صحافة

"المشهد اليوم"...تحويل غّزة لـ"ريفييرا" حلم ترامب وتصعيد إسرائيلي ميدانيالحكومة اللبنانية بين تباينات الداخل ومأزق السلاح والصين وروسيا تدخلان على خط دعم ايران

فلسطينيون يبكون أحبائهم الذين استشهدوا في القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة (أ.ف.ب)

لم يعد الحديث عن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الاوسط" مجرد حلمًا بل بات خطة تدرسها الإدارة الأميركية لتطبيقها في مرحلة ما بعد الحرب أو ما بات يُصطلح على تسميته "اليوم التالي"، دون أي اكتراث بمليوني فلسطيني سيكونون أمام خيارين لا يقلان سوءًا عن بعضهما البعض، فإما "الهجرة الطوعية" إلى بلدان أخرى أو العيش في أماكن "محدودة" و"آمنة" داخل القطاع، أي ما يشبه المعسكرات. فتحت غطاء إعادة الاعمار تقوم إدارة الرئيس دونالد ترامب بمساعدة من إسرائيليين على تهجير الفلسطينيين وفرض وصاية أميركية على القطاع لمدة 10 سنوات وتحويله إلى منتجع سياحي ومركز للتكنولوجيا والتصنيع. وهذه الخطة "الجهنمية" هي التي تعيق التوصل إلى صفقة لوقف النار خاصة أن ما وافقت عليه حركة "حماس" هو ما كان يدفع بإتجاهه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ مدة.

ولكن التغيير الحاصل هو ما عزاه نتنياهو إلى "ظروف جديدة" رافضًا التصويت على الصفقة الجزئية المطروحة على طاولة المفاوضات ومصرًا على استكمال احتلال غزة وتصعيد العملية العسكرية، مستعينًا بما قاله الرئيس ترامب له: "دعوا الصفقات الجزئية، وادخلوا بكل قوتكم وأنهوا الموضوع". وهذا "الضوء الأخضر" يكبل قدرة الوسطاء على إعادة مسار المباحثات المتوقفة منذ فترة فيما الوضع على الارض يزداد سوءًا بشكل دراماتيكي، إذ أن مجازر الإحتلال الاسرائيلي لا تتوقف وضحايا التجويع وسوء التغذية في ازدياد وحركات النزوح تتفاقم مع قصف قوات الاحتلال كل أنحاء القطاع دون وجود أي منطقة آمنة. ففي حصيلة جديدة، استشهد 20 فلسطينيًا منذ فجر اليوم، الثلاثاء، 5 منهم من طالبي المساعدات لينضموا إلى 59 آخرين قتلهم الاحتلال أمس.

وفي هذا السيّاق، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن إسرائيل "بدأت فعليًا بمحو مدينة غزة، ولا تحركات دولية فعالة لمنع الجريمة الكبرى"، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال "يدمر يوميًا في مدينة غزة وبلدة جباليا نحو 300 وحدة سكنية كليًا أو جزئيًا، باستخدام نحو 15 عربة مفخخة تُحمل بقرابة 100 طن من المتفجرات". بدورها، قالت المقررة الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي إن إسرائيل قتلت من الصحفيين منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أكثر مما قُتل في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وتتعمد تل أبيب استهداف الاعلاميين الفلسطينيين بشكل ممنهج وبتهم وحجج واهية من أجل منع نقل الحقيقة إلى العالم بينما تمنع وسائل الاعلام الأجنبية من دخول القطاع لتغطية ما يجري هناك رغم المطالبات العديدة في هذا الإطار.

سياسيًا، طالب المجلس الوزاري الخليجي، الذي عُقد في الكويت، بـ"ضرورة التوصل إلى اتفاق فوري لوقف النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وحماية السكان وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية"، مدينًا ما أسماه "جريمة الإبادة الجماعية وسياسة الحصار المتعمدة والتطهير العرقي والعقاب الجماعي وقتل المدنيين والصحافيين". كما شدّد المجتمعون على ضرورة تطبيق "حل الدولتين" وقيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مرحبين بالاعترافات الدولية المتزايدة بدولة فلسطين. هذا وانضمت بلجيكا إلى قافلة الدول التي ستلحظ الدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنوي انعقادها في نيويورك خلال الشهر الحالي، بعدما أعلن وزير الخارجية البلجيكي ماكسيم بريفو ذلك، لافتًا أيضاً إلى أن بلاده عازمة على فرض "عقوبات صارمة" على إسرائيل. 

في غضون ذلك، تحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عما يجري في القطاع من عملية إبادة وموت قائلًا "نتنياهو مصممٌ على الاستمرار في إبادة الشعب لأنه يريد أن يبقى رئيساً للوزراء وكي لا يحاكم في إسرائيل"، موضحًا أن السلطة الفلسطينية لا تمانع بشراكة عربية أو دولية لإدارة قطاع غزة. وتواجه السلطة الفلسطينية أعتى حملة ضدها في وقت تتدحرج كرة النار من غزة إلى الضفة الغربية حيث شنّت قوات الاحتلال حملة اعتقالات ومداهمات واسعة طالت محافظات عدة وأدت إلى سقوط عدد من الاصابات، في حين صعّد المستوطنون من هجماتهم واعتداءاتهم حيث أضرموا النيران وهاجموا منازل الفلسطينيين في وادي سعير شمال شرقي الخليل، بينما تصدّى شبان لهجوم أخر شنّه مستوطنون متطرفون على منطقة التل في بلدة سنجل شمالي رام الله. ولا يمر يوم دون أن تنكل اسرائيل بفلسطيني الضفة وتعتدي عليهم وتستحوذ على أرزاقهم وممتلكاتهم خاصة أن الخطة باتت واضحة الاستيلاء وضم 60% من الأراضي إليها بموافقة أميركية ضمنية.

ومن القضية الفلسطينية التي تتصدّر الأحداث إلى محاولات ايران رفض العقوبات التي تحاول "الترويكا" الأوروبية إعادة فرضها عليها بعدما تم رفعها قبل 10 سنوات بموجب الاتفاق النووي الذي وُقع حينذاك. وقد دخلت كل من الصين وروسيا على هذا الخط بإعلانهما الصريح تأييد موقف طهران. فقد نصت رسالة مشتركة وقع عليها وزراء خارجية هذه الدول على أن الخطوة التي أقدمت عليها، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، "معيبة من الناحيتين القانونية والإجرائية، ولها تأثير سياسي مدمر". وذكرت الرسالة، التي تم توجيهها لمجلس الأمن الدولي ونشرها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن المسار الذي اتخذته دول "الترويكا" "يمثل إساءة استخدام لسلطة مجلس الأمن الدولي ومهامه". وتأتي خطوات فرض العقوبات على ايران بعد فشل محادثات جنيف التي عقدت في وقت سابق خاصة أن هناك مطالب واضحة ينبغي على إيران تلبيتها، وهي السماح لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول إلى برنامجها النووي، معالجة المخاوف بشأن مخزونها من اليورانيوم المخصب وإعادة مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة بعد تجميده عقب حرب الـ12 يومًا.

على الصعيد اللبناني، فالوضع "الملّبد بالغيوم" لا يزال يسيطر على البلاد التي تحاول التوصل إلى تفاهم بشأن قرار سحب سلاح "حزب الله". وتضيق فرص المناورة أمام الحكومة التي تجد نفسها في موقع لا تُحسد عليه بين نيران الداخل المهددة بحرب أهلية وبمواجهات مع الجيش وبين الخارج الذي يضع عليها شروطًا قاسية ويكبلها بمدة زمنية معينة. وهذا الجو المشحون يسبق جلسة الحكومة التي ستعقد يوم الجمعة وسط محاولات حثيثة لتقريب وجهات النظر والخروج بشبه إجماع حول الخطوات المستقبلية خاصة أن الورقة الاميركية يبدو أنها "سقطت" بعد رفض اسرائيل الالتزام بوعدها وهو ما جعل الموفد الأميركي توم برّاك يتراجع عن مبدأ "الخطوة بخطوة" الذي كان يروج له، راميًا الكرة بالملعب اللبناني لتقديم التنازلات وبعدها يتم الضغط على اسرائيل. إلا أن عدم الالتزام باتفاق وقف النار المبرم سابقًا وتعديات الاحتلال اليومية تجعل من الصعب على لبنان أن يقوم بخطوة ناقصة بينما تداعيات ما يجري واضحة للعيان.

وعليه فإن التعقيد السياسي في أوجهه خصوصًا أن المعادلة اللبنانية معقدة وأن الوصول إلى صيغة مرضية ترضي جميع الأطراف يبدو مستعصيًا وسط عدة سيناريوهات يتم دراستها والتفاوض بشأنها ولكن أي منها لم يلق قبولًا نهائيًا وسط "صراع خفي"، إن صح التعبير، بين الرئاستين الثانية والثالثة، أي رئيسي مجلس النواب والحكومة في وقت يحاول رئيس الجمهورية التوفيق بين الأطراف دون الوصول إلى قطيعة مع "حزب الله"، الذي يرفض تسليم أي قطعة سلاح ما لم تلتزم تل أبيب باتفاق 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت ويحاول وقف مفاعيل قرار الحكومة، فإذا فشل في ذلك فمن الطبيعي أن يكون هناك خطوات تصعيدية عبر إما أن تحركات شعبية في الشارع أو منع الجيش من تنفيذ القرار وهنا تمكن الطامة الكبرى. 

وفي الشأن السوري، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التأكيد بأن سوريا على أعتاب مرحلة جديدة، مشددًا على أن أنقرة "ستدعم نهوض سوريا مجدداً مع الحفاظ على وحدة أراضيها ووحدتها السياسية، والذي يصب في مصلحة المنطقة بأسرها". وأكد أن بلاده ستواصل الوقوف في وجه أي محاولة من شأنها تهديد أمن وسلامة أراضي جارتها. هذا الموقف الذي عبر عنه أردوغان خلال انعقاد "قمة شنغهاي للتعاون" يتزامن مع الادانات المستمرة لاسرائيل بشن اعتداءات وتنفيذ تعديات في الداخل السوري، بينما تسعى دمشق إلى معالجة تراكمات المشاكل الداخلية، وتحديدًا مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ووفق المعلومات فستستأنف المفاوضات بين الجانبين على مستوى الحلقة الثانية من القيادات رغم التصريحات التصعيدية لمسؤولين أكراد أكدوا فيها تمسكهم باللامركزية.

يمنيًا، شيّع الحوثيون في العاصمة صنعاء رئيس حكومتهم الموازية أحمد غالب الرهوي مع تسعة من وزرائه، الذين قضوا في الغارات الاسرائيلية يوم الخميس الماضي وسط تهديدات بالرد على هذه العملية التي تعتبر "الضربة الأقوى" على الجماعة المتحالفة مع ايران. وفي محاولة منها للتأكيد على استمراريتها وتماسكها وعدم تأثير الهجمات الاسرائيلية عليها، تبنى المتحدث العسكري باسمها يحيى سريع إطلاق صاروخ باليستي مشيرًا إلى أنه أصاب بشكل مباشر ناقلة النفط "سكارليت راي". إلا أن تقارير ملاحية دولية قلّلت من أثر هذا الهجوم وتداعياته، حيث أشارت شركة "أمبري" البريطانية للأمن البحري وهيئة التجارة البحرية البريطانية إلى أن السفينة لم تُصب بأضرار تُذكر، وأن طاقمها واصل الرحلة بسلام رغم سماع انفجار قوي قربها على بُعد 40 ميلًا بحريًا جنوب غربي ميناء ينبع السعودي.

وهنا موجز لأبرز ما جاء في جولة الصحف التي تصدر في العالم العربي اليوم:

لفتت صحيفة " النهار" اللبنانية إلى أن "ما سرّبته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن فرض وصاية أميركية على قطاع غزة لمدة 10 أعوام، يتناغم تمامًا مع غريزة ترامب التي تميل إلى حلول اقتصادية للنزاعات السياسية"، مشيرة إلى أن "عملية "عربات جدعون 2" لاحتلال كامل القطاع، بدءًا من مدينة غزة، هي جزء لا يتجزأ من تصور ترامب لما يسميه "تسوية حاسمة وجيدة" ستظهر ملامحها في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. ويتنافى هذا الطرح، القديم الجديد، مع كل ما يُحكى عن مفاوضات لإبرام اتفاق جزئي أو شامل لوقف النار وإطلاق الإسرى الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، والشروع في مفاوضات لتهدئة دائمة".

صحيفة "الدستور" الأردنية، كتبت أيضًا تحت عنوان: "اليوم التالي في غزة، هل سيكون أميركيًا؟"، "في صفقة القرن الترامبية في نسختها الأولى، تُمنَح إسرائيل ما تشاء وما تريد، دون أي تنازل أمام الفلسطينيين. وفي الصفقة التي أُعلن إطلاقها ترامب ونتنياهو، يُسلّم الفلسطينيون القدس، وأعلن ترامب أنها عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، وأعلن ضم وتطويب الضفة الغربية والجولان والغور الأردني إلى إسرائيل"، مشددة على ان "جوهر صفقة القرن إلغاء وتصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى قضية إنسانية، وربطها بشروط إسرائيلية لتحسين شروط الحياة في الضفة الغربية وغزة".

الموضوع الفلسطيني عينه تطرقت اليه صحيفة "عكاظ" السعودية التي نبهت إلى أن "ما يمثّله الكيان الاسرائيلي من خطر لا تقف آثاره على فلسطين أو الدول العربية والإسلامية، فقد كشفت حرب غزة عن شهيته الممتدة من أفريقيا إلى أوروبا وآسيا، وهو ما يقتضي العمل الجاد من دول العالم على محاصرة هذا الكيان النازي الفاشي"، موجهة جملة من التساؤلات منها "ما الذي بوسع القانون الدولي أن يفعله مع كائنات معبأة رؤوسهم بالخزعبلات وصدورهم مليئة بالحقد والكراهية والعطش لسفك الدم؟ وتاريخهم يشهد بطردهم عشرات المرات؟ وما الذي بوسع القانون الدولي والقانون الإنساني أن يقدّمه ضد مجرمين لم يتركوا جريمة كبيرة أو صغيرة إلا ارتكبوها ضد الأطفال والنساء والمستشفيات والمدارس وضد الصحفيين وعمال الإغاثة؟"، بحسب قولها.

أما صحيفة "الوطن" البحرينية، فأكدت أن "إسرائيل الآن لا تواجه الفلسطينيين أو العرب فقط، بل تواجه العالم أو لنقل أغلبه، ومن يساند إسرائيل يجد نفسه الآن في موقف مُحرج، لأن العالم اجتمع ضدها"، متطرقة إلى "أسطول الصمود" الذي انطلق لكسر الحصار عن غزة والذي ستحاول "إسرائيل بشتى الطرق منع وصوله، وستوزع تُهمًا على مُسيريه، كدعم الإرهاب أو التطرف أو تشويه صورة إسرائيل، فهناك العشرات من التهم "الجاهزة" التي تستخدمها إسرائيل ضد كل من لا يدعم مواقفها، ولكن الحق إنها كلها في الأصل حقائق مثبتة ضدها".

من جانبها، اعتبرت صحيفة "الخليج" الاماراتية أن قرار المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تخفيض ميزانيتها "لا يقف عند مجرد التأثير على حياة من يعيشون في المخيمات، وإنما على إمكانية عودتهم إلى ديارهم"، جازمة أن "العالم بات في أمسّ الحاجة إلى إيلاء الجانب الإنساني الاهتمام اللائق. فهؤلاء اللاجئون والنازحين في معظمهم نتيجة صراعات ونزاعات كان من الممكن منع نشوبها، وفي حال اندلاعها كان من الممكن تقصير مدتها، لكن الملاحظ أن الإقبال على زيادة الإنفاق العسكري غير مسبوقة منذ عقود، وبينما تُرصد التريليونات لهذه الموازنات العسكرية، يستمر اتجاه خفض المساعدات الإنسانية الضرورية لإنقاذ حياة هذه الفئات الضعيفة".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن