صحافة

عبء عسكرة العلاقات الأمريكية مع دول الخليج

محمد المنشاوي

المشاركة
عبء عسكرة العلاقات الأمريكية مع دول الخليج

لا ينافس أحد الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي، فمنذ اندلاع الثورة الإيرانية ونجاحها في التأسيس لنظام سياسي معاد للمصالح الأمريكية، وفرت واشنطن مظلة أمنية لدول المنطقة، وبدأت تتعامل مع دول الخليج الست كوحدة واحدة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الاستراتيجية لها في المنطقة. وكان إعلان الرئيس، جيمى كارتر، فى خطاب حالة الاتحاد عام 1980 أن «أي محاولة من قوة خارجية للسيطرة على الخليج العربي بمثابة اعتداء على المصالح الحيوية لنا، وستتم مواجهة هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية» رسالة جادة ومباشرة لمن يفكر في الاقتراب عسكريا من الخليج.

ينتشر اليوم لواشنطن ما يقرب من 40 ألف جندي في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي، ولها كذلك قواعد عسكرية ضخمة في أغلب دول المنطقة. وتعد واشنطن المصدر الرئيس لسلاح وعتاد وتدريب جيوش دول مجلس التعاون الخليجي، وتجمعها كذلك اتفاقيات عسكرية ومناورات ثنائية متعددة بهذه الدول، واتفاقيات ومناورات جماعية لدول مجلس التعاون الخليجي في الوقت ذاته.

خلال نفس الفترة التي ركزت فيها الولايات المتحدة على الجانب العسكري من العلاقات بدول الخليج، نما وجود الصين في دول الخليج بشكل كبير في جميع مجالات الاقتصاد والتجارة ومظاهر القوة الناعمة. وترى بكين حاليا أن مصالحها بالشرق الأوسط تُخدم بشكل أفضل من خلال التركيز على التجارة والابتعاد عن الشؤون الأمنية والعسكرية. ونجحت بكين في أن تصبح الشريك التجاري الأكبر، وربما الأهم، لكل دول مجلس التعاون الخليجي. كذلك تتمتع بكين بعلاقات قوية بالجانب الإيراني المقابل في الخليج، وهو ما أتاح لها ضمان مكانتها كصديق مقرب وشريك موثوق به لأكبر منتجي النفط والغاز في العالم. وبالفعل أصبحت الصين الشريك التجارى الأول مع كل من السعودية وإيران، وكلتاهما دولتان حيويتان لمصالح الصين الاستراتيجية الخاصة، لا سيما حاجتها إلى مصادر موثوقة للنفط في وقت تستورد فيه الصين النفط بوتيرة تبلغ حوالى 10 ملايين برميل يوميًا، وفقا للبيانات الصينية الرسمية، وهو رقم من المتوقع أن يستمر في الارتفاع خلال السنوات القادمة. ونجحت الصين في لعب دور هام سمح بتطبيع العلاقات بين الرياض وطهران بعد قطعها لسنوات.

على الرغم من بعض التقارير الأمريكية عن سعي الصين وضع موطئ قدم عسكري لها فى دولة الإمارات العربية المتحدة يكون بمثابة نواة لتواجد عسكري أوسع بمنطقة الخليج، لا يبدو أن دول الخليج لديها أي استعداد بعد لمد نطاق التعاون الثنائي مع الصين لجانبه العسكري، ولا يبدو كذلك أن الصين في عجلة من أمرها فيما يتعلق بالتواجد العسكري في الخليج.

دفع نجاح بكين في مارس الماضي في التوسط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، وتركيز البيت الأبيض على ملفات وقضايا المواجهة الأكبر مع الصين خاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لخروج بعض المعلقين بآراء مفادها أن واشنطن تخسر نفوذها وبسرعة في الخليج.

خلال سنوات حكمه الأربع، قال الرئيس السابق دونالد ترامب في عدة مناسبات إن على الدول الخليجية أن تبدأ في الدفع مقابل توفير المظلة الأمنية والحماية العسكرية الأمريكية لدولهم. (...) وعقب حادثة هجوم طائرات مسيرة على منشآت شركة أرامكو السعودية في سبتمبر 2019، لم ترد واشنطن عسكريا على الحوثيين الذين أعلنوا مسؤوليتهم، ولا على إيران التي يُعتقد على نطاق واسع قيامها بتلك الهجمات. وأكدت هذه الحادثة مخاوف السعودية من هشاشة علاقاتها العسكرية بواشنطن خاصة مع مطالبة ترامب الرياض بدفع مليارات الدولارات تكلفة إرسال جنود أمريكيين عقب هذه الهجمات.

ساهمت بيروقراطية صنع السياسة الأمريكية على عدم الخروج من النمط التقليدي في التفكير والاعتماد على أن العلاقات العسكرية ــ العسكرية مع دول الخليج هي أهم من بقية مجالات العلاقات. وسمح ذلك للصين بالاستفادة من الاستقرار الخليجي، الذى تؤمنه واشنطن لها مجانا، في وقت وسعت وأصبحت الشريك التجاري الأكبر لدول المنطقة. ولم تعد دول الخليج تكترث بالقلق الأمريكي من زيادة تعاملها واعتمادها التكنولوجي على الصين خاصة فيما يتعلق بشبكات الجيل الخامس، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

في الوقت ذاته، يخشى الكثير من معلّقي دول الخليج من إمكانية إقدام واشنطن على بيع مصالحها الاستراتيجية في الخليج من أجل «صفقة كبرى» مع إيران، وهى مخاوف لا مبرر لها إذ تقوم سياسة واشنطن تجاه طهران بمراعاة حسابات ومخاوف وضغوط إسرائيل، وليس الحسابات الخليجية أو العربية.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن