يعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن احتلال مدينة غزة سيكون بمثابة "المسمار" الأخير في "نعش" حركة "حماس"، ولهذا يرفض المضي قدمًا بأي صفقة جزئية ويغلق الباب أمام أي وساطة ويمضي غير مكترث بالضغوط الاسرائيلية الدولية، التي تتصاعد وتيرتها مع استمرار المظاهرات والتحركات الشعبية المنددة والرافضة لحرب الإبادة والتجويع. ولكن الأخير يستفيد من الدعم الذي يوفره له الرئيس الاميركي دونالد ترامب وادارته للوقوف في وجه جميع الانتقادات وموجات الشجب ويتمسك بالخيار العسكري التصعيدي بينما يعيش الفلسطينيون أوضاعًا إنسانية كارثية يُصعب وصفها او الحديث عنها.
وتدرك "حماس"، قبل غيرها، ان الخيارات المتاحة أمامها باتت محدودة خاصة ان اسرائيل تحقق تقدمًا ميدانيًا واسعًا من جهة وان الضغوط الممارسة على تل أبيب غير مجدية وليست بالحجم المطلوب من جهة أخرى. ولهذا تبدو الكرة في ملعبها فيما تعيش حصارًا بين شروط نتنياهو التعجيزية وبين ما يحدث في الميدان، لاسيما بعد مقتل كبار قيادييها خلال الحرب الجارية، وسط تأكيدات الاحتلال اغتيال الناطق باسمها "أبو عبيدة"، الملقب بـ"الملثم"، خلال غارة اسرائيلية على مدينة غزة يوم السبت الماضي، في وقت لم تؤكد "حماس" ولم تنفِ الخبر. وكان الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي أصدرا بيانًا مشتركًا أكدا فيه "تصفية" حذيفة الكحلوت (أبو عبيدة) وذلك بناء على معلومات استخبارية سابقة بشأن مكان وجوده.
وفي حال تأكد الخبر، سينضم "أبو عبيدة" إلى محمد السنوار، الذي أكدت الحركة مقتله من دون أن تقدم أي معلومات إضافية عن ظروف الاغتيال وحيثياته ولكنها نشرت صورته مع صور قادة آخرين في الحركة ووصفتهم بأنهم "القادة الشهداء الأطهار"، وذلك بعد اشهر من إعلان هذا النبأ من قبل الاحتلال، ما يعني عمليًا أن العمليات اليوم يقودها مساعده المقرب قائد لواء مدينة غزة عزالدين الحداد، الذي يعتبر من بين الأسماء القليلة المعروفة والتي لا تزال تقاتل في القطاع بينما البقية هم في الخارج، والذين أيضًا ليسوا بمنأى عن التهديدات الاسرائيلية، بعدما أكد رئيس أركان الجيش إيال زامير أنهم على قائمة التصفية وقال "استهدفنا أمس أحد كبار قادة "حماس" أبو عبيدة ولكن عملياتنا لم تنتهِ بعد، فمعظم القادة المتبقين موجودون في الخارج، وسنصل إليهم". تأتي هذه التطورات على وقع التصعيد العسكري الواسع والقصف الجوي والمدفعي المكثف على مختلف أنحاء غزة من الشمال إلى الجنوب فالوسط، حيث ارتكبت قوات الاحتلال العديد من المجازر التي سقط فيها 78 شخصًا، بينهم 32 من المجوّعين جرى استهدافهم عند نقاط للتحكم بالمساعدات. ومن بين شهداء القصف الدامي على غزة أمس، الأحد، مراسلة قناة "القدس اليوم" إسلام عابد، وهو ما يرفع عدد الصحفيين الذين استشهدوا خلال الحرب إلى 247.
أما عداد ضحايا التجويع فهو في ارتفاع مطرد، إذ أعلنت وزارة الصحة في غزة عن وفاة 7 أشخاص خلال يوم واحد ما يرفع الحصيلة إلى 339، بينهم 124 طفلًا وسط تحذيرات من وفيات جديدة بسبب سوء التغذية وتوسع نطاق المجاعة من مدينة غزة إلى وسط وجنوب القطاع ناهيك عن غياب العلاجات الطبية والاستشفائية اللازمة، لاسيما أن القطاع الطبي يحتضر بعد تعمد الاحتلال القضاء على المنظومة الصحية ما جعلها في موقع عجز أمام العدد الكبير من الضحايا والجرحى دون أن نغفل التحديات المتجلية بتفشي أنواع متعددة من الفيروسات والأمراض التي تنتشر في صفوف الأهالي، خاصة الأطفال، دون القدرة على تشخيصها لغياب الإمكانيات. ووسط هذا المشهد القاتم، أبحر "أسطول الصمود" من برشلونة، ويضم على متنه مساعدات إنسانية وناشطين وشخصيات معروفة في محاولة لكسر الحصار المفروض على القطاع.
في غضون ذلك، تتزايد السيناريوهات التي توضع لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، حيث تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" عن خطة يجري تداولها داخل إدارة الرئيس ترامب، وتتضمن وضع القطاع تحت الوصاية الأميركية لمدة لا تقل عن 10 سنوات، وتحويله إلى منتجع سياحي ومركز للتكنولوجيا والتصنيع. وبحسب الخطة التي يتم العمل عليها، سيتم نقل جميع سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة مؤقتًا، إما عبر ما تصفه بـ"المغادرة الطوعية" إلى بلد آخر، وإما إلى مناطق "مقيدة وآمنة" داخل القطاع خلال فترة إعادة الإعمار. وعليه فإن الوضع يزداد سوءًا وجمود المفاوضات يحول دون حصول اي تقدم بينما تتزايد الضغوط الاميركية والاسرائيلية على السلطة الفلسطينية بعد حرمان كبار المسؤولين فيها، بمن فيهم الرئيس محمود عباس، من تأشيرات لدخول الولايات المتحدة لمنعهم من حضور الاجتماع المقبل للجمعية العامة للأمم المتحدة المنوي عقده في شهر أيلول/ سبتمبر الحالي. يُذكر أنه سبق للولايات المتحدة أن اتخذت إجراء مماثلًا عام 1988 ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ما جعل الأمم تعقد اجتماعًا في جنيف للاستماع إلى خطاب الزعيم الفلسطيني هناك.
هذا الوضع يترافق مع إقرار الخطط الاستيطانية الموسعة في الضفة الغربية المحتلة وتزايد عنف المستوطنين وقوات الاحتلال ضد الفلسطينيين بشكل متفاقم. وفي هذا السياق، نقل موقع "أكسيوس" الاميركي عن مصادر أن الحكومة الإسرائيلية تناقش جديًا ضم أجزاء من الضفة اليها وأن وزيري الخارجية والشؤون الإستراتيجية الإسرائيليين، جدعون ساعر ورون دريمر، أبلغا نظراءهما في عدة دول أوروبية أن إسرائيل ستمضي في هذه الخطوات التصعيدية في حال تمت الاعترافات بالدولة الفلسطينية. وكانت كل من فرنسا وبريطانيا وأستراليا أعلنت، في وقت سابق، عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين لتنضم بذلك إلى 150 دولة أخرى ما أثار حفيظة وغضب حكومة نتنياهو وأعضاء حكومته من اليمين المتطرف.
إلى ذلك، قررت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تشديد الحراسة على نتنياهو وعدد من الشخصيات بعد الضربة التي وجهتها تل أبيب إلى الحوثيين يوم الخميس الماضي، والتي أدت إلى مقتل شخصيات بارزة لدى الجماعة من أبرزهم رئيس حكومتها أحمد غالب الرهوي الى جانب عدد من الوزراء أثناء ورشة عمل اعتيادية لتقييم أداء الحكومة . وقالت "هيئة البث الإسرائيلية" إن جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" اتخذ إجراءات خاصة واستثنائية لحماية رئيس الوزراء ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ومسؤولين كبار آخرين "في ظل تهديد يمني صريح بالرد على تصفية أعضاء الحكومة اليمنية". كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول في الحكومة أنه تم نقل اجتماعين مهمين، أحدهما للحكومة والآخر للمجلس الوزاري المصغر "الكابينت" الى مكان سري حصين ضمن الإجراءات الأمنية المُتخذة.
وجاء ذلك بعدما توعد الحوثيون بالرد الحازم، إذ أعلن رئيس أركانهم اللواء محمد الغماري أن "العدو الإسرائيلي فتح أبواب الجحيم على نفسه". وقال "سيكون ردنا قاسيًا ومؤلمًا وبخيارات إستراتيجية فاعلة ومؤثرة". اما زعيم جماعة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، فقد أكد في كلمة متلفزة، أن هذه الضربة "لن تؤثر على موقف بلدنا سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي"، وأن "مسارنا في نصرة الشعب الفلسطيني مستمر وثابت وتصاعدي". هذا وتراهن حكومة نتنياهو على إضعاف قدرات الحوثيين، إن من خلال الضربات المركزة على مواقع حساسة وحيوية تابعة للجماعة او عبر عمليات الاغتيال، ولكن ذلك حتى اللحظة، لا يزال غير واضح نتائجه بعدما قرر الحوثيون، المقربون من ايران، التحول إلى لاعب إقليمي في الصراع الدائر مع اسرائيل وإعلانهم في اكثر من مرة الاستمرار في الدفاع عن غزة حتى وقف الحرب ودخول المساعدات.
لبنانيًا، أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري موقفًا حاسمًا تجاه موضوع حصر السلاح بيد الدولة والورقة الاميركية، خلال الكلمة التي ألقاها بمناسبة الذكرى السابعة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه. وقد تبنى الأخير موقف "حزب الله" لجهة اعتبار أن "ما يُحكى يتجاوز مبدأ حصر السلاح، ويكاد يُشكّل بديلاً عن اتفاق تشرين الثاني/ نوفمبر لوقف إطلاق النار"، وهو ما يعني أن الثنائي الشيعي قرر أن يعتبر نفسه غير معنيًا بمناقشة الورقة الاميركية أو الموافقة على أهدافها بل التشديد على الحوار الوطني الداخلي والاستراتيجية الدفاعية. وقد بدا بري منفتحًا على النقاش ولكن "تحت سقف الدّستور وخطاب القسم والبيان الوزاريّ والمواثيق الدّوليّة" بعدما وصف سلاح "حزب الله" بأنه "عزّ لبنان وشرفه". وتتزايد المخاوف داخل البلاد لاسيما ان حالة الانقسام العامودي في أوجهها وما يترافق ذلك من ضغوط يتعرض لها لبنان من المجتمع الدولي من اجل استكمال سحب السلاح وفرض سيطرة الدولة ونفوذها على كامل أراضيها.
وتستمر اسرائيل في خرق اتفاق وقف النار بشكل يومي حيث شنّت أمس، الأحد، سلسلة غارات عنيفة على مرتفعات منطقة علي الطاهر في قضاء النبطية، وهي منطقة استُهدفت للمرة الثالثة في الآونة الأخيرة بالتزامن مع تحليق مكثف للطيران المسيّر على علوٍّ منخفض في أجواء الجنوب. من جهتها، أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنّ سلاح الجو نفذ سلسلة غارات مستهدفًا مقرًّا تحت الأرض تابعًا لـ"حزب الله" سبق أنّ تعرّض لهجومٍ، وكان يُعاد ترميمه. في إطار متصل، أوقفت مخابرات الجيش في الساعات الماضية، ثلاثة شبان من بلدة مجدل زون ــ قضاء صور، كانوا أقدموا على منع دورية تابعة لقوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" من عبور البلدة، قبل مدة.
وفي جولة اليوم على الصحف الصادرة في عالمنا العربي، تركيزٌ على المواضيع الساخنة لاسيما الفلسطينية منها:
شدّدت صحيفة "الأهرام" المصرية على أن قرار منع السلطة الفلسطينية من الحصول على تأشيرات اميركية لحضور جلسات الأمم المتحدة "متعسف وسيؤدي إلى ازدياد فقدان الثقة العربية والفلسطينية في دور واشنطن كوسيط، وتصعيد الخطاب الفلسطيني باتجاه تدويل الصراع خارج الإطار الأمريكي"، معتبرة أن هذا "الأمريكي لا يحمل في طياته أي مسألة أمنية أو إجرائية، بل هو خطوة ذات أبعاد سياسية خطيرة تسعى لتشكيل مرحلة ما بعد الحرب على غزة بإقصاء كامل للقيادة الفلسطينية الشرعية، لكن هذا القرار سيكون له تأثير سحري فى عزل واشنطن وتل أبيب عما يجرى في العالم بعد جريمة الاحتلال الإسرائيلى في غزة".
ورأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن " مشكلة اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية، أن معظم من وقع يزايد على من لم يوقع، وهم لا يريدون أن ينضم غيرهم إلى أي اتفاقات سلام، ويدعون أن تجربتهم فاشلة في السلام مع إسرائيل، لكن أيّاً منهم لم يُلغِ تلك الاتفاقيات". وقالت : دمشق في موقف إستراتيجي صلب، فلبنان الذي كان خاصرة رخوة لطالما خشي منها النظام السابق لم يعد موجودًا كدولة مهددة، والقوى الفلسطينية التي شاركت في قتل السوريين- خلال الثورة- هي من قوّض القضية باندفاع 7 أكتوبر، ولعل الجميع يتذكر أن الفلسطينيين كانوا ثاني من وقّع مع إسرائيل في اتفاقيات أوسلو".
صحيفة "الغد" الأردنية، من جهتها، لفتت إلى أنه "ليس ثمة تباينات كبيرة بين واشنطن والحلفاء العرب في المنطقة، حيال عديد الملفات في المنطقة. الدول العربية الفاعلة في المشهد، تتوافق مع مواقف إدارة ترامب حيال سورية ولبنان والعراق. أما بالنسبة لإيران، فإنها تفضل الحل الدبلوماسي، الذي تبنته إدارة ترامب في البداية، ثم تراجعت عنه بضغط حكومة نتنياهو"، لكنها اوضحت أن "الخلاف الجوهري الكبير بين الجانبين ينحصر بشكل رئيس في ملف النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. ليست غزة وحدها السبب، وإن كانت المحرك للتطورات، إنما مجمل الرؤية الأميركية المنحازة كليا لليمين الإسرائيلي المتطرف".
بدورها، اعتبرت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "القوة الحقيقية للبنان ليست في جيشه وحده، ولا في موارده الطبيعية فقط، بل في وعي شعبه لدوره التاريخي. إذا استعدنا هذا الوعي وبنينا عليه، يمكن للبنان أن يخرج من دائرة الاستنزاف إلى موقع المبادرة، وأن يحوّل موقعه الجغرافي من عبء إلى فرصة"، معتبرة أن "المطلوب اليوم أن نرتقي إلى مستوى المسؤولية: أن نفهم نقاط قوتنا ونبني عليها، أن نحصّن بيتنا الداخلي بالوحدة والثقة، وأن نعيد صياغة دورنا كجسر للحوار والتلاقي في منطقة مأزومة. فهكذا فقط يصبح لبنان، برغم صغره، عصيًّا على التهميش، وصوتًا مسموعًا في زمن تتنازع فيه الأصوات".
(رصد "عروبة 22")