الأمن القومي العربي

يا حكّام العرب اتحدوا.. "إسرائيل الكبرى" قادمة!

في تصريحٍ مثيرٍ وجريءٍ وصادمٍ على مستوى المنطقة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع قناة "i24NEWS"، في أغسطس/آب 2025، أنّه يشعر بأنّه "في مهمّة تاريخية وروحية"، وأنّه "مرتبط جدًا" برؤية "إسرائيل الكبرى" التي تمتدّ إلى ما وراء حدود الدولة الحالية، لتشمل الضفّة الغربية وغزّة وأجزاء من الأردن وسوريا ولبنان ومصر، وما خفي أعظم.

يا حكّام العرب اتحدوا..

هذا التصريح عن "إسرائيل الكبرى" ليس رؤيةً سياسيةً آنيةً فحسب، بل هو امتدادٌ لجذرٍ أعمق في العقيدة الصهيونية التي تشكّلت منذ أواخر القرن التاسع عشر، مستندةً إلى نصوص توراتيّة وتفسيرات دينيّة تعتبر أنّ الأرض الموعودة تمتدّ "من النيل إلى الفرات". ففي سفر التّكوين (18:15)، في ذلك اليوم قَطَعَ الرَّبّ مع إبراهيم ميثاقًا، قائلًا: "لِنَسْلِكَ أُعطي هذه الأَرْض، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إلى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ".

وفي الفكر الصهيوني، جرى دمج هذه الرؤية الدينيّة بالمشروع القومي اليهودي، لتصبح الحدود التوراتيّة جزءًا من الخيال السياسي لبعض قادة إسرائيل، خصوصًا التيار القومي الديني المُتشدّد. هذه الفكرة ترى أنّ الاستيطان والسيطرة على الأرض ليسا مجرّد وسائل أمنية، بل تجسيد لوعدٍ إلهيّ، وهو ما يفسّر إصرار نتنياهو وحلفائه على مشاريع ضمّ الضفّة، وتهويد القدس، وتوسيع المستوطنات، باعتبارها خطوات نحو استكمال "الخريطة التوراتيّة" للدولة اليهودية.

"حلم إسرائيل الكبرى" يجري الإعداد له بمنهجية تجمع بين العمل السياسي والديبلوماسي والاستيطاني والعسكري

إنّ هذا التصريح يُمثّل إعلانًا واضحًا عن تجدّد الأجندة التوسّعية الإسرائيلية بعنفوانٍ أكبر. فالتطلّعات إلى فرض سيادةٍ دائمةٍ على أراضٍ عربيةٍ، وتهميش مبدأ السيادة الوطنية، مؤشِّر مروّع إلى تغيّرٍ في الحسابات الإقليمية. وقد سارع كل من الأردن ومصر وقطر والسعودية والجامعة العربية إلى إدانة التصريح، واعتباره تجاوزًا صارخًا للقانون الدولي وتهديدًا مُباشِرًا للأمن والاستقرار في المنطقة.

يتزامن هذا النزوع التوسّعي مع قرارات ميدانية خطيرة، أبرزها دعم وزير المالية الإسرائيلي، سموتريتش، لمشروع مستوطنة "E1" الذي يهدف إلى بناء آلاف الوحدات السكنية لقطع الضفّة الغربية وعزل القدس الشرقية، في محاولةٍ معلنةٍ لدفن فكرة الدولة الفلسطينية.

وإذا كان مخطّط السيطرة على فلسطين قائمًا منذ عشرات السنين وقد نجح في تحقيق الكثير، فإنّ "حلم إسرائيل الكبرى" يجري الإعداد له بمنهجيةٍ تجمع بين العمل السياسي والديبلوماسي والاستيطاني والعسكري، وصولًا إلى السيطرة على الأرض. وسيكون ذلك، إنْ تحقّق، صدمةً كبرى لكلّ العرب في وقتٍ لا ينفع فيه الندم. فالكِيان الصهيوني يُخطّط ويضع آليات التنفيذ، مستغلًّا ضعف العرب وهوانهم. والتاريخ يُذكّرنا بأنّ كثيرًا من الأحلام الصهيونية، التي كانت تبدو مستحيلةً، أصبحت واقعا.

إذا توحّد العرب حول مشروع قومي عروبي فسيمثّل ذلك تهديدًا وجوديًا لإسرائيل

وتسعى خطط نتنياهو وجنرالاته إلى دمج دولٍ عربيةٍ، منها فلسطين ومصر والأردن وسوريا والعراق، ضمن حدود دولةٍ يرونها ديناميكيةً وليست ثابتةً، ويعتقدون أنّهم أصحاب الحقّ فيها وفق سياسة الأمر الواقع والدعم الغربي المُطلق، الذي لا يُطبّق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلّا على الدول العربية.

هذه المخطّطات تتوافق مع رؤية نتنياهو لـ"الشرق الأوسط الجديد"، التي تُجسّد طموحات إسرائيلية تاريخية في توسيع النفوذ والسيطرة على الأراضي العربية، مستندةً إلى إيديولوجيا توراتيّة صهيونيّة تهدف إلى ضمّ الأراضي العربية بالكامل، وتحقيق الأمن القومي الإسرائيلي باتّباع سياسة الحرب الاستباقية وضرب الأعداء قبل أن يتمكّنوا من الهجوم، والسيطرة على المناطق الاستراتيجية لضمان التفوّق الجغرافي والعسكري.

وهنا، أيها الحكّام العرب، يكمن التحدي الحقيقي.

لم يعد الكلام وحده ولا سياسات الردع التقليدية كافية. فالرؤية التي صرّح بها نتنياهو تكشف أنّ الأجندة الإسرائيلية تتجاوز السيطرة على أراضٍ متنازعٍ عليها، لتشمل طموحًا لتفكيك كلّ كِياناتنا الوطنية. وهذا يتطلّب حشدًا عربيًا فوريًا وشاملًا، من الوحدة الديبلوماسية الحازمة إلى التحرّك الجماعي في المنظمات الدولية وفضاءات الأمم المتحدة.

إنّ إنهاء الانقسامات بين الدول العربية ضرورة قصوى، لأنّ استمرار الخلافات يُضعف قدرتنا على مواجهة إسرائيل. وإذا توحّد العرب حول مشروع قومي عروبي، فسيمثّل ذلك تهديدًا وجوديًّا لإسرائيل. نحن نعيش لحظةً مفصليةً، حيث لا مكان للانقسام أو التراخي أمام هذا العدو الاستراتيجي.

لا بدّ من تعزيز الوحدة العربية وبناء تحالفات دولية مع قوى كبرى لضمان التوازن في المنطقة

وعلينا إعادة رسم مشهد الردع العربي عبر شراكات أمنية حقيقية، وجهود سياسية متماسكة، وتعبئة شعبية ضدّ محاولات الطمس القومي، وتبنّي خيارات استراتيجية مثل الضغط المُتزامن في ساحات القانون الدولي، ومراجعة الاتفاقات الثنائية التي قد تسهّل تحقيق الأجندة التوسّعية، والتأكيد على أنّ السلام العادل لا يقوم على تدمير تطلّعات الشعوب.

ومرة أخرى، أقول: نحن في ربع الساعة الأخير. خطط نتنياهو ليست البداية ولن تكون النهاية. لا بدّ من تعزيز الوحدة العربية، وبناء تحالفات دولية مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا لضمان التوازن في المنطقة، وحشد الدعم الدولي للضغط على إسرائيل لاحترام القانون الدولي.

إنّ تجاهل هذا التحدّي، أو الاكتفاء ببيانات التنديد، هو بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل الكبرى، الفعلية والمستقبلية، للمضي قدما. التاريخ لن يمنحنا فرصةً أخرى، فإمّا الآن أو لا شيء.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن