الأمن القومي العربي

العلاقات المصرية - السعودية بين ضرورات التحالف ومشكلات التنافس!

في الفترة الأخيرة، حازت العلاقات المصرية - السعودية جدلًا كبيرًا على منصّات التواصل الاجتماعي تتصاعد حدّته سلبًا وإيجابًا مع التفاعلات بين العاصمتَيْن سياسيًا واقتصاديًا وأيضًا فنّيًا، ولكن ربّما يغيب عن هذا الجدل أنّ القاهرة والرياض شكّلتا أحد أعمدة النظام العربي. ومع تراجع دمشق التي كانت شريكًا مُضافًا، باتت القاهرة والرياض جناحَي النظام العربي في منطقة المشرق على الأقل، ذلك أنّ القاهرة تملك الثقل الديموغرافي والقدرات العسكرية فضلًا عن الموقع الجيوسياسي والعمق الحضاري، بينما تستند الرياض إلى القوة الاقتصادية والمالية، والنفوذ الديني في العالم الإسلامي، وقوة ديموغرافية نسبية مع قدرات مجتمعيّة مُتصاعدة القوة خصوصًا في عهد ولي العهد محمد بن سلمان.

العلاقات المصرية - السعودية بين ضرورات التحالف ومشكلات التنافس!

على الرَّغم من محطّات التوتّر في علاقات البلدَيْن، فإن العلاقة بينهما محكومة بمحدّد جوهري وهو أنه لا استقرار في المنطقة من دون تنسيقٍ مشتركٍ بين مصر والمملكة العربية السعودية. ولكن مع التحوّلات الراهنة في الشرق الأوسط اقتصاديًا وسياسيًا، تتعرّض العلاقة الثنائية لاختبارٍ صعبٍ متعلقٍ بسقف التنافس بين البلدَيْن، تحت مظلّة ضرورات التحالف التي تُشكّل مصلحةً مشتركة.

في هذا السياق، فإنّ مصر والسعودية تشتركان في تقدير موقف أنّ تمدّد أيّ قوى إقليمية مُنافسة لهما، يشكّل خطرًا عليهما وعلى النظام العربي بأكمله، كما أنّ أمن البحر الأحمر وتأمين باب المندب يحوزان على أهمية استراتيجية لدى البلدَيْن.

ويشترك البلدان أيضًا في امتلاك شرعيةٍ دينيةٍ منبثقةٍ من وجود الأزهر الشريف بثقله في مصر، بينما تحوز المملكة على الحرمَيْن الشريفَيْن، بما يجعلهما معًا شريكَيْن في نفوذٍ كبيرٍ على العالم الإسلامي بشعوبه.

بلورة معادلات جديدة في علاقات مصر والسعودية ستُنتج ضمانة كبيرة لما تبقّى من قدرات النظام العربي

وقد شكّل ملف التعاون الاقتصادي أحد أعمدة العلاقة الثنائية حيث إن المساعدات الخليجية والسعودية على رأسها، كانت من عوامل استقرار النظام السياسي في مصر بعد قلائل وسيولة سياسية أمنية استمرّت في مصر من 2011 حتّى 2014، حيث شكّلت المساعدات الاقتصادية الخليجية وخصوصًا السعودية دعمًا رئيسيًا للاقتصاد المصري وهو ما انعكس على قدرة النظام السياسي على الاستقرار والاستمرار، فيما تُشكّل السوق المصرية بضخامتها مصدرًا للربح عبر تسويق المنتجات والخدمات، وساحةً لتوظيف العوائد البترولية على المستوى الاستثماري.

بطبيعة الحال، يملك البلدان نقاط اختلاف تشكّل مصادر للتوتّر، فقد اكتفت مصر بمهام حماية باب المندب بحريًا، ورفضت الانخراط في حرب اليمن في رؤيةٍ ثبت صلاحها مع الزمن مؤسَّسةً على الخبرة المصرية السابقة في اليمن أيام جمال عبد الناصر. وبينما تسعى الرياض إلى تعزيز موقعها كقيادةٍ إقليميةٍ عربيةٍ منفردة، فإنّ القاهرة تتمسّك بموقعها القيادي كمركز ثقل سياسيّ وثقافيّ وحضاريّ، حيث تتنافس العاصمتان المصرية والسعودية على دور الوسيط الإقليمي في المعضلات العربية. وفي الوقت الذي تملك فيه الرياض "رؤية 2030" التي تُركّز على المتطلّبات السعودية الداخلية على الصعيد الاقتصادي خصوصًا في مدى الالتزام بتنفيذ شروط صارمة في المِنَح والمساعدات الخارجية، فإنّ السعودية تواجه تحدّي ضرورة دعم مصر للحفاظ على استقرارها واستقرار المنطقة معها.

التنافس سيدمّر ركيزة النظام الإقليمي العربي ليتعرّض النظام العربي بأكمله لاجتياح إسرائيليّ إيرانيّ تركيّ

هكذا تبدو الخيارات المطروحة حاليًا على البلدين، في سياقَيْن: الأول يتمثّل بالتحالف الاستراتيجي العميق بما يعزّز أمن البحر الأحمر، وتسوية الأزمة السودانية، وحفظ توازنات منطقة القرن الأفريقي، بما يرسّخ محور القاهرة - الرياض كقوةٍ وازنةٍ أمام طموحاتٍ إقليميةٍ أخرى، مع استمرار الدعم السعودي لكن بأسقفٍ تساعد الاقتصاد المصري على إحراز تحوّلاتٍ مطلوبةٍ نحو بناء القدرات الإنتاجية على مستوى ضخم، بما يعزّز قدراته تدريجيًا على الاستغناء عن المنح والمساعدات. أمّا السياق الثاني في هذه الخيارات فهو التباعد الاستراتيجي في حالة نجاح كل عاصمة في بناء تحالفاتٍ بديلة، بما يعزّز الحالة التنافسية بينهما خلال المرحلة القادمة.

وطبقًا لهذه المعطيات، فإنّ تقديرنا يذهب إلى أنّ بلورة معادلاتٍ جديدةٍ في علاقات مصر والسعودية المستقبلية، ستُنتج ضمانةً كبيرةً لما تبقّى من عافية وقدرات النظام العربي، ذلك أنّ بلورة علاقات تعاونيّة في الإطار الإقليمي في السياقات الأمنية والاقتصادية تبدو حتميةً، تحت مظلّة تناقضات ثانوية مطلوب ترشيد إدارتها وتحسين وضبط بيئة التفاعلات فيها، خصوصًا في المجال الإعلامي، وهو الأمر الذي سيحدّد ما إذا كان المحور المصري - السعودي سيحافظ على موقعه كركيزةٍ للنظام الإقليمي العربي، أم إنّ التنافس سيدمّر معه هذه الركيزة ليتعرّض النظام العربي بأكمله لاجتياحٍ إسرائيليّ - إيرانيّ – تركيّ!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن