جائزة نوبل للسلام من أسمى وأرفع الجوائز العالمية التى تمنح تكريماً لكل من يساهم في إرساء السلام والأمن والاستقرار العالميين بين الدول والشعوب، ويعمل على إزالة أسباب الصراع ووقف الحروب وإحلال السلام إنقاذاً للبشرية. وبهذا المعنى فالجائزة تكريس للسلام في مواجهة الحرب. ولا يقتصر منح الجائزة على الساسة فقط بل لكل من يساهم بشكل ملحوظ في وقف الحروب وإن كان الساسة هم الأكثر حلماً وسعياً وهوساً بالحصول عليها، لما لها من قيمة كبيرة، ولذلك فالكثير من الساسة والقادة سعوا ويسعون للحصول عليها اعتقاداً منهم أنها تحول دعاة الحرب والمتهمين بالإبادة إلى رجال سلام.
وكأن قيمة الجائزة بهذا المعنى أنها حكم عالمي بالبراءة. وليس معنى هذا أن الجائزة لم تمنح لقادة وساسة عظام عملوا على السلام ووقف الحرب. ومن أبرز عشرة قادة منحت لهم الجائزة الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، الذي عمل على إنهاء خمسة عقود من الحروب مع القوات المسلحة الكولومبية. والرئيس محمد أنور السادات مع مناحيم بيجين لمساعيهما لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الحروب، ونيلسون مانديلا وفرديريك دي كليرك لدورهما في إنهاء العنصرية في جنوب إفريقيا، والرئيس ياسر عرفات وشمعون بيريز ورابين لتوقيع اتفاق أوسلو وإعلان الاعتراف المتبادل، والرئيس كيم داي جونغ رئيس كوريا الجنوبية بسبب نهجه الذي عرف بسياسة الشمس المشرقة تجاه كوريا الشمالية، ومن ثم كان عقد أول قمة بين الكوريتين.
وكان لرؤساء للولايات المتحدة نصيب في هذه الجائزة، الرئيس وودرو ويلسون الرئيس الثامن والعشرون لإعلان 14 مبدأ كوسيلة لإنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل، وأول من أطلق على الحمامة رمز السلام، والرئيس جيمي كارتر الرئيس التاسع والثلاثون لمساعيه من أجل التوصل لحلول للصراعات الدولية وازدهار الديمقراطية، والرئيس باراك أوباما الرئيس الرابع والأربعون لتقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب. ورغم ذلك لم تخلُ الجائزة من المفارقات رغم حرص المؤسس للجائزة المهندس والكيميائي ومخترع الديناميت السويدى الفريد نوبل وتخصيص الجزء الأكبر من ثروته لما عرف بجائزة نوبل للسلام وفى مجالات أخرى كالعلم والطب والآداب والكيمياء والفيزياء وأن تخصص جائزة السلام للشخص الذي قدم أفضل إنجاز في سبيل تعزيز الأخوة بين الأمم وتقليص الجيوش القائمة أو إلغائها وتنظيم مؤتمرات السلام ودعمها.
واليوم يعتبر الرئيس ترامب الأكثر حرصاً وسعياً لنيل الجائزة، وتم حشد فريق من الإعلاميين والسياسيين لترشيحه، وحسب صحيفة التايمز البريطانية فإن ترامب يريد جائزة نوبل للسلام منذ رئاسته الأولى، واعتقاده الراسخ اليوم أنه يستحقها قائلاً إن الرئيس أوباما فاز بها من دون مبرر ولم يفعل أي شيء لكنه حاز عليها بعد أشهر قليلة من حكمه. ومن أقواله لو كنت أوباما لنلتها وأوباما لا يستحقها ومن الظلم أن ينالها وقوله إنهم أعطوها لأوباما ولم يعرف حتى لماذا حصل عليها. والغرابة في قوله لن أنالها مهما فعلت، ولن أحصل عليها على الأرجح وكأنه بهذا القول يدفع لنيلها.
ويترك غيره لترشيحه، ولعل أكثر الترشيحات مفارقة وغرابة أن يرشحه نتنياهو المتهم بحرب إبادة من قبل الجنائية الدولية والمطلوب اعتقاله وهو ترشيح قد يفقد الرئيس ترامب مصداقية الفوز بها. وتري سي إن إن أن الجائزة أصبحت "هوس" ترامب الأقصى الذي يقول إنها مستحقة بجدارة نظراً لجهوده في إنهاء الصراعات حول العالم. ويبقى السؤال المهم ماذا فعل الرئيس ترامب ليستحقها؟ وهل هو الأجدر بها بين أكثر من 300 مرشح؟
الجديد في حالة الرئيس ترامب أنه يرى نفسه أجدر من رؤساء أمريكيين نالوا الجائزة وخصوصاً الرئيس أوباما كما رأينا. فهو من وجهة نظره يستحق نوبل للسلام لما قام به من مبادرات سلمية وفرت على العالم حروباً طويلة ولجهوده بشأن كوريا الشمالية وسوريا وما يقوم به من أجل إنهاء الحرب الأوكرانية وجهوده من أجل هدنة غزة ووقف الحرب، ولدوره في وقف الحرب بين إسرائيل وإيران ومواصلة جهوده لتفكيك برنامج إيران النووي. ودوره في وقف الحرب بين باكستان والهند، وترشيح باكستان له لنيل الجائزة قد يكون له تأثيره.
وفي مقابل ذلك التشكيك في فوزه بالجائزة بمواقفه أولاً داخلياً وتبني السياسات الشعبوية وتضييق الخناق على المهاجرين وطردهم والرسوم الجمركية التي فرضها على العديد من دول العالم لتؤذن بحرب اقتصادية كونية والصراع مع الصين وتهديده بضم كندا واحتلال جزر غرينلاند وموقفه من حرب غزة ودعمه المطلق لإسرائيل رغم قتل إسرائيل لأكثر من ستين ألفاً ثلثهم من الأطفال والنساء وتوفير غطاء لإسرائيل من أي عقوبات في مجلس الأمن. وتقزيمه لدور الأمم المتحدة والتهديد بالانسحاب منها.
ويبقى أن الجائزة تخضع لحسابات ومفارقات سياسية، وقد يكون الرئيس ترامب الرئيس الرابع أمريكياً الذي يفوز بالجائزة وهو الأقرب لها. ويدعم موقفه قمة ألاسكا ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوضع نهاية للحرب الأوكرانية الكونية في تداعياتها وهي الأقرب لذلك. لكن الإشكالية الكبرى أن الجائزة تدعو للسلام الإيجابي والعادل وترامب يدعو لسلام القوة.
(الخليج الإماراتية)