صحافة

مبادرة سعوديّة - فرنسيّة متكاملة لـ"حلّ الدولتين"

عبد الوهاب بدرخان

المشاركة
مبادرة سعوديّة - فرنسيّة متكاملة لـ

اجتاز إيمانويل ماكرون الحاجز النفسي، واختار لحظة مناسبة لإعلان عزم فرنسا على الاعتراف بدولة فلسطينية في الحادي والعشرين من أيلول / سبتمبر المقبل. أقدم على هذه الخطوة بعد نقاش مستفيض مع الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، كما قيل، وبعد محاولات لإقناع رئيسي حكومتَي بريطانيا وكندا بمشاركته ومجاراته. وكان الأخيران موافقين على المبدأ لكن أولويتهما هي لحسابات ومصالح مع الولايات المتحدة في الزمن الترامبي.

أما الأولان، ورغم ما بدا من تعارض خياراتهما أخيراً، سواء في غزة أم في سوريا أم في إيران، فليس متوقعاً أو وارداً أن يقاربا مسألة "الدولة الفلسطينية": دونالد ترامب لأنه يركّز على "الاتفاقات الإبراهيمية... أولاً وأخيراً" وقد غدت "طفله المدلّل" كما يصفها "اللوبي اليهودي" الذي يجوب العواصم العربية مروّجاً لها. وبنيامين نتنياهو لأنه تماهى كلياً مع عتاة التطرّف الذين يتحكمون به وبحكومته، وأصبحت "الحرب المستمرّة" غاية ووسيلة عنده وعندهم.

أما اللحظة المناسبة فتمثّلت بالآتي: المجاعة أصبحت واقعاً في قطاع غزة ولا يمكن إغفاله أو التغطية عليه بأي تبريرات... غضب في الرأي العام الغربي إزاء مستوى الوحشية الذي بلغته إسرائيل في سياسة التجويع والتقتيل اليومي المبرمج لمنتظري المساعدات... انسداد أفق مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وسط خلاف بين فريقي الإدارة الأميركية وإسرائيل في شأن عقدة "إنهاء الحرب" أو مواصلتها بعد هدنة الـ60 يوماً، كما بالنسبة إلى خيارات ما بعد الحرب في غزّة...

ثم إن استبعاد منظمات الأمم المتحدة عن توزيع المساعدات وفشل الخطة الأميركية - الإسرائيلية البديلة أدّيا إلى تدهور مروع في الوضع الإنساني، وهو ما صُدم به ماكرون خلال زيارته العريش (نيسان/ أبريل الماضي) حينما أعلن للمرة الأولى التوجّه إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وبعد بيانين لدول غربية (في 16 أيار/ مايو، ثم في 22 تموز/ يوليو الحالي) توعّدا بإجراءات ضد إسرائيل لكنها تجاهلتهما، جاء اعتراف ماكرون مدفوعاً بما وصف بـ"الإحباط".

كان واضحاً منذ منتصف العام الماضي أن الرئيس الفرنسي لم يعد مقتنعاً بدوافع مواصلة الحرب ولا بـ"التأييد المطلق" لطريقة نتنياهو وحكومته في إدارتها، لكنه حافظ على ذلك التأييد مراهناً على اتصالات لم يقطعها معها، وعلى محاولات إدارة جو بايدن آنذاك للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وكانت هذه الإدارة قد أوحت لحلفائها منذ مطلع 2024 بأنها تبحث في "إنهاء الحرب"، إلا أن الكلمة الأخيرة كانت لإسرائيل، ثم أصبحت كلمتها ولا تزال هي الأولى مع إدارة ترامب برغم الخلافات. فمع ترامب استعيدت مساعي "التطبيع" وكأن ما يحدث في غزة هامشي ولا أهمية له عربياً أو إسلامياً، أو حتى جيو-سياسياً، إذ إن المنطقة اعتادت التعايش مع هيمنة أميركية، أما أن تصبح جزءاً من "إمبراطورية" إسرائيلية فهذه مسألة أخرى.

وبما أن السعودية وضعت أولوية "حل الدولتين"- إنصافاً للشعب الفلسطيني وطمأنةً للإقليم - كشرطٍ مسبقٍ يؤهّل إسرائيل لـ"التطبيع" المفترض معها، فإن الرئيس الفرنسي وجد في دعم هذه الصيغة مخرجاً للدخول في شراكة سياسية مع الرياض، التي تطلعت ولا تزال إلى أن تكون واشنطن شريكاً أساسياً في هذا التوجّه. وعندما حُدّد موعدٌ لـ"المؤتمر الدولي لحل الدولتين" برئاسة مشتركة سعودية - فرنسية، كان ماكرون قد حسم قرار الاعتراف وظل يبحث عن شركاء غربيين. لم تكتفِ واشنطن بمعارضة الفكرة من أساسها بل راسلت عشرات الدول لتحذيرها من عواقب مشاركتها في هذا المؤتمر، لكنها في المقابل، كالعادة، لم تطرح أي بدائل، ثم شاءت "الصدفة" أن تؤجّل الهجمات الإسرائيلية ثم الأميركية على إيران ذلك المؤتمر، وقد ارتبطت الهجمات خصوصاً بتعثّر المفاوضات النووية، وبسعي إسرائيل إلى حرف الأنظار عن جريمة التجويع التي تنفّذها في قطاع غزّة. 

بعد انقضاء حرب الـ12 يوماً، عادت الرياض وباريس إلى البحث في تفعيل "مؤتمر حلّ الدولتين" الذي بات أجندة تحاول استباق أجندتَي ترامب ونتنياهو غير المتطابقتين في كل شيء، أو تحاول على الأقل ترشيدهما وتصويبهما. لا يقتصر الهدف على ترويج إضافي لـ"حلّ الدولتين"، إذ أشار وزير الخارجية الفرنسي إلى "مبادرة مُخطط لها منذ فترة طويلة" تتضمّن "تنديداً علنياً من دول عربية بـ"حماس" ودعوةً إلى نزع سلاحها"، و"تأكيدَ دول أوروبية عزمها على الاعتراف بدولة فلسطين". يُضاف إلى ذلك طرح "خريطة طريق (سعودية - فرنسية) لمرحلة ما بعد الحرب" و"متوافقة مع اتفاقات إبراهيم"، على أن تشمل الجوانب الأمنية وإعادة الإعمار ونظام الحكم وإصلاحات في السلطة الفلسطينية تؤهلها للحصول على مساعدات ورفع الحصار المالي عنها...

إذاً، يُراد للاعتراف الفرنسي الرسمي بـ"دولة فلسطين" أن يتخطى الطابع "الرمزي"، وأن يكون حدثاً متكاملاً يغيّر مجرى الأحداث كما تديرها إسرائيل. لكن ترامب سفّه كلام ماكرون واعتبره "بلا أهمية".  

(الوطن السعودية)

يتم التصفح الآن