الناشط السياسي عمر عساف، يرى أنّ ما يجري اليوم ليس جديدًا، بل يُعيد إلى الأذهان محاولات سابقة قام بها الاحتلال الإسرائيلي، كان أبرزها إنشاء "روابط القرى" في ثمانينيّات القرن الماضي، وهي أجسام محلّية سعت إلى تشكيل قيادةٍ بديلةٍ تحت السيطرة الإسرائيلية، وواجهت رفضًا شعبيًا واسعًا حتى تمّ إسقاطها.
ويلفت عساف النظر إلى أنّ هذه الظاهرة ليست حكرًا على إسرائيل، بل هي سمة استعمارية تاريخية. فبريطانيا، في ثلاثينيّات القرن العشرين، أنشأت ما يسمى بـ"كتائب السلام" خلال الثورة الكبرى في فلسطين عام 1936، في محاولةٍ لقمع الثورة عبر متعاونين "عملاء" محليين. كما ذكّر بحكومة "فيشي" التي أقامتها ألمانيا النازية في فرنسا إبّان الحرب العالمية الثانية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المتعاونين في الجزائر الذين سخّرتهم فرنسا لإحكام قبضتها الاستعمارية.
خطة "كيدار" وتقويض الكيانيّة الفلسطينية
ويتحدّث عساف عمّا يُعرف بـ"خطة كيدار"، وهي سياسة إسرائيلية تهدف إلى تفكيك النسيج السياسي الفلسطيني، عبر إنشاء إماراتٍ محليةٍ مُنعزلة، تبدأ من الخليل وتمتدّ تدريجيًا إلى باقي المحافظات، في محاولةٍ لإفشال أي مشروع وطني جامع، محذّرًا في هذا السياق من أنّ الاحتلال يستغلّ ضعاف النفوس، ويراهن على عوامل الانقسام والضعف الداخلي، لكنّه أعرب عن قناعته بأنّ مصير الكِيانات البديلة سيكون الفشل والاندثار، كما حدث مع ما سبقها، لأنّ الشعب الفلسطيني بطبيعته يرفض الاحتلال والعملاء، ويتمسّك بمقاومته وحقّه في تقرير المصير.
ظواهر عابرة ومرفوضة شعبيًا
وفي الإطار عينه، عبّر الناشط السياسي وعضو الهيئة الإدارية لشبكة المنظمات الأهلية، آبي العابودي، عن اعتقاده بأنّ هذه المحاولات الإسرائيلية محكومة بالفشل، مشيرًا إلى أنّ الشعب الفلسطيني أثبت عبر العقود رفضه لأي مشروع يصبّ في مصلحة الاحتلال، وسبق أن أفشل تجربة "روابط القرى"، والتقاسم الوظيفي، وحتّى بعض الاتفاقات التي تجاوزت الإرادة الشعبية.
العابودي شدّد على أنّ ظاهرة "أبو شباب" في غزّة مبالَغ في تصويرها إعلاميًا، واصفًا إياها بأنّها "محدودة جدًّا" ولا تملك أي مقوّمات للتحوّل إلى تيّار شعبي، واستمرارها مرهون بالوجود العسكري الإسرائيلي. وأوضح أنّه في حال التوصّل إلى اتفاقٍ مع فصائل المقاومة وانسحاب إسرائيل من المناطق التي أعادت احتلالها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإنّ هذه الظواهر ستنتهي تلقائيًا.
الهدف هو الالتفاف على الحقوق الوطنية
يرى العابودي أنّ الهدف الأساسي من هذه الكِيانات هو تقويض التمثيل الفلسطيني، وتجاوز المؤسّسات الشرعية الوطنية، وصولًا إلى ضرب حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وأكد في المقابل أنّ غالبية أبناء الشعب الفلسطيني ينبذون مثل هذه المشاريع، ويتمسّكون بتمثيلهم السياسي الوطني على الرَّغم من كل محاولات التآكل والتمزيق.
العائلات تتبرّأ
يُشار إلى أنّ عائلة أبو شباب في قطاع غزّة أعلنت البراءة التامة من ابنها ياسر أبو شباب واعتبرته خارجًا عن نهجها الوطني والأخلاقي، وأنّه لم يعد لا هو ولا بعض الشباب الذين يعملون معه يمتّون بصلة إلى العائلة.
وقالت في بيان إنّها ستلاحق ياسر وتحاسبه بأشدّ الوسائل الممكنة، ولن تسمح بأن يكون سببًا في تشويه سمعة العائلة وتاريخها المشرّف. ودعت كل مَن انساق خلفه أو انخرط في مجموعاته الأمنية إلى التبرّؤ منه فورًا، والانفصال عنه علنًا، قبل أن يواجهوا مصيرًا لا يُحمد عقباه، على اعتبار أنّ "دمه مهدور".
أمّا عشيرة الجعبري، فقد استنكرت، في بيان وقّعه وجهاء عائلة الجعبري الفلسطينية في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، فكرة إيجاد بديل عن السلطات الفلسطينية، والانقلاب على مكوّنات الحالة الفلسطينية، بما فيها السلطة الوطنية ومنظمة التحرير والفصائل والعشائر، تحت عنوان "مبادرة لصنع السلام"، تحدّثت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال".
وأشارت العشيرة، في البيان، إلى ما قدّمته من مئات الشهداء والجرحى والأسرى، وأعلنت براءتها "التامّة" واستنكارها واستهجانها "لما أقدم عليه أحد أفراد العائلة غير المعروفين لدى العشيرة وهو ليس من سكان خليل الرحمن".
وأكدت عشيرة آل الجعبري "في الخليل وكلّ أماكن وجودها في الداخل والخارج التزامها بالثوابت الإسلامية والوطنية وحقوق شعبنا في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على كامل ترابنا الوطني".
(خاص "عروبة 22")