تعيش اسرائيل فائض قوة بعد التغيرات التي فرضتها على المنطقة بقوة السلاح والتطور التكنولوجي الذي كرسته في خدمة اهداف الحرب بعد احداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فمن غزة الى لبنان وسوريا وصولًا الى اليمن وبعدها ايران تتحرك اسرائيل بحرية تامة تفرض اجندتها وتحتل أراضٍ وترتكب مجازر وتشن حروب وينشر جنودها صورًا وفيديوهات يتباهون فيها باقتلاع اشجار زيتون الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة او ينسفون مباني واحياء سكنية في غزة او يقيمون مأدبة طعام بالقرب من القطاع المحاصر والمجوع منذ اشهر طويلة.
ولكن ما تفعله تل أبيب ساهم في اعادة موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية الى الواجهة كما بتأجيج موجة من التظاهرات العالمية غير المسبوقة رفضًا لحرب الابادة على قطاع غزة ما جعلها تعاني من عزلة متزايدة على الصعيد الدولي، بحسب تقرير مطول نشرته صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية الاقتصادية التي وصفت ما يجري بأنه أشبه بـ"الحصار الصامت"، الذي نتج عنه "تأجيل العقود وتجميد الاستثمارات ومقاطعات أكاديمية وتجنب التعامل التجاري مع الشركات الإسرائيلية، مما شكل انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الإسرائيلي والصناعات المختلفة، فضلا عن الإضرار باستمرارية البحث العلمي والتعاون الأكاديمي الدولي". وقد فشلت اسرائيل في ترويج أكاذيبها وأضاليلها ما دفعها مؤخرًا الى تجنيد مؤثرين أميركيين وإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي من اجل نفي تهمة المجاعة المتفشية في غزة بعد اعلان الامم المتحدة ذلك، وقد قام هؤلاء بالعديد من الفيديوهات التي تظهر تكدس المساعدات متهمين "حماس" والامم المتحدة بتشويه الحقائق.
كل ذلك يتزامن مع اشتداد العملية العسكرية حيث أشار المتحدث باسم الدفاع المدني في القطاع محمود بصل الى أن الاحتلال الإسرائيلي دمر أكثر من ألف بناية في أحياء الزيتون والصبرة منذ 6 آب/أغسطس الجاري، في وقت أظهرت صور نشرتها وكالة "أسوشيتد برس" حشودًا لدبابات الاحتلال بالقرب من حدود قطاع غزة، على وقع التهديدات اليومية بالقضاء على "حماس" واقتلاع وجودها بشكل نهائي او دفعها الى القبول باتفاق ما ولكن بشروط اسرائيلية. فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن يقبل ازاء ما يتعرض له داخليًا وخارجيًا الا بالظهور بموقع "المنتصر" ومن هنا يتحدث عن صفقة مشروطة تحقق لتل أبيب ذلك وتسهم في تعزيز موقفه ونفوذه وتبعد عنه "شبح" المحاكمات التي يُتهم بها بالفساد والصفقات المشبوهة، حتى أن ملف الرهائن المحتجزين لدى "حماس" يقاربه الاخير من منطلق المصلحة الشخصية ولا يضعه كأولوية قصوى بل يغامر بحياتهم ويعرضهم للقتل.
وفي هذا السياق، ذكرت القناة 13 الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير دعا إلى ضرورة قبول الصفقة المطروحة حاليًا على الطاولة وهي صفقة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف المعدلة، معتبرًا أن الجيش هيّأ الشروط لصفقة تبادل بينما حذّر من وجود خطر كبير على حياة الأسرى الإسرائيليين إذا احتل الجيش مدينة غزة. وتتزايد الخلافات بين القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل بشأن خطة احتلال مدينة غزة وكيفية اطلاق سراح الاسرى في وقت تنفذ عائلاتهم تحركات احتجاجية يومية في تل أبيب ومدن اخرى مطالبة بإبرام صفقة فورًا ووقف الحرب وانقاذ أبنائها من موت محتوم. وتحذيرات زامير لم تأتِ من فراغ حيث يدرك حالة الوهن التي يمر بها الجيش المنهك بعد ما يقارب عامين من الحرب، كما بظل مخاوف من حرب عصابات وخسائر فادحة في صفوف القوات خاصة بعد الهجوم الذي نقذته "كتائب القسام" في خان يونس ومحاولات اسرى الجنود المتزايدة.
وعلى مبدأ أن "أهل الارض أعلم بدهاليزها" لا تزال القوات الاسرائيلية تواجه صعوبات ميدانية جسيمة في حين ترتفع مؤشرات المجاعة وتتزايد معدلات تفشيها إذ قضى 8 أشخاص بينهم طفل خلال الساعات الـ24 الماضية ما رفع عدد ضحايا التجويع إلى 289 شخصًا بينهم 115 طفلًا منذ بدء الحرب. هذا ويرقد العشرات من المصابين في المستشفيات التي تغص بهم، وقد فاقت قدرتها الاستيعابية وسط غياب للدواء والمعدات المطلوبة، بانتظار موافقة اسرائيل على نقلهم للخارج لتلقي العلاج وانقاذ حياتهم قبل فوات الاوان. ولكن العراقيل المتعمدة والتأجيل المستمر يحول دون ذلك وتنتظر عائلاتهم اشهرًا طويلة من اجل الحصول على الاذن ما يضاعف حالتهم الصحية ويزيد من التداعيات الكارثية.
في غضون ذلك، شنّ الجيش الإسرائيلي ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن ردًا على استمرار إطلاق الصواريخ والمسيّرات مستهدفًا منشآت للطاقة ومواقع عسكرية في العاصمة اليمنية صنعاء. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الغارات شملت نحو 50 هدفًا، فيما أفادت مصادر صحية تابعة لجماعة "أنصار الله"، أن الغارات الإسرائيلية خلّفت 4 قتلى و71 جريحًا في حصيلة شبه نهائية. وتوعد الجيش الإسرائيلي "بمواصلة العمل بقوة ضد الهجمات العدوانية المتكررة للنظام الحوثي"، قائلا إنه مصمم "على مواصلة تسديد الضربات لكل تهديد مهما بلغت المسافة". وهذه الهجمات تُعد الضربة الرابعة عشرة التي تشنها تل أبيب رداً على الحوثيين منذ اعلانهم التدخل لنصرة غزة وشعبها. وفي هذا الصدد، قالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إن نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الاركان تابعوا الهجمات على اليمن من مقر وزارة الدفاع.
ومن اليمن الى لبنان الذي ينتظر وصول المبعوثين الأميركيين توم برّاك ومورغان أورتاغوس إلى بيروت بعد اللقاءات التي عقداها في تل أبيب وعلى وقع اقرار الحكومة اللبنانية خطة حصر السلاح بيد الدولة. وبحسب موقع "أكسيوس" فإن برّاك بحث مع الحكومة الإسرائيلية اتخاذ خطوات بالتوازي مع نزع سلاح "حزب الله"، ومنها تقليص غاراتها على لبنان كما اقترح انسحابًا تدريجيًا من 5 مواقع تحتلها إسرائيل جنوب لبنان. ويترافق ذلك مع استمرار الخلاف الداخلي والقطيعة بين "حزب الله" ورئاسة الحكومة خصوصًا ان الحزب يرفض الحديث عن السلاح قبل التزام اسرائيل بتعهداتها ويعتبر أن ترسانته "خط أحمر" ويهدد بعدم السماح بالمسّ به تحت أي ظروف في وقت تسعى الحكومة الى التوصل لحلول تلبي مطالب المجتمع الدولي من جهة ولا تدخل البلاد في اطار البازار السياسي والحقن الطائفي من جهة اخرى، لاسيما ان السنوات الاخيرة من التعطيل والشحن الداخلي انعكست سلبًا على مختلف مناحي الحياة.
سوريًا، ذكرت "القناة 12" الاسرائيلية أن تل أبيب ودمشق تقتربان من توقيع اتفاق تسوية أمنية في نهاية أيلول/سبتمبر المقبل، بوساطة من الولايات المتحدة ورعاية دول خليجية. ووفق المعلومات، فإن هذه التسوية ستشمل نزع السلاح من الجولان ومن المنطقة الممتدة بين دمشق والسويداء، كما سيحظر على دمشق نشر أسلحة استراتيجية في سوريا بما يشمل الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي. في المقابل، ستحصل الحكومة السورية على مساعدات أميركية وخليجية لإعادة الإعمار بعد 14 عامًا من الحرب الدموية. الى ذلك، ورغم المحادثات السورية - الاسرائيلية في باريس والحديث عن تقدم ملموس، فإن قوات الاحتلال تستمر في انتهاكاتها وتعدياتها منفذة المزيد من التوغلات البرية بشكل شبه يومي فيما تواصل فرض سيطرتها على كامل مدينة القنيطرة حيث تعمد الى إنشاء التحصينات العسكرية، ما يشي بالمزيد من المخاوف ويهدد استقرار المنطقة برمتها.
وفي الداخل، أعلنت "الإدارة الذاتية" لشمال شرق سوريا، أمس الأحد، رفضها انتخابات مجلس الشعب المزمع إجراؤها منتصف شهر أيلول/سبتمبر المقبل، مؤكدةً أنها غير ملزمة بها في مناطق سيطرتها، كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بها. من جهتها، حمّلت دمشق الإدارة الذاتية "المسؤولية المطلقة" عن عدم إجراء الانتخابات وحرمان المواطنين السوريين في محافظتي الحسكة والرقة من المشاركة في هذا الاستحقاق. ويأتي التصعيد بين الإدارة الذاتية ودمشق، في ظل تعثر المفاوضات الجارية بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والحكومة السورية، بشأن تنفيذ اتفاق 10 آذار/ مارس الماضي.
وهنا ابرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم:
رأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن "ما شهدته الحكومة الهولندية من تفكك على خلفية خلاف بين أعضائها حول فرض عقوبات على إسرائيل بسبب الحرب في غزة، أحدث دليل على تغييرات جوهرية في طبيعة تعامل دول كثيرة حول العالم مع الجانب الإسرائيلي الذي راهن طويلًا على أن أفعاله، مهما بلغ شططها وقسوتها، تمر بلا موقف حازم إزاءها، إمّا حفاظًا على مصالح اقتصادية معه، وإمّا تأثرًا بضغوط أمريكية". وقالت "هذا يرّسخ ما قيل عن عزلة إسرائيل دوليًا، والسخط العالمي من سياساتها التي وإن كانت تبطش بالفلسطينيين أولاً، خاصة في غزة، فإنها مُهددة أيضًا للسلام إلى حد يجعلها عبئًا على العالم".
صحيفة "عكاظ" السعودية، من جهتها، اعتبرت أن أوروبا كما أستراليا "تعيش أزمة قيم ومخاض أولويات، فالاعتراف بفلسطين مهم معنويًا، لكن الخطوات الاقتصادية والقيود على السلاح هي ما ستمثل ضغطًا حقيقيًا على تل أبيب، ولعل استقالة نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية هولندا الجمعة الماضية دلالة على الصراع الأوروبي الداخلي"، لافتة الى أن "هذا الصراع الأوروبي يحكمه من جهة المصالح والضغوط الانتخابية، ويحده من جهة أخرى القيم الإنسانية التي تكثر المواد التي تسطرها بين قوانين الاتحاد الأوروبي والقوانين المحلية للدول".
أما صحيفة "الغد" الأردنية، فأوضحت أن "استمرار الحرب، يساعد نتنياهو على البقاء في الحكم. واختراع أهداف جديدة للعملية العسكرية يصب في هذا الاتجاه. لكن هذا التقدير ليس كافيًا لتفسير مواصلة إسرائيل حرب الإبادة في غزة"، مستدركة أن "اليمين المتطرف في الحكم، ينوي كما يبدو من سلوكه، الضغط بكل قوة، لتجريد الفلسطينيين في غزة من أرضهم، والدفع لتهجيرهم خارج القطاع، حتى لو تطلب الأمر حربًا تستمر لسنوات إضافية".
في الاطار عينه، اشارت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "المجتمع الدولي ورغم التحذيرات التي يطلقها من عواقب استمرار الحرب في قطاع غزة لا يمارس ضغوطا كافية على إسرائيل من أجل التوقف عن الانتهاكات التي ترتكبها داخل القطاع، وإنهاء الحرب عبر الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لاسيما مع اقتراب افتتاح عامها الثالث في تشرين الأول/ أكتوبر القادم"، منبهة الى أن "ما يحدث في غزة من مجاعة يمثل نقطة سوداء في جبين المجتمع الدولي، ومن المهم أن يترجم الغضب والشجب الدولي إلى خطوات عملية على الأرض والضغط بشكل حقيقي على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لوقف مخططها باحتلال مدينة غزة والسماح بدخول المساعدات بلا قيود أو شروط".
وتحت عنوان "خيارات ايران الصعبة"، كتبت صحيفة "الصباح" العراقية "يشتد الجدل في إيران بشأن ما ينبغي اتخاذه لتفادي الحرب مجددًا وتجنيب البلاد مشكلات إضافية لم يعد التعامل معها يسيرًا. فمنذ أن استفاقت إيران من صدمة الحرب التي شنتها إسرائيل بغطاء وتأييد أمريكي – غربي، والنقاش على أشده بين الأجنحة السياسية حول كيفية منع هجمات". واضافت "فإسرائيل لا تزال تهدد بالهجوم، وصقور اليمين الصهيوني بقيادة نتنياهو يصرون على استثمار ما يرونه فرصة للتخلص من "التهديد الإيراني" ومحور المقاومة (…) ، هذه المعطيات تجعل من احتمال تجدد الهجوم أمرًا واردًا، بل إن محللين إيرانيين حددوا شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر القادمين كموعد محتمل لجولة جديدة من الحرب"، على حدّ قولها.
(رصد "عروبة 22")