صحافة

على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون… الأوراق الكثيرة للصين

عمرو حمزاوي

المشاركة
على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون… الأوراق الكثيرة للصين

وكأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تكفيها صراعاتها التقليدية باهظة الكلفة البشرية والمادية، إن بفعل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أو بسبب التدخلات الإقليمية كما في العراق ولبنان واليمن أو لانفجار الحروب الأهلية والتوترات الداخلية كما هو الحال في سوريا وليبيا والسودان. فقد صار خليط التنافس والتصارع والتكالب على بلداننا بين القوى العظمى الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا هو أيضا مكونا جيو-سياسيا وجيو-استراتيجيا يفرض نفسه بقوة ويؤثر في أوضاع المنطقة الممتدة من إيران والخليج إلى المغرب العربي.

رتبت حروب الولايات المتحدة الفاشلة في أفغانستان والعراق، مضافا إليها الاكتفاء الذاتي فيما خص موارد الطاقة أمريكيا، تبلور توافق داخل نخبة الحكم في واشنطن بشقيها الديمقراطي والجمهوري في اتجاه الحد التدريجي من الوجود العسكري والاستثمار السياسي في منطقة ملتهبة باستمرار. في المقابل، كانت الصين بدفع من طلبها الكبير والمتنامي على استيراد الطاقة الصين تتجه إلى تطوير علاقات تجارية واقتصادية وثيقة وشراكات استراتيجية مع بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على نحو فتح أمام بكين أبوابا واسعة للنفوذ الإقليمي.

كذلك كانت عوامل التراجع التدريجي للدور الأمريكي وفراغات القوة الناجمة عنه وتصدع مؤسسات الدولة الوطنية في سوريا وليبيا والسودان، كانت تمكن روسيا من العودة إلى المنطقة بعد أن غابت عنها في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي بداية تسعينيات القرن العشرين وفي ظل عشرية الهيمنة الأمريكية الممتدة بين حرب تحرير الكويت 1991 وهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تبعها من غزوين كارثيين لأفغانستان والعراق ومن استنزاف هائل لقدرات الولايات المتحدة العسكرية والسياسية ومن تداعيات بالغة السلبية على صورتها في عموم العالم العربي والإسلامي.

غير أن المسارات الأمريكية للانسحاب من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتراجع الوجود العسكري والاستثمار السياسي توقفت ما أن نشبت الحرب الروسية-الأوكرانية 2022 وأعادت واشنطن اكتشاف احتياجها إلى الحلفاء في منطقتنا إن للسيطرة على الأسعار العالمية للطاقة أو لحشد التأييد الدولي لمواقفها ومواقف الغربيين في مواجهة روسيا أو لمنع المزيد من امتداد نفوذ بكين وموسكو بين إيران والخليج وبين المغرب العربي. ثم جاءت حرب غزة 2023 وكلفتها الإنسانية الباهظة وتداعياتها الواسعة على الأمن الإقليمي الذي يبدو حاليا بعيد المنال بالنظر إلى مجريات الأمور في فلسطين وإسرائيل ولبنان وسوريا والعراق واليمن والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر.

جاءت الحرب في غزة لتعيد واشنطن إلى خانات التدخل العسكري والسياسي والدبلوماسي المباشر في منطقتنا وإلى توظيف واسع لمصادر وموارد قوتها يبتغي تارة وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع وتارة ثانية إنزال العقاب بوكلاء إيران في الشرق الأوسط وتارة أخيرة إطلاق مفاوضات للحل النهائي بين إسرائيل وفلسطين واستكمال الدمج الإقليمي لتل أبيب بالتطبيع بينها وبين الرياض. غير أن الولايات المتحدة، وفي تراجعها عن الانسحاب من منطقتنا بين نشوب الحرب الروسية-الأوكرانية 2022 ونشوب حرب غزة 2023 واستمرارها المأساوي إلى يومنا هذا، تكتشف كيف أن أدواتها العسكرية والسياسية والدبلوماسية لم تعد كافية إن لإقناع إسرائيل بوقف الحرب أو لردع إيران ووكلائها أو لإطلاق مفاوضات سلام جادة.

في المقابل، تتحرك الصين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنذ فترة زمنية ليست بالقصيرة وفقا لنهج تراكمي وتدريجي يستهدف المزيد من النفوذ والتأثير. فقد دفع الاحتياج الصيني الهائل لإمدادات الطاقة الواردة من الخليج بضفتيه العربية والإيرانية (ومن الخليج يستورد العملاق الآسيوي ما يقرب من 60 بالمائة من طاقته) صانعي السياسة الخارجية داخل دوائر الحزب الشيوعي الحاكم إلى العمل المنظم على تطوير التحالفات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع دول المنطقة والدخول في شراكات استراتيجية طويلة المدى.

وعندما اهتزت الأوضاع الأمنية في عموم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أعقاب انتفاضات 2011 ثم تدهورت بشدة مع اشتعال حرب اليمن واتساع نطاق التهديدات النابعة منها إلى مصافي النفط في الخليج وتراجعت فاعلية الدور الأمريكي الضامن للأمن الإقليمي، انتقل صانعو السياسة الخارجية الصينية من الاقتصادي والتجاري إلى الدبلوماسي والسياسي والأمني بهدف استعادة الاستقرار وضمان إمدادات الطاقة وصون المصالح.

ومهدت في هذا السياق حقيقة تقدم الصين لتصبح الشريك التجاري الأول لكافة دول المنطقة ولتصير صاحبة استثمارات واسعة في مجالات البنية التحتية والنقل والمواصلات وتكنولوجيا الاتصالات والتكنولوجيا عموما، مهدت للانتقال إلى تنظيم القمم الصينية-العربية والصينية-الإيرانية وتطوير التعاون مع تركيا وإسرائيل وبناء قاعدة عسكرية في جيبوتي ثم إلى الوساطة بين السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية والحفاظ على الهدنة في اليمن.

غير أن الصين أبدا لم ترد منافسة الولايات المتحدة وإن عارضت الكثير من سياساتها في المنطقة خاصة التدخلات العسكرية المتكررة. لم تسفر المعارضة الصينية عن صراع مع واشنطن، بل حاولت بكين النأي بنفسها عن شبكات أصدقاء وأعداء الولايات المتحدة وأوروبا في الشرق الأوسط والاحتفاظ بعلاقات اقتصادية وتجارية جيدة مع الجميع، من إيران والسعودية إلى الجزائر والمغرب.

وفيما خص مكان ومكانة الصين عالميا، ترجمت قيادة الحزب الشيوعي الحاكم الأمر إلى مجموعة من الأهداف الكبرى أبرزها تحول اقتصاد العملاق الآسيوي إلى الاقتصاد الأكبر، ومشاركة الولايات المتحدة والغرب وروسيا قيادة العالم على أساس مبادئ السلام ونبذ العنف وعدم التدخل في شؤون الغير وحرية التجارة، وتقديم نموذج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مغاير للنموذج الغربي الذي يرى الصينيون علامات فشله وانهياره، وإعادة جزيرتي هونغ كونغ وتايوان إلى الوطن الأم لكي تتم التصفية الشاملة للإرث الاستعماري الغربي. لم يتعجل الصينيون الوصول إلى هذه الأهداف، بل حكمت خطواتهم استراتيجية اليد الهادئة وسياسة تقليل مناسيب الصراع عالميا وإقليميا والثقة في حقائق الاقتصاد والتجارة ستفرض نفسها على السياسة.

لذلك، وبعد نشوب الحرب الروسية-الأوكرانية متبوعا بنشوب حرب غزة، لم تغير الصين من توجهاتها وسياساتها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأنتجت خطابا سياسيا متوازنا يطالب بتقليل حدة الصراعات ووقف الحروب ورفض التدخلات العسكرية وتشجيع الحلول الدبلوماسية وبناء السلام ـ حتى حين يتعلق الأمر بخطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر التي تحتاجها الصين كالقوة التجارية الأعظم في عالم اليوم والتي تهددها هجمات الحوثيين وهم وكلاء إيران وهي حليف الصين الاستراتيجي.

قبل نشوب الحروب الروسية-الأوكرانية وحرب غزة، مكن التراجع الأمريكي روسيا من توسيع مجالات فعلها الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتتجاوز العلاقة الخاصة مع إيران والتحالف مع سوريا بمضامينه العسكرية والأمنية إلى الانفتاح على تعاون اقتصادي وتجاري وتصدير للسلاح وعروض لتصدير تكنولوجيا الطاقة النووية في اتجاه مصر، ودول الخليج، والعراق، والجزائر. بل أن روسيا دعمت عودتها إلى الظهور كقوة كبيرة في المنطقة من خلال تدخلها العسكري بالوكالة وعبر ميليشيات فاغنر التي تديرها الحكومة الروسية في بعض الحروب والصراعات المشتعلة.

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن