صحافة

سوريا في مهب التباينات الأميركية - الإسرائيلية: دولة موحدة ومركزية أم الانزلاق إلى التقسيم

سميح صعب

المشاركة
سوريا في مهب التباينات الأميركية - الإسرائيلية: دولة موحدة ومركزية أم الانزلاق إلى التقسيم

بعد أيام على اتفاق وقف النار بين سوريا وإسرائيل، الذي جاء على خلفية الأحداث الدامية في محافظة السويداء، يمكن بسهولة تلمس ما يمكن وصفه بالتباين الواضح بين موقفي واشنطن وتل أبيب: أميركا تريد سوريا دولة موحدة ومركزية، بينما إسرائيل تريد سوريا مقسمة. هذه هي الخلاصة التي توصل إليها المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان توم برّاك، عقب التدخل العسكري الإسرائيلي الأسبوع الماضي في سوريا، تحت شعار حماية الدروز في السويداء.

ورفد البيت الأبيض موقف برّاك بموقف مؤيد، إذ قالت الناطقة باسم الرئاسة الأميركية كارولين ليفيت، إن ترامب "فوجئ بالقصف على سوريا... وسارع إلى الاتصال برئيس الوزراء (الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) لمناقشة هذه الأوضاع". وفي رد غير مباشر على موقف برّاك، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن "الضربات الإسرائيلية كانت السبيل الوحيد لوقف مذبحة الدروز في سوريا". وكاتس نفسه، لم ينسَ التذكير بمنطقة النفوذ الإسرائيلي في سوريا، تلك الممتدة من قمة جبل الشيخ إلى السويداء، على أن تكون هذه المنطقة خالية من أي وجود للجيش السوري أو المعدات الثقيلة التابعة للحكومة في دمشق.

في ثنايا الموقف الأميركي رسالة لا لبس فيها، ألا وهي أن إعادة البناء في سوريا، واستعادة السيطرة على العنف الطائفي، ومحاربة تنظيم "داعش"، تمر بجعل سوريا دولة موحدة ومركزية. وقال برّاك بوضوح إن واشنطن ليست لديها "خطة بديلة" لمسألة دعم النظام الجديد في سوريا. ولما كان خروج أحداث السويداء عن السيطرة وارتكاب انتهاكات فظيعة بحق المدنيين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، والأمم المتحدة، يصعب مهمة الموقف الأميركي المدافع عن دمشق، أعلنت الرئاسة السورية أنها تلقت الأحد التقرير النهائي للجنة التحقيق في أحداث الساحل في آذار / مارس الماضي.

وتصب هذه الخطوة في سياق تعهد الرئيس السوري أحمد الشرع بحماية الأقليات. في اليوم نفسه، كتب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على منصة "إكس" إنه "إذا ما أرادت السلطات في دمشق الحفاظ على أي فرصة بالوصول إلى سوريا موحدة... فإنها يجب أن تحاسب وتحاكم كل مرتكبي المجازر بمن فيهم أولئك المنتمون إليها".

تخشى واشنطن أن يؤثر التدخل الإسرائيلي في أحداث السويداء على المساعي الأميركية لدى قائد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) مظلوم عبدي، فيصير أكثر تمسكاً بمطلب اللامركزية، شرطاً لإلحاق قواته بالجيش السوري وإلغاء مؤسسات "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سوريا.

والحديث عن الأكراد يجر إلى الحديث عن تركيا، التي تتطابق رؤيتها مع الرؤية الأميركية، على صعيد قيام دولة مركزية قوية في سوريا. ويرى الرئيس رجب طيب أردوغان أن اتفاقاً دفاعياً مع دمشق ضروري لتحقيق هذه الغاية. وبقدر ما يولد تمدد النفوذ التركي في سوريا رفضاً في إسرائيل، تقف واشنطن موقفاً محايداً من المسألة.

ولأنّ سوريا تقع على تقاطع من مصالح القوى الإقليمية الرئيسية في المنطقة: تركيا وإيران وإسرائيل، تجد الولايات المتحدة أن سوريا المقسمة تفسح في المجال مجدداً أمام إيران للبحث عن موطئ قدم في البلد المقسم. لهذه الاعتبارات وغيرها، تقف أميركا إلى جانب الشرع، وتسعى بقوة إلى الحد من تأثير التدخل الإسرائيلي على مستقبل النظام الجديد. وتسريبات موقع "أكسيوس" عن استياء لدى ترامب من سلوك "صديقه" نتنياهو في غزة وفي سوريا، تنطوي على إشارات لا تخطئها عين.

الخط الأحمر الأميركي الآن هو منع سوريا من العودة إلى الوراء، والعمل الحثيث على إبراز المكاسب المتأتية من التعاون مع الشرع، وفي مقدمها التصدي لـ"داعش" وقطع طريق طهران - بيروت، إلى احتمال انضمام دمشق إلى الاتفاقات الإبراهيمية لاحقاً. 

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن