منذ احتلالها عام 1967، لم تتوقف المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية، أو ما تسميه إسرائيل فرض "السيادة" عليها، بمعزل عن القوانين والشرعية الدولية، والحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني، فيما يبدو أن الظروف الراهنة أصبحت أكثر ملاءمة لتحقيق الأهداف الإسرائيلية.
وخلافاً لما تدعيه إسرائيل من أن ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها يأتي رداً على نوايا بعض الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطينية، خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الحالي، فإن عشرات الخطط وُضعت لفرض تلك "السيادة" المزعومة على الضفة، بدءاً من خطة الوزير الأسبق إيغال ألون في يوليو/تموز 1967 ثم ضم شرقي القدس عام 1980، وصولاً إلى الخطط التي يجري تنفيذها حالياً بإشراف حكومة اليمين المتطرف، وهي خطط لا علاقة لها بالاعترافات بدولة فلسطينية، وإنما لأسباب دينية وأمنية وسياسية.
بينما هناك خلافات تجري حالياً داخل حكومة اليمين المتطرف بين من يريد إعلان الضم لأسباب دينية عقائدية بالدرجة الأولى، وبين من يعتبره رداً على الاعترافات بدولة فلسطينية. وأيضاً بين من يريد أن يشمل الضم كامل الضفة الغربية، وبين من يريد أن يكون الضم جزئياً، بحيث يشمل غور الأردن، أو المستوطنات الكبرى، أو المناطق المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو، والتي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة.
ربما لا تختلف هذه الخطط كثيراً عما ورد في ما يسمى "صفقة القرن" مع نهاية ولاية ترامب الأولى، وإنما تدور في فلكها. لكن ينبغي الإشارة إلى الواقع الراهن للضفة الغربية الذي فرضته السياسات الإسرائيلية الممنهجة طوال سنوات الاحتلال، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، من توسع استيطاني على حساب مصادرة الأراضي والممتلكات والتهجير وهدم المنازل وتقييد حركة الفلسطينيين وعزل التجمعات الفلسطينية عن بعضها البعض، وصولاً إلى تغيير ملامح الضفة الغربية ومحاولات طمس الهوية الفلسطينية والعربية. ولعل أخطر ما حدث على هذا الصعيد هو محو المخيميات الفلسطينية من الوجود في شمال الضفة وتهجير سكانها لنزع صفة اللجوء عن هذه المخيمات التي تذكّر بحق عودة الفلسطينيين إلى القرى والمدن التي هجروا منها عام 1948.
في حين يترافق كل ذلك مع محاولات شيطنة وكالة "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة والاستيلاء على مقرها في القدس، وحظر عملها ونعتها بالإرهاب، باعتبارها الشاهد الحي الوحيد على النكبة الفلسطينية، والمكلفة برعاية اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم إلى ديارهم وإيجاد تسوية سياسية للصراع. وبالعودة إلى موضوع الضم، سواء كان جزئياً أو كلياً، يبدو أن إسرائيل تجد الفرصة سانحة أمامها لاستغلال فترة ولاية ترامب الثانية، لفرض "سيادتها" على الضفة الغربية، في تحدٍّ صارخ للمجتمع الدولي والشرعية الدولية، تمهيداً للانتقال إلى الخطوة التالية وهي تهجير الفلسطينيين مما تبقى من أرضهم التاريخية، والسعي لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وبما يتماشى مع طموحاتها في إقامة "إسرائيل الكبرى" التي بدأت تفصح عنها علناً مؤخراً.
(الخليج الإماراتية)