حذّر صندوق النقد الدولي من أنّ وضع الدين العام في جميع أنحاء العالم، قد يكون أكثر خطورةً ممّا يعتقد معظم المُحلّلين، في ضوء العجز المالي المرتفع في أميركا والصين على وجه الخصوص. وباعتبارها أكبر اقتصاد في العالم، فإنّ ديون أميركا لا تزال تتضخّم، حيث تمثّل 34.6% من إجمالي الدين الحكومي العالمي بحجم دين بلغ 36.1 تريليون دولار، استنادًا إلى بيانات وزارة الخزانة الأميركية لعام 2024. وتستحوذ الصين، التي تحتل المرتبة الثانية عالميًا، على 16.1% من الديون الحكومية العالمية بحجم دين إجمالي وصل إلى 16.4 تريليون دولار.
ومن الجدير بالذكر أنّ الحكومات في العالم تحصل على معظم دخلها من الضرائب، حيث يدفع السكان ضرائب مختلفة وعديدة للحكومة مثل ضريبة الدخل، وضريبة المبيعات، والقيمة المُضافة، وتدفع الشركات ضريبةً على الأرباح التي تحقّقها، وغيرها من الضرائب، علمًا أنّه يمكن للدولة أن تغطّي إنفاقها كاملًا من خلال الضرائب، وهذا يحدث في بعض الأحيان. لكن إذا لم تتمكّن الحكومة من ذلك، فإنّها تلجأ إلى سدّ الفجوة من خلال زيادة الضرائب، أو خفض الإنفاق، أو الاقتراض، لذا غالبًا ما تقرّر الحكومات الاقتراض لتعزيز الاقتصاد، كما تقترض لتمويل مشاريع كبرى، مثل السكك الحديدية والطرق الجديدة، ومشاريع الرعاية الصحية وغيرها.
أزمة الديون السيادية أصبحت ظاهرة شائعة في الدول النامية وتُنذر بأزمة عالمية
تقوم الحكومات باقتراض الأموال بطرقٍ عدّة، من أهمّها، بيع السندات، إذ تجمع الحكومات الأموال عن طريق بيع السندات غالبًا للمستثمرين. وتقترض الحكومات أيضًا من صندوق النقد الدولي، الذي يُقرض المال للدول الأعضاء فيه ولا يُقرض إلّا الحكومات، وليس القطاع الخاص أو المجتمع المدني. كما تقوم مجموعة "البنك الدولي" بإقراض الأموال في المقام الأول للدول النّامية والمؤسّسات الخاصة التي تقوم بمشروعاتٍ مُحدّدة. وفيما يتعلّق بالدين الداخلي، تقترض الكثير من حكومات العالم من البنوك الوطنية والمحلّية العاملة على أراضيها، ومن مؤسّساتٍ أخرى كمؤسّسة الضمان الاجتماعي، وغيرها من المؤسّسات الاستثمارية المحلية.
ويمكن استعراض أكثر 10 دول ديونًا في العالم بالدولار الأميركي، استنادًا إلى صندوق النقد الدولي في 2024: 1 - الدين الأميركي 36.1 تريليون دولار، 2 - الصين 16.4 تريليونًا، 3 - اليابان 10.2 تريليونات، 4 - بريطانيا 7.3 تريليونات، 5 - فرنسا 6.3 تريليونات، 6 - إيطاليا 3.3 تريليونات، 7 - الهند 3.2 تريليونات، 8 - ألمانيا 2.95 تريليون، 9 - كندا 2.35 تريليون، 10 - البرازيل 1.9 تريليون.
الدول التي تتّخذ إجراءات مبكرة تكون أكثر قدرةً على تجنّب الوقوع في أزمة ديون شاملة
وفيما يتعلق بالدول العربية المدينة لعام 2024 بالدولار الأميركي فهي: مصر 345.5 مليار دولار، السعودية 311.5 مليارًا، الإمارات 171.1 مليارًا، العراق 121.2 مليارًا، الجزائر 118.9 مليارًا، المغرب 107.9 مليارات، السودان 102.6 مليار، قطر 91.2 مليارًا، البحرين 60.6 مليارًا، والأردن 48.9 مليارا.
لقد أصبحت أزمة الديون السيادية، ظاهرةً شائعةً في عالم الاقتصاد والمال وخاصّةً في الدول النامية، بل إنها تُنذر بأزمةٍ عالميةٍ، وفي الواقع تتعدّد أسباب أزمة الديون السيادية، حيث تساهم فيها عوامل عديدة، اقتصادية وسياسية. فمن المنظور الاقتصادي، يُعدّ ارتفاع مستويات الإنفاق العام، أحد الأسباب الرئيسيّة للمشكلة، فالحكومات التي تُنفق أموالًا تفوق قدرتها على تحمّل التكاليف، تؤدّي إلى تراكم الديون التي لا تستطيع سدادها، مثلما حدث في اليونان أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بسبب ارتفاع مستويات الإنفاق العام على المعاشات التقاعدية وبرامج الرعاية الاجتماعية. ومن العوامل الأخرى التي تُسهم في أزمة الديون السيادية ضعف المؤشرات الاقتصادية.
معالجة الأسباب الجذرية لأزمة الديون أمر ضروري لمنع تفاقم الوضع وضمان قدرة الدول على التعافي منها
في الواقع، حملت أزمات الديون العديد من الدروس المستفادة، لعلّ أهمها أنّ الدول التي تتحمّل ديونًا كبيرةً مقارنةً بقدرتها على السداد تكون أكثر عرضةً لمخاطر مواجهة أزمة ديون وأبرزها ضرورة الحفاظ على الانضباط المالي. أمّا الدول التي تتّبع سياساتٍ ماليةً سليمةً فهي أقلّ عرضةً لأزمات الديون، إذ إنّ التدخل المبكر بالغ الأهمية في منع أزمات الديون، فالدول التي تتّخذ إجراءاتٍ مبكرةً تكون أكثر قدرةً على تجنّب الوقوع في أزمة ديون شاملة.
وفي الختام، تُعدّ معالجة الأسباب الجذرية لأزمة الديون أمرًا ضروريًا لمنع تفاقم الوضع وضمان قدرة الدول على التعافي منها، لذا يجب على الحكومات اتخاذ خطواتٍ لتحسين ممارساتها في الإدارة المالية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتهيئة بيئة سياسية مستقرّة، والتخفيف من تأثير العوامل الخارجية. وبذلك، يمكنها المساعدة في ضمان استمرار نموّ دولها وازدهارها في مواجهة التحدّيات الاقتصادية، مع الملاحظة أنّ أكبر الدول المدينة هي أيضًا أكبر اقتصاديات العالم، وهذا يعني أنّ الاقتصاد العالمي نفسه في خطر.
(خاص "عروبة 22")