صحافة

"المشهد اليوم"...اسرائيل تبتكر أساليب جديدة في إبادة غزّة والمجاعة تتفاقمنتنياهو يوصي بالتكتم على خطط ضم الضفة وايران تؤكد أن باب المفاوضات "لم يُغلق بعد"

مشيعون يصلون على فلسطينيين استشهدوا خلال القصف الاسرائيلي أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات (رويترز)

ابتكرت اسرائيل أساليب جديدة في حرب الإبادة ضد قطاع غزة وآخرها الروبوتات المتفجرة أو المفخّخة التي تستخدمها بكثرة في الآونة الأخيرة، وتحديدًا منذ الاعلان عن عملية "عربات جدعون 2"، بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الخسائر، لأن هذه الروبوتات لا تفرق بين مدنيين وعسكريين بل يؤكد دخولها معترك المعركة العسكرية التصعيدية أن قوات الاحتلال لا تريد القضاء على حركة "حماس" ولا الدفاع عن ذاتها بل أن هدفها الأول والاساسي هو تهجير الفلسطينيين واحتلال غزة بأكملها، وما الخطط التي يُحكى عنها و"تطبخ" في غرف ضيقة إلا خير دليل على أن هناك مخطط أبعد من "حماس" وإعادة الأسرى الاسرائيليين الذين باتت تعتبرهم تل أبيب خسائر "جانبية".

وعلى الرغم من الاختلاف الكبير بين القيادتين العسكرية والسياسية بشأن ما يجري على الأرض حاليًا والتخويف من تحوّل غزة إلى "فيتنام اسرائيل"، كما كشفت صحيفة "هآرتس"، التي لفتت إلى ما أسمته الموقف الموحد الذي عرضه جميع ممثلي الأجهزة الأمنية خلال اجتماع المجلس الوزاري الأمني السياسي (الكابينت) الذي عُقد مساء الأحد، إذ أعلنوا دعمهم الواضح لصفقة جزئية لتبادل الأسرى، محذرين في الوقت عينه من العواقب الوخيمة لاحتلال مدينة غزة. في وقت نبّه رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير من أن خطة السيطرة التي يتم العمل عليها ستدفع بإتجاه تولي حكومة عسكرية إسرائيلية إدارة القطاع. ولكن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض الاستماع لكل الاختلافات ويتجاهل التحذيرات ويمضي قدمًا في خططه التوسيعية متمسكًا بدعم الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي قال، في أخر تصريح له، "لا أحد فعل لإسرائيل أكثر مما فعلته لها".

وتكاد تكون هذه الحقيقة الأساسية في العملية التي يتوسع نطاقها وتزداد شراستها مخلّفة وراءها عددًا كبيرًا من الضحايا والجرحى، فيما التجويع والحصار يزيدان من معاناة الفلسطينيين حيث أعلنت وزارة الصحة في القطاع استشهاد 13 شخصًا، بينهم 3 أطفال، خلال 24 ساعة، وهو أكبر عدد يسجل في يوم واحد منذ بداية الحرب ما يرفع الحصيلة إلى 361 شهيدًا، بينهم 130 طفلًا. فعلى الرغم من اعلان الامم المتحدة حالة المجاعة والتحذيرات اليومية للوكالات والمنظمات العاملة في الشأن الانساني، لكن ذلك لم يُغير الواقع المُعاش حيث ترفض اسرائيل ادخال المساعدات وتفرض حصارًا مُحكمًا على المعابر ما يجعل المئات من الشاحنات في حالة من الانتظار الطويل بالقرب من معبر رفح الحدودي. هذا وأشارت المعطيات إلى استشهاد 150 فلسطينيًا بنيران جيش الاحتلال، 53 منهم في مدينة غزة خلال الساعات الماضية، وذلك مع تمسك العديد من الأهالي في البقاء بمنازلهم ورفض خطط النزوح مجددًا، لاسيما مع عدم وجود أي أماكن آمنة في القطاع.

ميدانيًا، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن نحو 40 ألف جندي احتياط سيتوجهون اليوم، الأربعاء، للوحدات والقواعد ضمن عملية "عربات جدعون 2"، في حين قدرت القناة 13 الإسرائيلية، نقلًا عن مصادر عسكرية، بأن احتلال مدينة غزة قد يستغرق عامًا كاملًا. وهذه الخطط الموسعة الاسرائيلية الهادفة لتفريغ القطاع من سكانه لا رؤية عملياتية واضحة لها خصوصًا أن البحث في ما تسميه "اليوم التالي"، البعيد عن حكم "حماس" والسلطة الفلسطينية، لا يبدو متوفرًا أو يسيرًا بل يلقى معارضة من العديد من الدول التي باتت أكثر انتقادًا وتمايزًا عن الموقف الاسرائيلي. إلى ذلك، لا يزال قرار الولايات المتحدة عدم منح المسؤولين الفلسطينيين تأشيرات دخول لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة يتفاعل، إذ وصفه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بـ"غير المقبول"، داعيًا الى التراجع عنه. كما جدّد موقف بلاده الداعي للاعتراف بالدولة الفلسطينية "هدفنا واضح: حشد أوسع دعم دولي ممكن لحل الدولتين، وهو السبيل الوحيد لتحقيق التطلعات المشروعة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين".

في المقابل، ترتفع وتيرة الانتهاكات والتعديات في الضفة الغربية المحتلة بينما توسع اسرائيل من نطاق خطط الاستيطان التي طلب نتنياهو من وزرائه، وفق صحيفة "معاريف"، "التقليل من الحديث قدر الإمكان" عنها، عازية سبب هذا التكتم "إلى أن إسرائيل تخشى أن يتراجع ترامب، رغم اعتباره صديقًا لإسرائيل، عن دعمه الصامت الذي قدمته إدارته مؤخرًا للبناء في المنطقة "إي 1"، بل ويعارض أي خطوة لفرض السيادة الإسرائيلية". ومن المقرر أن يعقد نتنياهو اجتماعًا أمنيًا سياسيًا من أجل البحث في فرض السيادة على الضفة وذلك في إطار الحملة المتزايدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي تؤكد اسرائيل أنها لن تبصر النور. في وقت تتوقع عدة مصادر بأن تحاول الولايات المتحدة منع انعقاد جلسة الأمم المتحدة المقررة في سبتمبر/أيلول الجاري على أراضيها والحيلولة دون ذلك، وهو أمر لا يبدو مستغربًا إزاء كل الخطوات التي تقوم بها تأكيدًا على دعمها اللامحدود لإسرائيل.

الاوضاع المأساوية والتي تنذر بالمزيد من التصعيد سواء في غزة أو الضفة الغربية، يقابلها انتهاكات واستباحات جديدة تقوم بها قوات الاحتلال في سوريا، حيث أكدت وسائل إعلامية، أن الجيش الإسرائيلي توغل، ليل الثلاثاء، برتل مؤلف من 16 سيارة في قرية الأصبح في ريف القنيطرة جنوب البلاد وأنشأ حاجزًا وفتش عددًا من المنازل وسط تحليق طائرات مسيّرات تابعة لها فوق المنطقة. وهذه الأحداث المتواترة باتت شبه يومية وسط محاولات من عدة دول ومنها واشنطن بالحدّ من تداعيات هذه الخطوات فيما تركز تركيا على أهمية الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها، بحسب ما جاء على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان الذي قال: "من سيلجأ إلى أنقرة ودمشق سينتصر، ومن يضل طريقه ويبحث عن رعاة جدد سيخسر"، ملمحًا من بوابة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تساءل عما إذا كانت "اسرائيل هي التي تمنعهم من الانضمام إلى الجيش السوري رغم الاتفاق مع إدارة دمشق في آذار/مارس الماضي؟". 

ومن سوريا إلى جارتها لبنان التي لا تهدأ فيها الاتصالات والمباحثات قبيل انعقاد جلسة الحكومة بعد غد، الجمعة، للبحث في تطبيق خطة الجيش الآيلة لسحب سلاح "حزب الله". فالمساعي حتى الساعة لا تزال مستمرة من أجل تذليل العقبات رغم أن الطريق أمام ذلك لا يبدو سهلًا بل مزروعًا بـ"الألغام" الاسرائيلية التي تريد من لبنان تقديم تنازلات بينما هي تدك مناطق الجنوب وتعتدي يوميًا على أراضيه دون أي رادع أو وازع. وعليه يمكن القول ان المشهد العام لا يزال يتسم بالضبابية وعدم الوضوح خصوصًا أن الثنائي الشيعي لا يزال يدرس خيارات المشاركة في الجلسة من عدمها وسط اختلافات عميقة في وجهات النظر بين القوى السياسية، بين من هو مع تطبيق خطة الحكومة أو يرفضها بشكل مطلق وبين من يريد التوصل إلى صيغة وسطية لا تفجر الداخل المحموم أصلًا ولا ترفع السقف في وجه الخارج. والتوفيق بين هذين المطلبين يحتاج الى تفاهمات واسعة وقبول دولي بها وهو ما يقوم به رئيس الجمهورية جوزاف عون لنزع فتيل التفجير.

ايرانيًا، يبدو أن اعادة فرض العقوبات يلقي بظلاله وسط تأكيدات من طهران بأن ما تطرحه القوى الغربية من شروط "غير عقلاني". ففي هذا الاطار، احتج المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي على مطالب "الترويكا الأوروبية"، قائلاً إنها "يجب ألا تُفرَض قبل بدء الحوار"، أما أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، فأكد أن الطريق إلى المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة "لم يُغلق بعد"، لكنه حذّر من أن الإصرار الأميركي على فرض قيود على الصواريخ الإيرانية يعرقل أي احتمالات لاستئناف المباحثات. وكانت المفاوضات بين الجانبين توقفت في أعقاب الحرب التي اندلعت في حزيران/ يونيو واستمرت 12 يوماً، حين شنّت إسرائيل والولايات المتحدة ضربات على منشآت نووية إيرانية، وردّت إيران بسلسلة من الهجمات الصاروخية الباليستية على أهداف إسرائيلية.

وعلى المقلب الاخر، طمرت مدينة بأكملها حيث أدى إنهيار أرضي إلى محو قرية ترسين وسكانها، الذين يناهز تعدادهم الألف، في جبل مرة بإقليم دارفور، غرب السودان. ولم ينجُ من هذه الكارثة الطبيعية سوى شخص واحد، ليَروي هول ما حدث، قائلاً إن الانهيار وقع بالتزامن مع أمطار غزيرة، وإنه سمع صرخات النساء والأطفال قبل أن يُطمر كل شيء. بدوره، أكد رئيس حركة "جيش تحرير السودان" عبد الواحد محمد نور أن القرية "مُسحت من الوجود تمامًا"، مطالبًا بانتشال الجثث العالقة قبل تحللها، وسط عجز محلي وعدم توافر القدرات اللازمة للتعامل مع مثل تلك الحوادث.

 وفي الشق الخاص بالجولة الصباحية على الصحف العربية الصادرة اليوم، نلحظ الاهتمام المستمر بالقضية الفلسطينية:

شدّدت صحيفة "الغد" الأردنية على أن عمان "لم تغلق حدودها مع فلسطين حتى اليوم، ولا يوجد توجه حتى اللحظة لإغلاق الحدود، لكن بالتأكيد قد يتم إغلاقها اذا تدهور الوضع في الضفة الغربية، ولن يسمح الأردن بموجات تهجير تشطب الهوية الفلسطينية والهوية الأردنية ايضا، وتؤدي الى خلخلة البلاد اجتماعيًا وسياسياً وامنيًا، وتؤدي الى تفريغ الضفة الغربية"، مؤكدة أن " الخطر غير المعلن يكمن في ان اسرائيل ستتعمد مضاعفة الازمات في محاولة لوضع الأردن امام مأزق، إما التهجير أو استدراجها لادارة حياة الفلسطينيين داخل الضفة وهذا أمر أشد خطورة".

من جهتها، تساءلت صحيفة "الرياض" السعودية، عن سبب غياب المنظمات الحقوقية الغربية من حقوق الإنسان في غزة، موضحة أنها "غابت تمامًا، على اختلاف مستوياتها ومسمياتها، عن إدانة جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل تجاه أبناء فلسطين في الأراضي المحتلة"، مضيفة " الصَّمت الدائم الذي أظهرته المُنظمات الحقوقية الأهلية الغربية تجاه حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المُحتلة، وعدم إدانتها لجرائم الإبادة الجماعية التي تُمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلية، يُؤكد أنها أدوات سياسية قائمة لخدمة الأطراف المُنشِئة والممولة لها".

وضمن السياق ايضًا، رأت صحيفة "الخليج" الاماراتية أنه "رغم محاولات السلطة الفلسطينية التوصل إلى تفاهمات مع الاحتلال لتجميد الاستيطان والوصول إلى حل الدولتين، لكنها فشلت، بل كانت إسرائيل تتمادى أكثر، الأمر الذي وضع شعبية السلطة الفلسطينية على المحك، وأسهم في تعزيز موقف الفصائل الفلسطينية التي تدعو لمواجهة الاحتلال بكل الوسائل، ومن بينها المقاومة المسلحة"، مستنتجة أنه "وإزاء ما يجري حاليًا من مجازر وإبادة جماعية وحملات تجويع ضد الشعب الفلسطيني في غزة وانفلات اليمين المتطرف الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه من عقالهم يبدو الحديث عن حل الدولتين أشبه بوهم، ولاسيما في ظل غياب الإرادة الدولية".

صحيفة "النهار" اللبنانية، أشارت إلى أن "انضمام بلجيكا إلى قائمة الدول الغربية التي تزمع الاعتراف بدولة فلسطين، يبعث برسالة أخرى مقلقة لإسرائيل، كونها غير منفصلة عن تحركات دولية أخرى للضغط من أجل وقف الحرب في غزة والحؤول دون ضم الضفة الغربية"، لافتة إلى أن "هناك رأيان داخل الحكومة الإسرائيلية، أحدهما يدعو إلى ضم كامل للضفة الغربية، والآخر يميل إلى الاكتفاء بضم منطقة غور الأردن، مع تكثيف الاستيطان على غرار مشروع بناء 3400 وحدة استيطانية في منطقة "إي 1" بما "يدفن" فكرة الدولة الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد، وفق تعبير وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش".  

بدورها، تطرقت صحيفة "الصباح" العراقية إلى أن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ونيجيرفان بارزاني رئيس الاقليم من أربيل، "ليس كخصمين، بل كطرفين يتفاوضان ويعرفان أن التفاوض المباشر قد يبني ويبني مزيدا من الاستقرار العراقي". وقالت "قبيل الانتخابات، تشكّلت صورة جديدة. بغداد وأربيل لم تنتهِ خلافاتهما، لكن قيادتيهما قدمتا أنفسهما باعتبارهما طرفين عراقيين متصالحين مع فكرة أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لحماية العراق، وأن مصلحتهما المشتركة عراقيا أكبر من حسابات اعداء المركز والاقليم. وهو ما نجحا فيه وفق قواعد ادارة الازمة وقيادة الصراع معً"، على حدّ تعبيرها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن