ترتكب اسرائيل المجزرة تلو الأخرى في قطاع غزة، وعلى مرأى من العالم أجمع دون أن تتخذ الدول المعنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، أي خطوة حاسمة بل يكتفي رئيسها دونالد ترامب بإبداء امتعاضه مما جرى في مستشفى ناصر الطبي في خان يونس جنوبي القطاع وأدى الى استشهاد 20 شخصًا، من بينهم 5 صحفيين وطواقم طبية واسعافية، من دون ادانة الجريمة. أما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو فخرج بتصريحات بعد ساعات تنصل فيها من مسؤوليته من دماء الشهداء، معربًا عن "أسفه العميق" لما جرى وأكد أن "السلطات العسكرية تجري تحقيقًا شاملًا في الحادث".
وتتعمد اسرائيل منذ اندلاع حرب الإبادة في غزة إلى منع الصحافيين الدوليين من الدخول لمعاينة الأوضاع عن كثب كما تستهدف الاعلاميين بشكل مباشر بهدف اسكات اي صوت ينقل حقيقة اجرامها ووحشيتها الى العالم، حيث سقط حتى اليوم ما يُقارب 246 صحفيًا، وفق إحصائية المكتب الإعلامي الحكومي في غزة بعدما انضم أمس، الاثنين، 5 صحفيين الى هذه القافلة وهم: مريم ابو دقة، محمد سلامة، معاذ أبو طه، أحمد أبو عزيز وحسام المصري. ويتزامن ذلك مع غياب اي مؤشرات الى عودة المفاوضات خاصة بعدما تجاهل نتنياهو موافقة حركة "حماس" على المقترح المُعدل للمبعوث الاميركي ستيف ويتكوف وقرر المضي قدمًا باحتلال مدينة غزة، مجاهرًا بأن اي اتفاق لن يكون الا بشروط اسرائيلية. وسبق لنتنياهو أن وجه بتسريع العملية نزولًا عند رغبة اميركية وهو ما يمكن الاستدلال عليه من كلام الرئيس ترامب الذي تحدث عن "نهاية حاسمة" خلال أسبوعين أو ثلاثة. فيما شدد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على ضرورة ان ينتهي الامر دون وجود حركة "حماس"، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" للأنباء.
هذا وتشتد العملية العسكرية حيث تعمد قوات الاحتلال الى "مسح" مدينة غزة عن بكرة أبيها اسوة بما جرى في وقت سابق في رفح، إذ قال "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" إن "الجيش الإسرائيلي يُنفذ عمليات نسف وتدمير واسعة للمربعات السكنية جنوبي وشرقي وشمالي مدينة غزة"، مؤكدًا بأن ذلك "يزحف بالتدمير الشامل والمحو المنهجي" كجزء من خطة تل أبيب لاحتلال المدينة. في وقت يعجز الاهالي عن ايجاد مكان آمن يحميهم وعائلاتهم ويخوضون مجددًا رحلة نزوح جديدة وسط اوضاع انسانية مأساوية وتفشي الجوع والامراض والأوبئة التي تفتك بالأطفال نتيجة عدم توافر المياه وبنى الصرف الصحي والعلاجات المطلوبة في مستشفيات القطاع التي تعمل بظروف صعبة ومعقدة.
ويعيش اليوم، بحسب المعطيات الاعلامية، أكثر من مليون فلسطيني في أقل من 30٪ من مساحة المدينة، بينما يقضم الاحتلال كل يوم من الاراضي ويفرض سيطرته عليها ويدفع السكان نحو التهجير القسري. هذا وسقط أمس 61 شهيدًا من بينهم 14 من المجوعين الذين تم اطلاق النار عليهم بشكل مباشر بالقرب من مراكز توزيع المساعدات الخاصة بما يُسمى "مؤسسة غزة الإنسانية"، والتي تحولت الى "فخ" يزيد من معاناة الفلسطينيين الساعين للحصول على ما يسد رمقهم وسط حصار مُحكم تفرضه الحكومة الاسرائيلية منذ شهر اذار/ مارس الماضي رغم كل الادانات الدولية واعلان الامم المتحدة منذ أيام المجاعة في القطاع الا ان ذلك لم يحرك أي ساكن بل استمرت الاوضاع على ما هي عليه خصوصًا ان نتنياهو وزمرته ينفون وجود اوضاع انسانية صعبة وسبق للاخير أن خرج بمؤتمر صحفي عرض فيه صور اطفال فلسطينيين يعانون من الهزال الشديد بسبب سوء التغذية وغياب المكملات والادوية ووصف الامر بأنه "مزيف".
الاوضاع في غزة والتي تتجه الى المزيد من الحسم العسكري دون وجود اي رغبة اسرائيلية أميركية بوقفها، تترافق مع ما يحدث في المنطقة من تطورات، وخصوصًا في لبنان وسوريا. ففي لبنان يتعقد الوضع اكثر خاصة بعدما قرر نتنياهو، عمدًا، الدخول على خط الملف اللبناني وذلك بعد اللقاء الذي عقده مع الموفد الاميركي توم برّاك، الذي يصل بيروت اليوم للقاء المسؤولين، حاملًا معه الرّد الاسرائيلي حول الورقة الاميركية. واستبق رئيس الوزراء الاسرائيلي هذه الاجتماعات بالاعلان عن "استعداده لدعم لبنان في جهوده لنزع سلاح "حزب الله"، والعمل معا نحو مستقبل أكثر أمنا واستقرارا لكلا البلدين". وأشار إلى أنه "إذا اتخذت قوات الأمن اللبنانية خطوات لنزع سلاح الحزب، فإن إسرائيل ستتخذ خطوات مماثلة، بما فيها تقليص وجود الجيش تدريجيًا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية". ومن شأن هذه التصريحات أن تثقل كاهل الحكومة وتزيد من الضغوطات الممارسة عليها خاصة أن "حزب الله" يرفض القرار الحكومي ويتمسك بسلاحه.
وفي موقف جديد، رفض الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم ما أسماه مبدأ "خطوة بخطوة"، مؤكدًا أن خريطة الطريق التي يُفترض اعتمادها "تشمل إخراج العدو من أرض لبنان، ووقف العدوان، والإفراج عن الأسرى، وبدء الإعمار ثم التباحث في الاستراتيجية الدفاعية". ووسط هذا التراشق الكلامي، تصبح مهمة برّاك اكثر صعوبة لأنها تأتي وسط حالة من الغليان نتيجة المخططات الاسرائيلية المشبوهة واستمرار تعدياتها على لبنان وعدم الامتثال لقرار وقف النار وهو ما ستوضحه معطيات اليوم بعد وصول برّاك، الذي سبقته الموفدة الاميركية مورغان أورتاغوس ومعها وفد من نواب الكونغرس الجمهوريين الأكثر تأييدًا لإسرائيل، ومنهم كليندسي غراهام. ومن المعروف ان نتنياهو لا يسعى لاطفاء الحروب بل اشعالها وهو يريد ان يكون لتل أبيب اليد الطولى في المنطقة وتصريحه حول "اسرائيل الكبرى" يُعتبر دليلًا دامغًا على هذا المشروع الهادف لتفتيت الشرق الاوسط.
في الاطار عينه، توغلت قوة من الجيش الإسرائيلي في قرية بيت جن، في ريف دمشق الغربي وفتحت النيران باتجاه الأهالي الذين حاولوا منعها من التقدم داخل القرية. وقد سبق هذا التدخل سيطرة جيش الاحتلال على تل لباط في سفح جبل الشيخ. بينما وضعت وزارة الخارجية السورية ذلك في اطار "التصعيد الخطير الذي يُشكل تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الإقليميين، ويجسد مجددًا النهج العدواني الذي تنتهجه سلطات الاحتلال". وهذه التحركات لا يمكن فصلها عن اللقاءات التي تجريها سوريا مع اسرائيل برعاية اميركية في باريس والهادفة الى التوصل لاتفاق أمني للحدّ من التوتر الذي يزيد من الاعباء الملقاة على عاتق الادارة السورية الجديدة التي ايضًا تنظر بعين الحذر والريبة الى الدعم الاسرائيلي للدروز الذين خرجوا بمظاهرات للمطالبة بالحكم الذاتي.
فبعد خطوة تشكيل "الحرس الوطني" بقيادة الزعيم الروحي حكمت الهجري في محافظة السويداء، خرج الاخير ايضًا أمس مطالبًا الدول بتقديم الدعم لإقامة "إقليم منفصل" في الجنوب السوري، عازيًا السبب الى ما أسماه "المحنة الوجودية الأخيرة التي كان القصد منها إبادة الطائفة الدرزية"، في اشارة الى احداث السويداء التي وقعت بين الدروز وعشائر عربية قبل أن تقرر تل أبيب الاستثمار بها والاعلان عن دعمها للأقلية الدرزية في وجه حكومة الرئيس أحمد الشرع التي قررت تشكيل لجنة لتحديد المسؤوليات عما جرى وسوق المجرمين الى العدالة. ورغم أن الشرع أكد في حديث سابق بأن "التقسيم غير وارد في سوريا"، تشير المعطيات الميدانية بأن الاوضاع الامنية في البلاد تشهد المزيد من الاحتقان بسبب فوضى السلاح والمخططات الخارجية والاطماع الداخلية ما يضعها امام مسؤوليات جمة وتحديات جسيمة.
ايرانيًا، تُعقد في جنيف اليوم جلسة جديدة من المفاوضات بين ايران والترويكا الأوروبية للتباحث في الملف النووي الايراني ورفع العقوبات. وسيترأس مجيد تخت روانجي الوفد الإيراني بينما يشارك وزراء خارجية كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في المحادثات التي تأتي في ظروف شديدة الحساسية وسط معلومات متزايدة عن امكانية توجيه اسرائيل ضربة جديدة الى ايران التي تتحضر وتعيد حساباتها وتسد الثغرات التي كشفتها حرب الـ12 يومًا الاخيرة. يُذكر ان اللقاءات التي كانت تعقد مع الجانب الاميركي بوساطة عُمانية بهدف التوصل الى اتفاق لا تزال مجمدة منذ الحرب الاخيرة رغم ما حكي حينها عن التوصل الى عدد من النقاط المشتركة.
وهنا أهم ما تناولته الصحف الصادرة في عالمنا العربي اليوم، والتي ركزت على عدة قضايا ومواضيع ساخنة:
كتبت صحيفة "الخليج" الاماراتية "تتحول غزة إلى شاهد حي على مأساة غير مسبوقة، حيث تمارس إسرائيل سياسة التجويع الممنهج والقصف العشوائي"، مضيفة "لقد تحوّل الحصار إلى أداة تكشف عجز إسرائيل عن التمييز بين الأمن المشروع وسياسة العقاب الجماعي التي تُجرّمها القوانين الدولية. المأزق هنا ليس أمنيًا فحسب، بل استراتيجي ودبلوماسي أيضًا، إذ فقدت إسرائيل القدرة على إقناع الرأي العام العالمي بشرعية ما تقوم به، وأثارت استياءً واسعًا حتى لدى شركائها التقليديين الذين باتوا يجدون أنفسهم مضطرين إلى مراجعة مواقفهم. وبهذا، فإن ما يحدث في غزة لا يضر بالمدنيين وحدهم، بل يهدد أيضًا صورة إسرائيل وعلاقاتها الاستراتيجية على المدى البعيد"، بحسب تعبيرها.
في الاطار عينه، رأت صحيفة "الدستور" الأردنية أن "المستعمرة الإسرائيلية في مأزق، ومأزقها يتفاقم، ويسير بالتدرج نحو العزلة والانحسار، رغم تفوقها، وقدراتها العسكرية، والدعم الأميركي اللامحدود لها، ولكن مأزقها الداخلي يتفاقم ولو بشكل بطيء، تدريجي، تراكمي، ومأزقها الخارجي يتفاقم أكثر"، موضحة أن "البلدان التي طبّعت معها وأقامت علاقات دبلوماسية على قاعدة تغيير الصورة والمشهد وكبح جماح التوسع الذي طبع سياساتها وبرنامجها ومشروعها، الا انها لم تتوقف عن ذلك، لا في فلسطين، ولا في لبنان، ولا في سوريا، بل تزداد شهيتها نحو التوسع والتسلط والهيمنة، وفرض رؤيتها الأحادية، وعدم احترامها لمصالح وبنى وحدود وسيادة الآخرين".
وتحت عنوان "سوريا.. ما أصعب الحقيقة"، لفتت صحيفة "الغد" الاردنية الى أن "إسرائيل لا يعنيها استقرار سورية في المستقبل، وتوظف ورقة الأقليات لابتزاز النظام. وتعرف حكومة نتنياهو أن الشرع في وضع انتقالي حرج ولا يملك هامش المناورة. وحكومة دمشق تدرك أن الصدام مع إسرائيل في هذه المرحلة يعني خسارة مؤكدة لسلطتها"، معتبرة أن "إسرائيل تملك أفضلية لفرض شروطها على دمشق. وأنه ليس أمام الأخيرة من خيارات، فالبديل لرفض اتفاق أمني، عربدة إسرائيلية لا تتوقف في سورية، قد تفضي إلى تقويض سيطرة النظام السوري، وانفكاك ما تبقى من حلقات الدولة، وأكثر من ذلك عودة إيران وفصائلها لمسرح العمليات السورية".
بدورها، اشارت صحيفة "الرياض" السعودية الى أن "من يتأمل مسار العلاقات السعودية - الأميركية سيدرك أنها لم تكن يومًا بسيطة أو واضحة تسير في خط واحد بلا تعرجات، بل كانت مليئة بالصعود والهبوط، وبالتوافق والخلاف، وبالمواقف المتقاربة حينًا والمتباعدة حينًا آخر.. لكنها تبقى قائمة، لا تنقطع، لأنها ببساطة بين شريكين يدركان بعمق أن علاقتهما أكبر من أي خلافات عابرة أو تباينات في المواقف". وقالت "الرياض تدرك أن المظلة الأميركية ما زالت ذات وزن في موازين القوى الدولية، وواشنطن تدرك أن المملكة تمتلك أوراقًا لا تعوَّض.. لذلك، يتفق الطرفان أنها ليست علاقة مثالية، ولا يُراد لها أن تكون كذلك، لكنها علاقة تُدار بميزان حساس"، بحسب وصفها.
وعما يجري في لبنان، نبهت صحيفة "اللواء" اللبنانية الى أن "الحديث عن الانسحاب الاسرائيلي لا يتجاوز كونه ورقة ضغط سياسية وإعلامية، غايتها الإيحاء بأن إسرائيل منفتحة على التهدئة، فيما هي تواصل خرق السيادة اللبنانية يومياً براً وبحراً وجواً"، داعية، في المقابل، "حزب الله" "إذا كان جاداً في خطاب "حماية لبنان" الى أن يترجم ذلك أولًا بالتخلي عن منطق السلاح الموازي، وثانياً بوقف سياسة التخوين التي تصب الزيت على نار الانقسام. فالإصرار على الخطاب الحالي لن يؤدي إلا إلى تضييع فرصة تاريخية، وإعطاء نتنياهو ما يريد: لبنان ضعيف، منقسم، لا يملك إجماعاً داخلياً يفرض على المجتمع الدولي التعامل معه بجدية.
(رصد "عروبة 22")