سيناريوهات غزة.. قنابل موقوتة

تواجه حركة "حماس" أخطر مراحل بقائها في قطاع غزة، بعد أن تحولت من قوة مركزية إلى كيان تحاصره العشائر الداخلية وضغوط عسكرية كبيرة، بينما يغلف الغموض مستقبل دعمها من إيران، في ظل تآكل قوتها الميدانية، وانهيار هرمها القيادي برغم وجود القيادة الراهنة للحركة المتمثلة في عز الدين الحداد، وهي قيادة تحاول إعادة توتيب أوضاعها.

ويتجه جهاز الأمن الداخلي "شاباك" لتكرار تجربة ميليشيا ياسر أبوشباب الموجودة في رفح لتجنيد مجموعات أخرى في مناطق بشمال غزة ومناطق التماس على طول امتدادات القطاع، وذلك في ظل مخطط يرتكز على إخلاء وجود حركة "حماس"، وتصفية وجودها الإداري والخدمي والأمني في القطاع، وتحسباً لأية انسحابات قد تقدم عليها إسرائيل في الفترة المقبلة، وهو ما برز جلياً في دراسة الجيش الإسرائيلي توسيع نطاق هذه التجربة لتشمل مناطق إضافية في القطاع قبل الانخراط مجدداً في الترتيبات الأمنية الحالية.

وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن تسليح بعض الميليشيات المسلحة في قطاع غزة بالأسلحة، بهدف خلق الفوضى ومواجهة "حماس"، ما يعني أن إسرائيل ماضية في مسارها بصرف النظر عما تردد عن فشل تجربة ياسر أبو شباب وانتقادها، إلا أن الأمر ما زال مرحباً، وينال دعماً من أجهزة الأمن خاصة جهاز "شاباك"، واستمرار رعاية رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للتجربة.

والواضح أن الحكومة الإسرائيلية ما تزال ترى أن إسقاط "حماس" يتطلّب إيجاد حكومة بديلة، كما أن المستوى السياسي رفض أي حلول تأتي من الأعلى، سواء من قبل السلطة الفلسطينية، أو تشكيل قوة متعددة الجنسيات، وقرر بدلاً من ذلك البحث عن حل ميداني، وما يشير إلى أن المخطط الإسرائيلي قائم على تمسّك نتنياهو باستبعاد كل من "حماس" والسلطة الفلسطينية من إمكانية حكم قطاع غزة مستقبلاً.

وفقاً للمخطط الإسرائيلي المطروح، فإن الخطة الجديدة تعتمد استراتيجية الجيش على احتلال مناطق استراتيجية في القطاع وتطهيرها، ثم تُسلّم السيطرة لميليشيا بدوية تجهز بالأسلحة والقوى البشرية والصلاحيات، في عملية تنفذ مرحلياً، وتُجرى التجربة حالياً في مناطق تم تطهيرها وتعقيمها وتخضع بشكل كامل للسيطرة الإسرائيلية، على أن يتم نقلها إلى مناطق أخرى في حال نجاحها.

وقد اتجه الجانب الإسرائيلي لتسليح مجموعات في الشجاعية وخان يونس يرأسها ياسر حنيدق ورامي حلس، وهما من عناصر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، ويتقاضيان رواتب من السلطة الفلسطينية بصورة دورية وتتلقيان السلاح والمساعدات الإنسانية من إسرائيل، وتنشط هاتان المجموعتان المسلحتان الجديدتاين، المحسوبتاين على حركة "فتح"، في قطاع غزة بتنسيق ودعم مباشر من جيش الاحتلال، بهدف العمل ضد "حماس"، وإحدى هاتين المجموعتين تعمل في مدينة غزة، وتحديداً في حي الشجاعية، بينما تنشط الأخرى في مدينة خان يونس جنوبي القطاع، وهما منطقتان تنتشر فيهما قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل مكثف ضمن عملية عربات جدعون التي ما تزال مستمرة. وينتمي حلس لعائلة معادية لـ"حماس" منذ 2007.

ما يحدث اليوم في غزة يُعيد إلى الأذهان تجربة روابط القرى التي دشنتها إسرائيل في الضفة الغربية منذ سنوات، أو تجربة جيش لبنان الجنوبي، خلال الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، وهو ما يتكرر مع غزة عبر استخدام عناصر داخلية، لكن المؤشرات على الأرض تؤكد أن هذا المشروع، رغم الدعم الإسرائيلي، يواجه رفضاً شعبياً متصاعداً، ما يُهدد بفشله كما فشلت التجارب السابقة.

واقعياً، لم تعد تسيطر "حماس" بشكل مركزي على غزة، وتعتمد على تعليمات عامة لمقاتليها بالصمود أطول فترة ممكنة، لكنها في واقع الأمر، تكافح من أجل البقاء في مواجهة تمرد عشائري داخلي، ودعم إسرائيلي علني لزعماء العشائر المناوئين لها مع الجيش الإسرائيلي، فيما تؤكد العشائر أنها قوة أهلية تحمي شاحنات المساعدات من النهب، وتبني نموذجاً إدارياً مستقلاً على أنقاض سلطة حركة "حماس".

في المجمل، أصبحت الشخصيات المحلية المسلحة في قطاع غزة جزءاً لا يتجزأ من الصراع على السيطرة، وفي الوقت الراهن يبدو أن إسرائيل تتعاون معهم لإضعاف "حماس"، وإلحاق الضرر بها، وسيؤثر ظهور مثل هذه الجماعات الأمنية أياً كان توجيهها على عمل الجناح العسكري لحركة "حماس" في الوقت الراهن في ظل تدهور الاتصالات الراهنة بين مستويات الجناح العسكري والسلطة الرئيسة في القطاع.

وهناك احتمالات عدة تلوح في الأفق بشأن مستقبل غزة في ظل هذا الوضع الداخلي المعقد، أهمها تدخل قوة دولية للإشراف على غزة، وهو الاقتراح الذي يدعمه بعضهم، لكنه يواجه صعوبات لعدم تقديمه أي إدارة فعلية للفلسطينيين، كما أن هناك اقتراحاً يقضي بوجود إدارة مشتركة دولية وعربية تشمل قوات عربية وفلسطينية لإدارة غزة، مع احتمال عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة قائماً، بالإضافة إلى اقتراح آخر يقضي بتولي إدارة مستقلة شؤون القطاع عبر سلطة مدنية، ولهذا فإن جميع هذه الخيارات تبقى مجرد احتمالات غير نهائية وغير حاسمة، مع التوقع بأن مصير غزة مرتبط بموازين القوى ميدانياً، والتي ستتبلور لاحقاً.

(الاتحاد الإماراتية)
?

برأيك، ما هو العامل الأكثر تأثيرًا في تردي الواقع العربي؟





الإجابة على السؤال

يتم التصفح الآن