صحافة

هل تقترب المنطقة من اتفاقية سايكس بيكو جديدة؟

عماد الدين حسين

المشاركة
هل تقترب المنطقة من اتفاقية سايكس بيكو جديدة؟

من يقرأ تاريخ منطقتنا العربية سيدرك أن الفترة من عام 1914 وحتى عام 1918 وربما حتى عام 1923 كانت حاسمة في رسم صورة منطقتنا وعالمنا العربي. ويبدو أن منطقتنا تشهد الآن عملية مماثلة لإعادة رسمها وترتيبها وقد لا تكون بالضرورة مماثلة لما انتهت إليه اتفاقيات سايكس بيكو الأولى.

‏في يوم 22 ديسمبر الماضي كتبت مقالاً تحت عنوان سايكس بيكو القديمة، وعرضت فيه لأهم وأبرز المحطات في هذه الاتفاقية التي تم توقيعها في بدايات عام 1916 بين بريطانيا وفرنسا وبمصادقة من روسيا القيصرية وإيطاليا، وجوهرها اقتسام منطقة الهلال الخصيب أو الشام بين لندن وباريس، وهي المنطقة التي كانت خاضعة للدولة العثمانية أو الرجل المريض بتعبير ذلك الزمان.. ‏جوهر هذه الاتفاقية هو أن كلاً من بريطانيا وفرنسا خدعا العرب وقدما لهم وعوداً زائفة بإنشاء دولة عربية موحدة خصوصاً في منطقة الشام والجزيرة العربية، مقابل تأييد العرب لبريطانيا وفرنسا في الحرب ضد الدولة العثمانية.

‏انتهت الحرب العالمية الأولى وتبخرت الوعود الغربية كالعادة، وقامت الثورة البلشفية في روسيا في نوفمبر 1917 ثم ثورة مصطفى كمال أتاتورك في تركيا التي أجهضت محاولات الدول الغربية لتقسيم تركيا بين الدول المنتصرة، اليوم لا نتحدث عن التاريخ بل نحاول أن نتحسب للمستقبل. البعض يرفع شعار ما أشبه اليوم بالبارحة وأن التاريخ يعيد نفسه، وإذا تكرر بالفعل فإنه في المرة الأولى يكون مأساة والمرة الثانية ملهاة.. ‏لكن في الناحية الأخرى هناك من يرفع شعار أن الإنسان لا ينزل النهر مرتين، وأن فكرة تكرار حوادث التاريخ غير صحيحة ومجرد أوهام.

‏وما يلفت النظر حقاً هو الخلاصة التي توصلت إليها صحيفة الغارديان البريطانية في 26 نوفمبر 1917 لتوصيف الحالة العامة بعد توقيع اتفاق سايكس بيكو القديم، حيث قالت: كان البريطانيون محرجين والعرب مستائين والأتراك مسرورين، ‏بعد الاتفاقية الأولى بشهور قليلة قدم آرثر بلفور، وزير خارجية بريطانيا، لليهود ما عرف لاحقاً باسم وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

هذا كان في الماضي قبل نحو 110 سنوات فماذا عن الآن؟ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، خرج في 27 سبتمبر الماضي وبعد لحظات قليلة من اغتيال حسن نصر الله زعيم حزب الله ليقول: نبدأ الآن رسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط. ‏وفي 5 مارس الماضي قال نتانياهو إن العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل لا تقتصر على قطاع غزة فقط، بل تهدف إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وأن الجيش الإسرائيلي قادر على شأن حرب ضد أي طرف يشكل تهديداً لإسرائيل، كما كرر عبارة أن يد إسرائيل قادرة على الوصول لأي مكان في المنطقة.

‏إسرائيل استغلت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 بأسوأ صورة ممكنة لتحويل قطاع غزة إلى مكان غير صالح للحياة لسنوات طويلة، ثم بدأت في زيادة تهويد الضفة الغربية، وصوت الكنيست قبل أيام قليلة على ضمها، ما يعني القضاء تماماً على حل الدولتين، والمساهمة بفاعلية في إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وهي الآن اللاعب الرئيس هناك بحجة حماية الدروز.. كما وجهت ضربة قوية لحزب الله في لبنان ثم كانت الضربة الكبري للمنشآت النووية الإيرانية واغتيال كبار القادة العسكريين وعلماء البرنامج النووي الإيراني لمدة 12 يوماً ابتداءً من 13 يونيو الماضي، وهي العملية التي شاركت فيها الولايات المتحدة في اللحظات الأخيرة بتوجيه ضربة شديدة لمنشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم.

الصراع على النفوذ والسيطرة والهيمنة أمر بدأ منذ الخليقة وسيستمر إلى قيام الساعة، والذي يتغير فقط هي أسماء الدول والزعماء والقادة. في اتفاقية سايكس بيكو الأولى كانت بريطانيا وفرنسا هما الدولتان الكبيرتان عالمياً وتسيطران على معظم المستعمرات في العالم، بعد تراجع دور الدولة العثمانية وصعود إيطاليا، وكذلك رغبة ألمانيا في الزعامة ومنافستها لبريطانيا على زعامة القارة، وكانت معظم الدول العربية خاضعة لسيطرة استعمارية صريحة أو ضمنية..

الآن فإن الدولة الأقوى عالمياً هي الولايات المتحدة، في حين أن إسرائيل تطمح أن تكون زعيمة المنطقة، أما من يحاول منافسة أمريكا عالمياً فهي الصين، خصوصاً في المجال الاقتصادي، وروسيا في المجال العسكري، ويرضى الاتحاد الأوروبي بدور الحليف أو الصديق أو التابع للولايات المتحدة، وقد كشفت أزمة أوكرانيا عن تراجع الدور الأوروبي بصورة كبيرة. قد تتشابك وتتوافق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية في العديد من الملفات، حتى رغم تعارض وتصادم المصالح أحياناً.

الولايات المتحدة يهمها أولاً وأخيراً أن تستمر قيادتها للعالم وإلا تسبقها الصين اقتصادياً، وإسرائيل تسعى أن تكون القوة المهيمنة في المنطقة. ما فعلته بريطانيا وفرنسا مع بعض دول المنطقة العربية قبل وأثناء اتفاقية سايكس بيكو يكاد يتكرر الآن ولكن مع بعض الفوارق. أهداف الدول الكبرى في السيطرة لا تتغير إلا في التفاصيل، لكن النقطة المهمة هي أن إسرائيل لم تتمكن حتى الآن من إنجاز ما تريده سياسياً، رغم الإنجازات العسكرية الكبيرة التي حققتها منذ 7 أكتوبر..

ولا يزال أمام الدول العربية الفاعلة في المنطقة فرصة حقيقية لمزيد من التعاون والتنسيق، حتى يكون لها كلمتها في تقرير مصير ورسم المنطقة على أسس عربية تعظم من مصالحها وتتعاون مع كل دول العالم على أساس المصالح المتبادلة وليس الهيمنة.. وبالتالي يظل السؤال مطروحاً ومفتوحاً على كل احتمالات الإجابة وهو: هل تقترب المنطقة من اتفاقية سايكس بيكو جديدة؟ أم أن ذلك مجرد أحلام أو أوهام في رأس نتانياهو وكبار المتطرفين في إسرائيل؟! سؤال سوف تجيب عنه الأيام والأسابيع والشهور المقبلة.

(البيان الإماراتية)

يتم التصفح الآن