صحافة

"اليوم التالي"؟ في عهدة الثنائي بلير- كوشنر!

عبدالوهاب بدرخان

المشاركة

قبل أن تعلن واشنطن رفض منح تأشيرات دخول لوفد السلطة الفلسطينية إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن خالفت جميع الأعضاء فشككت بـ"صدقية ونزاهة" التقرير الأممي عن استشراء المجاعة في قطاع غزّة، معتبرة أن سياسة التجويع "كذبة". ولم توقّع الولايات المتحدة على بيان أيدته الدول الـ 14 مطالبة إسرائيل بـ"رفع القيود المفروضة على إيصال المساعدات فوراً ومن دون شروط"، وبـ"التراجع الفوري عن قرارها توسيع عملياتها العسكرية بهدف السيطرة على مدينة غزّة".

لا جديد في ذلك، فكل ما يضع إسرائيل في موضع الاتهام مرفوضٌ أميركياً، وكل ما يمكن أن يضاعف ملفها الاجرامي أو يشكّل ضغطاً قانونياً ومعنوياً- أخلاقياً عليها مرفوضٌ أيضاً. هذه سياسة ثابتة، وقد نفّذتها الإدارتان السابقة والحالية بتطابق حرفي: إذا رفضت إسرائيل مقترحات الوسطاء فتكون شروط "حماس" سبب فشل المفاوضات حتى عندما يضغط الوسيطان العربيان لتذليل تلك الشروط. وإذا كان هناك "جوع" فلأن "حماس" "تنهب" المساعدات... إلى ما هنالك من تبريرات.

الأكيد أن "حماس" تطالب بإنهاء الحرب، وأن العالم يريد أيضاً إنهاءها من دون أن يكون مؤيداً لـ"حماس" وعودتها الى حكم القطاع. الأكيد كذلك أن حكومة إسرائيل تتبنى سياسة "حرب بلا نهاية" كي يبقى ائتلافها المتطرّف في السلطة. والأكيد طبعاً أن مروق هذه الدولة والنبذ المتزايد لها وإمعانها في الإجرام، هي ما دفعت دولاً حليفة إلى اعتزام الاعتراف بـ"دولة فلسطين" خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الحالي.

هذه الاعترافات المتوقّعة أثارت سخطاً إسرائيلياً، وتلقّاها دونالد ترامب كأنها تحدٍ له، تحديداً لأنها جاءت في إطار "المؤتمر الدولي لحل الدولتين" الذي دعت السعودية إليه وشاركتها فرنسا في رئاسته. بعد مضي يومين على هذا المؤتمر (31.07.2025) ، أعلنت الخارجية الأميركية أنها ستفرض عقوبات تمنع منح تأشيرات لأعضاء ومسؤولين في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لأنهما خالفتا التزاماتهما عبر "اتخاذ إجراءات لتدويل صراعهما مع إسرائيل، مثل اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، ومواصلة دعم الإرهاب....".

كان ذلك ردّاً مباشراً على "مؤتمر حلّ الدولتين" لكنه لم يبدد الزخم الديبلوماسي الذي أحدثه، وكان تسفيهاً للاعترافات بـ"دولة فلسطين" لكنه حفّزها بدل أن يردعها. وجاء رفض التأشيرات لحرمان الوفد الفلسطيني هذه اللحظة التاريخية، لكن فلسطين ستكون ممثلة في أعمال الجمعية العامة. فحجب التأشيرات ليس نهاية العالم، لكنه من الفظائع السياسية التي تظهر دناءة الدولة الكبرى وتكشف عداءها الإلغائي للشعب الفلسطيني، إذ لم يعد هناك مجال للتمييز ولو شكلياً بين سياسة أميركا- ترامب ومخططات بنيامين نتنياهو وزمرة المتطرفين في حكومته، سواء بالنسبة إلى غزّة أم إلى الضفة الغربية، وتُظهر الوقائع أيضاً أن لا تباين بينهما في شأن سوريا ولبنان، لأن نتنياهو- وليس ترامب- هو من يقود السياسة.

كان المبعوث الخاص ستيف ويتكوف أجرى محادثات "غير مباشرة" مع ممثلين عن "حماس" في الدوحة، والتقى نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ في الرياض بطلب من السعودية، لكن أي مسؤول أميركي لم يزر السلطة الفلسطينية في رام الله، كما لو أن واشنطن انصاعت لإملاء إسرائيلي فلم تعد تعترف بهذه السلطة، بل فرضت عليها عقوبات ولا ترشحها لأي دور في المرحلة المقبلة بعد الحرب على غزة رغم نأيها التام عن "حماس". إذ لا يزال ترامب ينظر إلى هذه السلطة من الزاوية التي حدّدها له صهره جاريد كوشنر حينما كان يجوب المنطقة سمساراً لـ"صفقة القرن"، ولم يغفر للسلطة رفضها هذه الصفقة.

لم يكن مفاجئاً ظهور توني بلير في الاجتماع الذي خصّصه ترامب لـ"اليوم التالي" في غزّة، فواشنطن لا تستدعيه لمهمات نظيفة. كان لفتها ظهوره قبل عام مشاركاً في "جهود" تتعلق بتهجير الفلسطينيين من القطاع، ونفى "معهده للتغيير" ما تكشّف عن نشاطه. أما تلك "الجهود" فهي ورشة لرجال أعمال إسرائيليين وأميركيين مرتبطين بحكومة نتنياهو و"اللوبي اليهودي" الأميركي، وهي تتداول المشاريع المتاحة في القطاع بعد الحرب وتدرسها، سواء بالاستثمار أم بالاستيطان أم خصوصاً بـ"الاستملاك" بحسب تعبير ترامب عن "ريفييرا الشرق الأوسط".

وتستند الورشة بشكل أساسي إلى إخلاء الجزء الأكبر من السكان كهدف إسرائيلي لضمان عدم تجدد الصراع. لم يكن قطاع غزة سوى جزء ملحق بـ"صفقة القرن" التي اهتمّت أساساً بضمّ الضفة الغربية، وهو ما تولّت إسرائيل تنفيذه بتوسيع الاستيطان. ومع أن كوشنر غاب عن الصدارة كما كان في إدارة ترامب السابقة، إلا أنه ظهر في الوقت المناسب - عشية "اليوم التالي" - إلى جانب بلير وويتكوف، كثلاثي مكلف هندسة مستقبل غزّة. ولا مجال لتوقّع أي "أفكار" يعرضها هؤلاء على ترامب مستوفين فيها شروط أي قانون دولي إنساني، لذا وجب التكتم عليها.

(الوطن السعودية)

يتم التصفح الآن