاع غزة من تصعيد عسكري وتجويع ممنهج من قبل الاحتلال الاسرائيلي الذي يمنع دخول المساعدات المكدسة عند المعابر ويحرم الغزيين من الغذاء والدواء والمياه. وتعكس الصور الواردة من هناك حجم الكارثة التي تحدق بالقطاع وامكانية تفاقم الوضع سوءًا في حال اطالة أمد المفاوضات المستمرة بين وفدي اسرائيل و"حماس" في العاصمة القطرية، الدوحة. وتتضارب المعلومات حول نقاط الاختلاف حاليًا، سواء المتعلقة بخرائط الانسحاب الاسرائيلي من اراضي القطاع او حجم المساعدات الانسانية التي تصر الحركة على أن تحصر بالامم المتحدة بعيدًا عن "مؤسسة غزة الانسانية" المثيرة للجدل او عدد الاسرى الفلسطينيين المنوي الافراج عنهم ضمن الصفقة التي لم تشهد النور بعد.
في السياق، أعلن مجمع الشفاء الطبي وفاة 21 طفلًا خلال الـ72 ساعة الماضية بفعل التجويع الذي يمارسه الاحتلال على الشعب الفلسطيني. وبحسب المعطيات، فهناك 900 ألف طفل في غزة يعانون من الجوع، بينهم 70 ألف طفل دخلوا مرحلة "سوء التغذية". من جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، "إن الرعب في غزة وصل مستوى غير المسبوق"، مشيرا إلى تفاقم سوء التغذية وأن المجاعة تطرق الأبواب. بدوره، أدان مجلس الجامعة العربية ما وصفه بإقدام إسرائيل على تحويل قطاع غزة إلى "منطقة مجاعة". ولم تلق هذه النداءات اي رد فعل من تل أبيب الماضية في مخططاتها الهادفة لتضييق الخناق على الفلسطينيين ودفعهم الى الهجرة "الطوعية" نحو بلدان تبحث عنها من اجل استقبال هؤلاء.
الى ذلك، أفادت الخارجية الأميركية أن المبعوث ستيف ويتكوف سيتوجّه إلى الشرق الأوسط لعقد محادثات تهدف لوضع اللمسات الأخيرة على "ممر" للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ويأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد الانتقادات الدولية لاسرائيل وتعمدها استخدام التجويع كسلاح حرب لكسر اهالي القطاع ومنع ادخال المعونات. فالقطاعات على انواعها تحتضر في غزة بعد مرور اكثر من 21 شهرًا على الحرب التي فشلت اسرائيل في تحقيق اهدافها الرئيسية واهمها الافراج عن الرهائن المحتجزين لدى "حماس". وفي هذا الاطار، أعلن الناطق العسكري باسم "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي" فقدان الاتصال مع مجموعة تأمين جندي إسرائيلي محتجز في القطاع وذلك بعد توغل قوات إسرائيلية ومحاصرتها لمناطق يوجد فيها الجندي المحتجز.
ومن غزة الى الضفة الغربية المحتلة التي تشهد هي الاخرى على تصعيد عسكري اسرائيلي واسع النطاق حيث اقتحمت قوات الاحتلال في وقت مبكر اليوم الأربعاء مدينتي نابلس وطولكرم وبلدات قريبة منهما. فيما من المقرر أن يصوت الكنيست الإسرائيلي على مشروع قرار يدعم فرض ما أسماه "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية، في خطوة تمهد فعليا لضمها إلى إسرائيل، وهو ما يمثل تحديًا صارخًا للقانون الدولي الذي يدعو بشكل صريح وواضح الى ضرورة "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية".
في الشأن الايراني، تستعد طهران الى جولة جديدة من المباحثات مع "الترويكا" الاوروبية (بريطانيا، ألمانيا وفرنسا) بعد غد، الجمعة، في اسطنبول وذلك في محاولة للتوصل الى نقاط مشتركة بشأن برنامجها النووي وذلك بعد تكثيف الضغوط عليها والتهديد بالعودة الى العقوبات الأممية. وترفض ايران حتى الساعة التخلي عن تخصيب اليورانيوم وتعتبره من ضمن "الخطوط الحمر". وبهذا السياق، رفع الرئيس مسعود بزشكيان سقف المواجهة بالتأكيد على استعداد بلاده لمهاجمة العمق الإسرائيلي مجددًا، في رد على وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الذي قال، في وقت سابق، إن هناك احتمالا لتجدد الهجمات على إيران، وذلك خلال تقييم شامل للوضع مع عدد من كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين بمن فيهم رئيس الأركان.
وضمن الجولة الصباحية على الصفحة العربية نرصد ابرز ما ورد فيها على الشكل التالي:
كتبت صحيفة "الراية" القطرية "هناك في واشنطن، لم يعد الكلام عن نتنياهو يدور همسًا. الرجل الذي كان يُعامَل لسنوات كحليف فوق العتاب، أصبح اليوم عنوانًا لإرباك البيت الأبيض وإحراج سياسته في المنطقة"، معتبرة أن "الزيارة الأخيرة إلى واشنطن، التي أرادها نتنياهو استعراضًا للقوة والتحالف، تحوّلت إلى خيبةٍ سياسيةٍ؛ لا وقف لإطلاق النار في غزة، ولا صفقة لتحرير الرهائن، فقط دماء جديدة وجوع يمتدّ، وقطاع يموت ببطء بينما أطفاله ينبشون القُمامة بحثًا عن حياة".
من جهتها، رأت صحيفة "الجريدة" الكويتية أن الدعوة لاجتماع للجامعة العربية، والذي يُفهم من عنوانه "اجتماع على مستوى المندوبين"، يؤكد أننا أمام جعجعة ستكون بلا طحين فعلًا، أي أنها ضجيج إعلامي بلا تأثير ولا خطوات ولا إجراءات حقيقية لمحاولة رفع الحصار قسرًا عن غزة وإدخال المساعدات"، مطلقة العنان لسلسلة من الاسئلة "فهل سنشهد موقفًا عربيًا صلبًا لنكون فعلًا أمام جعجعة للجامعة العربية بطحين منذ زمن كانت فيه الجامعة غائبة في غياهب الموت؟!
وفي صحيفة "الدستور" الاردنية، تصدر الموضوع الفلسطيني حيث شددت على أن "إسرائيل اليوم تجرب حرب التجويع في غزة، لتحقيق أهداف استراتيجية كبرى للحرب، ولتهجير فلسطيني غزة، وإقامة منتجعات الريفيرا على شواطئ غزة، كما تمنى ووعد كوشنير صهر ترامب"، مستنتجة أن "المعادلة المطروحة ما وراء حرب التجويع، التخلص من الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وليس أمام إسرائيل وأمريكا إلا الجوع وحرب الأمعاء والأفواه".
ولفتت صحيفة "الأهرام" المصرية إلى أن "تباطؤ النظام السوري الجديد في العمل لاحتواء أزمات نشبت في بعض مناطق تمركز الدروز والعلويين أدى إلى تشجيع حكومة نتنياهو على التدخل المباشر لاستغلال هذه الأزمات بدعوى حماية الأقليات وبهدف تحويل جنوب سوريا إلى منطقة منزوعة السلاح لا توجد قوات للجيش فيها". واضافت "مازال في إمكان القادة السوريين الجدد إنقاذ الدولة من محاولة تمزيقها، ويتطلب ذلك خطوتين سريعتين: الأولى إبعاد العناصر والمجموعات المتطرفة في وحدات الأمن التي تخدم في مناطق الجنوب والساحل بشكل كامل. والثانية إعادة تشكيل هذه الوحدات لتكون أغلبية أعضائها من سكان المناطق التي تخدم فيها".
وبحسب صحيفة "الصباح" العراقية، فإنه "صار من الواضح أن العراق ومن منطلق دوره وثقله السياسي والاستراتيجي في المنطقة والعالم ينطلق في سياسته مع مختلف دول العالم من منطلق الحرص على الأمن والسلم الدوليين، وهو ما لا يمكن تحقيقه ما لم تحصل تفاهمات حقيقية بين دول المنطقة"، داعية الى ضرورة "وضع حد للاستهتار والغطرسة الصهيونية، التي يقوم بها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وممارساته، التي باتت تمثل خطرا حقيقيا على المنطقة سواء المجازر التي يرتكبها في غزة أو ما يفعله في سوريا وتهديداته لإيران، يعرف الجميع إنها ناتجة عن أزمة داخلية يعانيها هو شخصيا داخل كيانه، قوامها ملفات الفساد التي باتت تحاصره".
(رصد "عروبة 22")