صحافة

"المشهد اليوم"…مجلس الأمن يؤكد "مجاعة غزّة" وعداد الضحايا في ارتفاعلبنان محاصرٌ بين الضغوط الاميركية وتصعيد "حزب الله" واسرائيل تواصل اعتداءاتها على سوريا

فلسطينيون ينتظرون الحصول على الغذاء من مطبخ خيري لا يزال يعمل في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

692 يومًا من حرب الابادة على قطاع غزة دون أن تلوح في الأفق أي بوادر أمل للفلسطينيين الذين يفترشون الارض ويحملون ما تبقى من أمتعتهم من مكان لأخر بحثًا عن نقطة آمنة تحميهم من وحشية اسرائيل وإجرامها. الا أن القطاع بأكمله بات مسرحًا للعمليات العسكرية بعدما بدأت تل أبيب رسميًا عملية احتلال مدينة غزة رغم وجود صفقة على الطاولة يمكن أن تسهم في اطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين وتوقف عداد الدم، الا ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرر تخطيها وتجاهل الرد على موافقة حركة "حماس"، متعمدًا إحباط أي هدنة أو اتفاق لوقف النار.

وهذا المقترح الذي كان يدعمه نتنياهو في وقت سابق قرر فجأة الانقضاض عليه متحدثًا عن صفقة "شاملة" لا "جزئية" تعيد جميع الرهائن دفعة واحدة، في محاولة "لذرّ الرماد في العيون" والتلطي خلف أكاذيب جديدة بهدف إطالة أمد الحرب لدوافع حزبية وتحسين مكاسبه السياسية الشخصية ولو على حساب الأسرى، وسبق له أن أحبط العديد من الصفقات دون أن يتردد، وهذا بدأ منذ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أي بعد يومين من بدء الحرب. ويستفيد الاخير من الدعم الاميركي وتبنيه للسردية الاسرائيلية بشكل كامل، وهذا بدا جليًا من خلال ما كشفته صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية ومفاده أن نتنياهو أقنع الرئيس دونالد ترامب بالتخلي عن صفقة جزئية مع حركة "حماس"، بعدما وعده بأنّ "احتلال مدينة غزة وإنهاء وجود الحركة سيتم خلال أسابيع قليلة، ما يجعل أي تفاوض غير ضروري". لكنّ تقديرات الجيش الإسرائيلي جاءت مغايرة تمامًا، معتبرة أنّ العملية العسكرية غير قابلة للتنفيذ في ظل النقص الحاد في عديد القوى البشرية والآليات وحالة الجاهزية الميدانية المتردية.

إلى ذلك، يستمر الخلاف بين القيادتين العسكرية والسياسيّة، والذي خرج من خلف الابواب المغلقة الى العلن، حيث يرى رئيس هيئة الاركان إيال زامير بأن الفرصة سانحة لإبرام صفقة تحمي الرهائن، بينما يصرّ نتنياهو على تنفيذ عملية اجتياح موسعة لمدينة غزة التي يصفها بأنها "وكر حماس". ورغم ان كل التقديرات لا تشير الى امكانية الحسم في عملية "عربات جدعون 2" إسوة بالعملية السابقة، تستمر قوات الاحتلال بتكثيف غاراتها وقصفها المدفعي في مختلف انحاء القطاع مخلفة 51 شهيدًا أمس، 12 منهم عند نقاط توزيع المساعدات الخاصة بـ"مؤسسة غزة الانسانية". فيما ارتفع عداد ضحايا التجويع الى 313 شهيدًا، بينهم 119 طفلًا، وفق بيان صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية بعدما ارتقى 10 مجوعين جدد في القطاع المُحاصر منذ أشهر عديدة. ويتفنن الاحتلال بأساليب القتل والتجويع مع تعمده منع إدخال 430 صنفًا أساسيًا من الأغذية إلى القطاع، ويخلق العراقيل أمام ادخال شاحنات الاغاثة التي تصطف بالعشرات بالقرب من معبر رفح الحدودي بانتظار موافقة الاحتلال.

وتتنكر اسرائيل لصور المجاعة وتتهم الامم المتحدة بالتضليل ونشر الأكاذيب، في وقت أكد جميع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، باستثناء الولايات المتحدة، أن المجاعة في غزة "أزمة من صنع الإنسان"، وحذّروا، في بيان مشترك، من أن استخدام التجويع كسلاح حرب محظور بموجب القانون الإنساني الدولي داعين الى وقف فوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات من دون قيود. من جهتها، وصفت رئيسة منظمة "أنقذوا الأطفال" إنغر آشينغ بالتفاصيل كيفية احتضار الاطفال البطيء، مؤكدة أنهم باتوا لا يقوون حتى على البكاء وأنهم "وصلوا الى نقطة الانهيار". هذه الضغوط المتزايدة على ادارة الرئيس ترامب دفعته الى عقد اجتماع للتباحث في وضع غزة حضره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ومبعوث ترامب السابق للشرق الأوسط جاريد كوشنر. ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول كبير بالبيت الأبيض اشارته الى أن ترامب وكبار المسؤولين ناقشوا جميع جوانب ملف غزة، بما في ذلك زيادة تسليم المساعدات الغذائية وأزمة الرهائن وخطط ما بعد الحرب.

تزامنًا، قدم المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف تفاصيل عن الاجتماع، في اخر ظهور اعلامي له، حين قال: "هناك خطة شاملة للغاية نضعها معا بشأن اليوم التالي، وسيرى الكثيرون مدى فعاليتها وحسن نواياها، كما أنها تعكس الدوافع الإنسانية للرئيس ترامب هنا". وبات من المعروف أن واشنطن وتل أبيب ترفضان أي دور لـ"حماس" في مستقبل غزة وتعدان العدة للمرحلة المقبلة وسط غموض مما سيكون عليه الوضع خاصة أن نتنياهو، اكد مرارًا وتكرارًا، أن لا مكان للسلطة الفلسطينية أيضًا. وعليه تتعقد الاوضاع وتحتدم الاوضاع الميدانية ويجد الوسطاء أنفسهم في موقف حرج وسط جمود مطلق وتعثر انطلاق محادثات جديدة بينما لا تتوانى اسرائيل عن البطش والتنكيل بالفلسطينيين بكل الطرق والاساليب ضاربة عرض الحائط بكل الادانات والمناشدات كما المظاهرات التي تجوب مختلف عواصم العالم مطالبة بوقف الابادة الجماعية.

فمن غزة المنكوبة، التي يعيش اهلها موجة نزوح وتهجير جديدة بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي أن إخلاء مدينة غزة "أمر لا مفر منه"، الى الضفة الغربية المحتلة التي شهدت أمس، الاربعاء، عملية عسكرية موسعة في البلدة القديمة بمدينة نابلس، شارك فيها عشرات الجنود المدججين بالأسلحة والآليات الثقيلة، من دون توضيح أهدافها. وادت الى اعتقال عدد من الاشخاص واصابة العشرات بالهجوم الذي اتى بعد يوم دامٍ في مدينة رام الله التي شهدت أيضًا مواجهات عنيفة بين السكان وجيش الاحتلال الذي صادر اموالًا من "شركة عجولي للصيرفة" موجهًا لها اتهامات بالتعامل مع "حماس". في المقابل، ذكرت "هيئة البث الإسرائيلية" أن المجلس الوزاري المُصغر "الكابينت" سيبحث الأحد المقبل فرض السيادة على الضفة الغربية، وذلك ردًا على قرار بعض الدول الاعتراف بالدولة الفلسطينية المتوقعة الشهر المقبل.

في سياق مشابه، تواصل اسرائيل اعتداءاتها على سوريا حيث نفذت، مساء أمس، وحدة من الجيش الإسرائيلي إنزالًا جويًا بمنطقة الكسوة في ريف دمشق، واستمرت العملية لمدة ساعتين قبل أن تغادر المنطقة دون وقوع اي اشتباك بين القوات الإسرائيلية المشاركة بالإنزال وقوات الجيش السوري. وفي هذا السياق، أفادت وسائل اعلام سورية بأن طائرات إسرائيلية شنّت عدة غارات على موقع قرب منطقة جبل المانع جنوبي دمشق مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وتدمير آليات وذلك بعد جولة لأفراد من الجيش عُثر خلالها على أجهزة مراقبة وتنصت. يُذكر أن هذا هو الإنزال الجوي الإسرائيلي الأول من نوعه في سوريا منذ سقوط النظام السوري السابق. ويأتي ذلك بالتزامن مع اعلان الرئيس أحمد الشرع افتتاح فعاليات الدورة الـ62 من معرض دمشق الدولي، وذلك بعد غياب استمر لسنوات عديدة بفعل الحرب. ويشارك في المعرض نحو 800 شركة محلية ودولية في محاولة لاستعادة ثقة الداخل والخارج بالادارة السورية الجديدة التي تواجه تحديات جمة وصعوبات جسيمة داخليًا وخارجيًا.

اما لبنانيًا، فلا تزال زيارة الوفد الاميركي، الذي ضم كل من الموفدين توم برّاك ونائبته مورغان أورتاغوس والسيناتور ليندزي غراهام، تلقي بثقلها على مجريات الامور خاصة بعدما أعرب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عن "إحباطه" من الزيارة التي "لم تأتِ بأي شيء من إسرائيل، وبالتالي ذهبت الأمور نحو التعقيد مجددًا". وقال، في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط"، أتونا بعكس ما وعدونا به"، في إشارة إلى تمسَّك الموفد الأميركي، توم برّاك، في وقت سابق بسياسة "الخطوة بخطوة"، ولكن مواقفه جاءت معاكسة هذه المرة، لجهة التأكيد على ضرورة سحب سلاح "حزب الله" قبل الحديث عن اي انسحاب اسرائيلي من الأراضي اللبنانية ووقف الانتهاكات اليومية. ويمكن القول أن الوفد الاميركي، بحسب التصريحات والمعطيات المتدوالة، عاد بـ"خفي حنين" من اسرائيل بينما يحاول فرض المزيد من الضغوط على اللبنانيين من اجل تقديم التزامات بسحب سلاح "حزب الله" وفق جدول زمني معين.

ولم يكن "تطعيم" الوفد بالسيناتور الاميركي ليندزي غراهام الا تأكيدًا على التماهي المطلق مع المواقف الاسرائيلية خاصة أن الاخير معروف بدفاعه الشرس عن نتنياهو وسياسته التوسعية في المنطقة. وهذا ما يجعل الامور تعود الى المربع الاول في وقت يصعّد "حزب الله" في وجه الحكومة اللبنانية حيث أبدى المعاون السياسي للأمين العام للحزب، حسين الخليل، أسفه من أن الادارة الاميركية "استطاعت أن تجر الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ القرارات (الخطيئة) كخطوة أولى نحو مسار متكامل من الاستسلام والخضوع الكاملين"، مشددًا، في بيان، أن "دفع الأميركيين باتجاه زج الجيش اللبناني والإيقاع بينه وبين المقاومة ما هي إلَّا محاولة دنيئة لهدم ركنين أساسيين في بنيان هذا البلد، وهما الجيش والمقاومة". ويتخوف اللبنانيون من تصاعد الخلافات والوصول الى اقتتال داخلي لن يفيد الا اسرائيل التي تهدف الى خلق كيانات مشرذمة وهشة بالقرب من حدودها. يُشار الى أن الموفد الاميركي توم برّاك الغى زيارة كانت مقررة إلى بلدة الخيام الجنوبية ومدينة صور الساحلية، عقب احتجاجات شعبية نفذها عدد من أهالي المنطقة رفضًا لزيارته ما دفعه الى الاكتفاء بتفقد أوضاع ثكنة تابعة للجيش اللبناني في بلدة مرجعيون.

دوليًا، شنت روسيا، مساء امس، هجومًا واسعًا بالطائرات المسيّرة على أوكرانيا، ما أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار الجوي في أنحاء مختلفة في البلاد. في وقت أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أعضاء من إدارته سيجتمعون بمسؤولين أميركيين في نيويورك غدًا، الجمعة، في اطار الجهود المبذولة لإنهاء الحرب المستمرة رغم التعنت الروسي الواضح ومحاولات تعزيز شروطها التفاوضية وتحقيق المكاسب. فعلى الرغم من الاصداء الايجابية التي رافقت "قمة ألاسكا"، التي عقدت بين الرئيس ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، الا ان اي نتائج عملية لم تخرج بعد فيما يتخوف الاوروبيون من أن تأتي العلاقات الاميركية - الروسية على حساب كييف ووحدة اراضيها وامن دولهم أيضًا.

وقد تنوعت اهتمامات الصحف الصادرة اليوم في عالمنا العربي. وهنا موجزٌ حول أهم ما ورد في افتتاحياتها وعناوينها:

أشارت صحيفة "الأهرام" المصرية الى أن "إسرائيل لن تتوقف عن الاعتداءات سواء على الشعب الفلسطيني أو الشعوب العربية الأخرى، طالما ان الولايات المتحدة توفر لها الدعم المادي، في صورة أسلحة، والمعنوي، من خلال تأكيد اعمالها على الساحة الدولية"، مضيفة "القضية ليست في واقع غزة او الضفة الغربية حاليا، وإنما في واقع الفكر داخل اسرائيل كلها، التي يقتنع اغلب سكانها بالأسطورة التورانية التي تقول لهم ان "إسرائيل الكبرى" من النيل الى الفرات، وهو ما يعني القضاء على العديد من الدول المجاورة لإسرائيل من أجل إقامة "إسرائيل الكبرى" التي يؤمن بها الشعب الإسرائيلي، وليس رئيس الحكومة الحالية نتنياهو وحده، كما يزعم البعض".

من جانبها، شددت صحيفة "عكاظ" السعودية على أن "القضية الفلسطينية تشهد تحوّلات دبلوماسية لافتة، أبرزها الاعتراف الرسمي من عدة دول أوروبية بدولة فلسطين، في خطوة وُصفت بالتاريخية وتُعدّ كسرًا لجدار الصمت الدولي تجاه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، ورسالة واضحة برفض السياسات القمعية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني"، مؤكدة أنه "مع تنامي هذا الزخم الدولي، يواجه العالم لحظة حاسمة: فإما التحرك الجاد لإنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة، أو استمرار معاناة شعب بأكمله تحت سلطة استعمارية عنصرية".

صحيفة "الغد" الاردنية، بدورها، اعتبرت أن "الازمة التي لم تبدأ بشكل فعلي حتى الان ترتبط بالعراق، لان الوجود الايراني في العراق قوي، من خلال تنظيمات عسكرية متعددة، لها نفوذ سياسي ونيابي وامني وشعبي، ولا يمكن الا ان تعود اسرائيل وتفتح ملف نزع السلاح هناك"، مشددة على أن "ان العراق امام وضع حساس جدا، وهو يدرك على مستوى تركيبته انه لا يمكن له نزع اسلحة التنظيمات العسكرية بالقوة وهذا سيؤدي الى حرب اهلية داخل العراق، مثلما ان اي محاولة من جانب لبنان الرسمي لنزع سلاح حزب الله بالقوة سيؤدي الى اقتتال داخلي"، على حدّ تعبيرها. 

في إطار أخر، أوضحت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن زيارة برّاك الى الجنوب تأتي "في سياق مزدوج: من جهة، هي محاولة لتظهير واشنطن كوسيط "مهتم" باستقرار الجنوب، وطرح مشروع "المنطقة الإقتصادية" الحدودية، ومن جهة أخرى هي رسالة سياسية داخلية لإبراز الحاجة إلى سحب سلاح "حزب الله"، جازمة بأنها تفتح "الباب أمام مرحلة جديدة من الضغط السياسي أكثر مما تقدم حلولاً عملية. فوقف الخروقات الإسرائيلية يتطلب قرارًا دوليًا رادعًا لا مؤشرات إليه حتى الآن، بينما تطبيق قرار حصر السلاح بالدولة يحتاج إلى توافق داخلي لبناني ما زال بعيد المنال".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن