تابعتُ الأربعاء الماضي اجتماعات الدورة 160 من مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري برئاسة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
تأملتُ بدقة القضايا والبنود المطروحة على طاولة المتحدثين. القضايا ساخنة، وتتماس بشكل مباشر مع العواصم الساخنة في المنطقة العربية، لمستُ ذلك جيداً في كلمة الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط عندما تجول بتقديراته ورؤيته بين القضايا والملفات العربية المهمة، فلقد استوقفني حديثه حول الأزمة في السودان، إذ يرى أنها تتسبب في كلفة هائلة يتحملها الشعب السوداني، وإن الحياة أصبحت مستحيلة، وتتداعى مؤسسات الدولة ولابد من التحرك من أجل تحقيق الحل الشامل للأزمة ( ووقف سريع لإطلاق النار) والعودة للمسار السياسي لإعادة وحدة مؤسساتها. فضلاً عن مطالبة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط الدول العربية بتقديم كافة أشكال الدعم لإنقاذ الموسم الزراعي في السودان لما يمثله من أهمية بالغة للأمن الغذائي للشعب السوداني.
الحديث حول الأزمة السودانية مد خط العواصم الملتهبة على استقامته، ليصل إلى الأزمة في اليمن وسوريا وليبيا، الأمر الذي دفعني إلى طرح سؤال: هل كل هذه القضايا الشائكة أعطت قيمة مضافة للدورة 160 من اجتماعات الجامعة ؟ وما الذي يميز هذا الاجتماع عن غيره من الاجتماعات الأخرى ؟
في الحقيقة لم أفكر كثيراً في إجابة السؤال، سيما أن الأحداث متلاحقة وكثيفة سواء على المستوى العربي والشرق أوسطي أم سواء على المستوى الدولي، ومن ثم فإن هذا الاجتماع يكتسب أهميته من عدة شواهد يأتي في مقدمتها: الخطاب الواضح للوزراء العرب فيما يتعلق بدعم الدولة الوطنية العربية، سيما أن الدولة الوطنية العربية تتعرض من جديد لامتحان صعب، كما نراه في ليبيا والسودان، لذلك تقوية «مناعة» الدولة الوطنية العربية أخذ نصيباً وافراً من النقاشات والأحاديث خلال الجلسات العامة والخاصة، أيضاً جاء هذا الاجتماع قبل أيام قليلة من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي يحضرها كل دول العالم بمستويات مختلفة بداية من الرؤساء ورؤساء الوزراء والوزراء، ولقاء وزراء الخارجية العرب في هذا التوقيت يساهم في وجود رؤية عربية مشتركة تجاه مختلف القضايا التي سيتم مناقشتها في الأمم المتحدة، خاصة في ظل الاستقطاب الدولي بين روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جانب آخر، وهنا الدول العربية تقدم نموذجاً في الدبلوماسية الرفيعة والنشطة والحيوية من خلال الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، ولذلك استطاعت الدول العربية أن تحافظ على علاقات جيدة وطيبة مع روسيا والصين وأيضاً الولايات المتحدة والدول الغربية.
ولا ننسى أننا أمام هندسة جديدة يمر بها الإقليم، فالحرب الروسية الأوكرانية وقبلها جائحة كورونا فرضت على العالم كله مشاكل لا حصر لها تتعلق بسلاسل الإمداد، هذا التحدي خلق ضرورة التعاون بين الدول القريبة من بعضها البعض في كل شيء، ففي ظل مشاكل سلاسل الإمداد لم يعد مضموناً أن تحصل على ما تريد من مناطق بعيدة، ومن ثم فإن التعاون بين الدول العربية خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية بات ضرورة وليس رفاهية.
إلى ذلك استوقفني أيضاً الحرص الكامل من الجميع على دق جرس الانتباه لضرورة صون وحفظ الأمن القومي العربي.. فلا سبيل لمواجهة الخطط والمؤامرات التي تحاك ضد أمننا القومي العربي بدون وحدة الموقف العربي، والعمل العربي المشترك.
إذاً نحن أمام تحديات كبرى تمر بها المنطقة، وتحتاج إلى مثل هذه الروح العروبية التي سادت هذا الاجتماع 160.
("البيان") الإماراتية