تتسع العزلة الاسرائيليّة غداة الخطوات الغربية المتسارعة باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين ما يضع المزيد من الضغوط على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويدفعه نحو ابرام صفقة لوقف الحرب على غزة، لاسيما أن العراقيل التي توضع في وجه التوصل الى اتفاق يضع حدًا للقتال لا تعدو مجرد "تفاصيل" يمكن التغلب عليها في حال أرادت تل أبيب وحركة "حماس" على حدّ سواء ذلك. فبعد الخطوة الفرنسية "الجريئة" أعلنت كل من بريطانيا وإسبانيا وهولندا أنها تدرس بشكل إيجابي الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل وكذلك فعلت كندا على لسان رئيس وزرائها مارك كارني.
هذا الاعلان الذي سيكون له تداعيات على اسرائيل التي تواجه اليوم انتقادات لاذعة وتحركات عالمية بعدما هزّت صور الأطفال المجوعين الخارجة من القطاع المُحاصر وجدان العالم ودفعته الى الاعتراض ورفض ما يحصل من جرائم حرب وابادة جماعية ومجاعة حقيقية لم تنفع معها كل الاكاذيب التي يسوقها الاعلام الاسرائيلي وحكومة نتنياهو بنفي وجود مجاعة كما من خلال "الاستعراضات" اليومية بدخول المساعدات الى القطاع والتي هي مجرد "قطرات" لا تكفي احتياجات مليوني فلسطيني يواجهون الفقر المدقع والتهجير المُمنهج. ناهيك عن أن "الهدن التكتيكية" التي أعلنت عنها قوات الاحتلال لا تعدو مجرد "فقاعات" اعلامية للتخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إليها، والدليل الاكبر على ذلك استمرار استهداف الفلسطينيين إما بالقرب من مراكز توزيع المساعدات التي تحولت الى "مصائد موت" او قصف خيمهم ومراكز الايواء بشكل عشوائي، وقد سجل المكتب الإعلامي الحكومي في غزة استشهاد 51 فلسطينيًا واصابة ما يزيد عن 600 شخص أمس الاربعاء.
وأمام هذا الواقع المستجد والدعوات الى اللحاق بركب الدول التي تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية كخطوة في اطار حلّ الدولتين، اعربت اسرائيل عن غضبها الشديد ووصل الأمر بنتنياهو الى ان يضع ذلك في اطار "عقاب للضحية"، معتبرًا أن قيام هذه الدولة على حدود إسرائيل سيجعلها "دولة جهادية" تشكل تهديدًا لاحقًا حتى للدول الأوروبية. أما وسائل الاعلام الاسرائيلية فركزت على هذا الموضوع باعتباره يُشكل أداة ضغط على إسرائيل لإجبارها على الانخراط في مسار تسوية ووقف الحرب المستمرة، خاصة مع انسداد الأفق السياسي وفشل الخيارات الدبلوماسية. فعلى الرغم من رمزية هذه الخطوة وعدم قدرتها على تغيير الواقع الفلسطيني المُعاش في غزة او حتى في الضفة الغربية المحتلة، الا انها تعكس تنامي الرفض الدولي عمومًا والاوروبي خصوصًا لسياسات اسرائيل والابتعاد عنها.
وتعمد اسرائيل اليوم الى رمي الكرة في ملعب "حماس" وجرها الى التوصل لاتفاق بالشروط التي يريدها نتنياهو والا فالتهديد بضم أراضي من قطاع غزة وتوسيع العملية البرية واعتماد سياسات اكثر تطرفًا. ومن هنا جاء ارسالها وثيقة تتضمن تعديلات على رد حركة "حماس" بشأن مقترح وقف اطلاق النار والذي سلمته للوسطاء ويتضمن رفضها خرائط الانسحاب المقترحة وتبادل جثث أسرى اسرائيليين محتجزين لديها بأسرى فلسطينيين كما أكدت عدم نيتها الانسحاب من محور فيلادلفيا (صلاح الدين). وهذا السقف العالي يضع الحركة امام خيارين: فإما الرضوخ او استمرار الحرب الى ما لا نهاية وهو ما يتعارض مع مواقف الشعب الغزاوي الذي يطالب بوقف سريع للنار وعودة الحياة الى القطاع المنكوب والتوصل الفوري الى اتفاق. وحاليًا، تتجه الانظار الى الزيارة التي يقوم بها المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف الى اسرائيل "لبحث الأزمة الإنسانية في قطاع غزة"، وفق المعلومات المتداولة.
وتأتي هذه التحركات الاميركية بعد اعتراف الرئيس دونالد ترامب بوجود "أطفال يتضورون جوعًا" كما غداة توجيه 44 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ رسالة مفتوحة تحثّ على استئناف محادثات وقف إطلاق النار، وتنتقد بشدة "مؤسسة غزة الإنسانية" ودورها الحالي في تقديم المساعدات. والضغوط التي تمارس على اسرائيل و"حماس" من اجل الدفع قدمًا نحو هدنة وتقليص حجم الفجوات والاختلافات بدأت تطال الدول العربية ولاسيما مصر التي توجه اليها انتقادات لاذعة بشأن اغلاق معبر رفح فيما يموت الغزاويون جوعًا كل يوم. وقد تزايدت في الايام الماضية المظاهرات امام السفارات المصرية في الخارج والدعوات المطالبة بإنقاذ اطفال غزة وشعبها من موت محتوم وواجهت مصر ذلك برفض كل التهم والتأكيد على ان المعبر مفتوح من الجانب المصري ولم يغلق يومًا.
على الخط الايراني، أعلنت وزارة الخزانة الاميركية عقوبات جديدة على أكثر من 115 فردًا وكيانًا وسفينة على صلة بإيران في ما وصفته بأنه أكبر حزمة من العقوبات المرتبطة بطهران منذ عام 2018، ما يعكس اصرارًا من جانب الرئيس الاميركي على استمرار سياسة "الضغوط القصوى" على طهران بعد توقف المفاوضات النووية وتعثرها نتيجة الحرب الاسرائيلية - الاميركية والتي استمرت 12 يومًا وأدت الى قصف مواقع نووية رئيسية إيرانية في شهر حزيران/يونيو الماضي. وتستهدف العقوبات بشكل عام مصالح الشحن التابعة لمحمد حسين شمخاني، نجل علي شمخاني، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي. من جانبها، أدانت الخارجية الإيرانية في بيان "فرض واشنطن عقوبات على أفراد وكيانات قانونية وسفن ترتبط بقطاعي الطاقة والنفط بإيران". يُذكر ان الرئيس ترامب حذّر يوم الاثنين الماضي من أنه سيأمر بشنّ هجمات أميركية جديدة إذا حاولت طهران إعادة تشغيل المواقع النووية التي سبق أن قصفتها الولايات المتحدة.
تزامنًا، شنّ نواب في البرلمان الايراني هجومًا لاذعًا على الحكومة بسبب تمسكها بالمسار التفاوضي مع واشنطن، وذلك بعد تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي والتي ينظر اليها على انها "مهادنة" للولايات المتحدة واسرائيل وتشجع على عودة المباحثات. وفي هذا الاطار، قال رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف ان الهجوم الاسرائيلي "لم يحدث نتيجة لفشل المسار الدبلوماسي، بل وقع في خضم المفاوضات السياسية ذاتها، مضيفًا "كانت إيران حاضرة على طاولة المفاوضات وملتزمة بالحوار، لكن المعتدين هم من قلبوا الطاولة واختاروا طريقاً آخر. وفي ردّ على هذا العدوان، دافعت إيران بحزم عن أراضيها وشعبها".
ومن ايران وتطوراتها الى سوريا التي تحصد الانتباه عقب الاعلان عن اجتماع ثاني سيُعقد اليوم بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر في العاصمة الأذربيجانية باكو. وقد أوضح مصدر دبلوماسي لـ"وكالة الصحافة الفرنسية" أن اللقاء يتمحور حول "الوضع الأمني خصوصًا في جنوب سوريا"، وذلك بعد احداث السويداء الاخيرة ودخول اسرائيل على خط دعم الدروز وتوجيه ضربات عسكرية وصلت الى عمق دمشق بعد استهداف مبنى الاركان ومحيط القصر الرئاسي ما شكل رسالة سياسية واضحة للادارة الجديدة. هذا ويزور الشيباني أيضًا اليوم موسكو، في اول زيارة رسمية يقوم بها مسؤول في الحكومة السورية الجديدة الى روسيا منذ الاطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الاول/ ديسمبر الماضي.
وفي الشأن اللبناني، جدّد أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم ربط البحث بشأن سلاحه بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة وتبادل الاسرى كما هاجم كل من يطالب بهذا الأمر "خدمة للمشروع الاسرائيلي". واعتبر أن "المقاومة هي دعامة للجيش لتكون ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة فعالة وليست شكلية"، واضعًا الدولة امام مسؤولياتها في ما يتعلق بإعادة الاعمار قائلًا: "على الدولة القيام بواجبين رئيسيين هما: إيقاف العدوان بكل السبل و إعادة الإعمار حتى لو من خزينتها". ويحاول قاسم القفز فوق الحقائق خاصة انه يعلم حجم الضغوط الممارسة على لبنان بهدف حصر السلاح بيد الدولة الشرعية وان الحديث عن اعادة الاعمار مرهون بالتوافقات الاقليمية والتوصل الى خطوات عملية خاصة ان الدول ترفض تقديم مساعدات مالية بدون افاق واضحة.
هذا ويعقد لبنان اليوم جلسة وزارية دعا اليها رئيس الحكومة نواف سلام وتهدف الى البحث بموضوع حصرية السلاح في ظلّ انقسامات عامودية في البلاد بين مؤيد ومعارض. واكد سلام في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" أن الموضوع "ليس استفزازًا لأحد؛ بل هو من أساس خطاب القسم لرئيس الجمهورية، ومن صلب البيان الوزاري للحكومة، اللذين صوت لهما كامل النواب الشيعة من ضمن غالبية نيابية كبيرة جدًا انتخبت الرئيس وصوتت الحكومة بالثقة مرتين". وشدّد على أنه لا عودة إلى الوراء في موضوع حصرية السلاح، كما في موضوع الإصلاحات التي يفترض أن تستكمل مسارها في جلسة البرلمان الخميس، كما في جلسات الحكومة اللاحقة.
واليكم اهم ما تناولته عناوين وتحليلات الصحف العربية الصادرة اليوم، الخميس:
رأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أنه "لم تجدِ الضغوط الأمريكية نفعًا في الحؤول دون انعقاد المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية في نيويورك، ولا استطاعت إسرائيل برفضها قيام "الدولة الفلسطينية"، أن تحول دون تعاظم موجة الاعتراف بفلسطين في إطار حل الدولتين"، مشددة على أنه "لم يعد مبررًا أبدًا السماح لإسرائيل والولايات المتحدة بعرقلة قيام الدولة الفلسطينية، ولم يعد مبررًا أن يظل الشعب الفلسطيني وحيدًا من بين كل شعوب الأرض بلا دولة يعاني التشريد والتهجير والقتل والتمييز العنصري".
في السيّاق عينه، قالت صحيفة "الوطن" القطرية "لقد أكد مؤتمر حل الدولتين، الذي انعقد في نيويورك، على ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة محددة زمنيًا للتسوية السلمية لمسألة فلسطين وتنفيذ حل الدولتين"، مشيرة الى ان كل ما يجري "مؤشرات ومواقف تقود إلى خلاصة واحدة مفادها أن وقت الحل حان، وأي تهرب من هذه المسؤولية معناه إدخال المنطقة في أتون صراع يهدد الأمن والسلم الدوليين، والحال هذا لا بد من تحرك دولي عاجل لا يكتفي بمسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإنما بالدفع نحو حل عادل وشامل عبر الأدوات والقوانين والتشريعات الأممية".
صحيفة "الغد" الأردنية، بدورها، كتبت "عقدة أوروبا تجاه الكيان المحتل تم تجاوزها، وتبقى عقدة الولايات المتحدة التي تحتفظ بعلاقات متينة مع الكيان. لكن هذه العلاقة "أكلت" من رصيد واشنطن عالميًا، وهو أمر لا ترحب به الإدارة الأميركية مهما كانت منساقة للرغبات الصهيونية"، معتبرة أن "سياسة واشنطن الحالية بالدعم غير المشروط للكيان، يمكن أن تكون الشعرة القاصمة، والتي قد تسرّع في نهاية دولة الاحتلال برمتها"، وفق قولها.
وتساءلت صحيفة "الأهرام" المصرية "هل كان أحد يتخيل أن بريطانيا العظمى، التي كانت وراء إصدار وعد بلفور، الذي أعطى فلسطين لليهود دون وجه حق ليقيموا فيها دولتهم، تغير موقفها، وتعلن أنها في طريقها للاعتراف بالدولة الفلسطينية؟". واردفت قائلة "إن تحول الموقف البريطاني، وغيرها من الدول الغربية، لا يعني أن الدولة الفلسطينية ستقوم غدا، أو بعد غد، بل يجب مواصلة الضغوط علي تل أبيب لإقناعها أولا بوقف المجزرة البشعة التي يرتكبها الاحتلال في غزة، ومن ثم وقف إطلاق النار، ثم إقناعها ثانيا بضرورة العودة للمفاوضات السلمية".
الوضع السوري تناولته صحيفة "الرياض" السعودية التي أوضحت أن "أهمية الاستثمارات السعودية في قدرتها على تحفيز بيئة الاستثمار العام بسوريا، وتعزيز الثقة في الاقتصاد السوري خلال مرحلته الانتقالية، وكذلك زيادة الإنتاج المحلي، فضلًا عن خلق فرص عمل جديدة للسوريين، وتأسيس شركات جديدة تُخدّم قطاعات متعددة، مما يساهم في تنشيط عجلة الاقتصاد" في البلاد، جازمة بأن هذه الاستثمارات تأتي "في توقيت بالغ الأهمية، نظرًا لحاجة سوريا الماسّة إلى مشاريع تطوير البنية التحتية في قطاعات إستراتيجية، وعلى رأسها الطاقة والإسمنت، اللتان تشكّلان أساس أي مشروع تنموي أو إعادة إعمار"، بحسب تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")