الأمن القومي العربي

قتل رئيس وزراء الحوثيين واستقطاب دولي: المشهد اليمني يتعقّد!

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

بعد سنوات من توافق الدول العظمى تجاه الملف اليمني من خلال دعم الحكومة ورفض انقلاب الحوثيين وما نتج عنه، بات الانقسام الآن في مجلس الأمن الدولي عنوانًا لدخول الحرب في هذا البلد العربي مرحلةً جديدة، تتصدّر معها روسيا، وبمساندةٍ صينية، المواقف المعارضة لتوجّهات الولايات المتحدة وبريطانيا.

قتل رئيس وزراء الحوثيين واستقطاب دولي: المشهد اليمني يتعقّد!

إلى ما قبل الحرب في أوكرانيا، حرصت موسكو غالبًا على إظهار موقف تصالحي تجاه التطوّرات في اليمن، وساندت كلّ القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن والتي تُدين الحوثيين وتدعم الحكومة المعترف بها دوليًا، ومع ذلك ميّزت نفسها عن الدول الغربية من خلال تبنّي الدعوة للحوار بين الأطراف اليمنية المُتحاربة، وتجنّبت إدانة أحد الأطراف. غير أنّ هذا الموقف شهد تحوّلاتٍ لافتةً خلال العامَيْن الأخيرَيْن، مع قيادة واشنطن المعسكر الغربي الداعم لنظام الحكم في أوكرانيا وإمداده بالأسلحة والخبرات.

وطيلة الفترة الزمنية الماضية، لم تتّخذ موسكو موقفًا حادًّا تجاه الوضع في اليمن كالذي حدث مؤخّرًا عند مناقشة مجلس الأمن مشروع قرار بتمديد عمل بعثة الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة اليمنية، حيث كانت الولايات المتحدة تُطالب بإنهاء عمل هذه البعثة التي لا ترى حاجة لبقائها. وهو موقف يتطابق مع موقف الحكومة اليمنية التي تتّهم البعثة بالعجز أمام عدم التزام الحوثيين باتفاق ستوكهولم بشأن وقف إطلاق النار في هذه المحافظة التي يوجد فيها ثلاثة من أهم الموانئ البحرية في اليمن.

وفي المقابل، تبنّت روسيا، مدعومةً من الصين، موقفًا معارضًا وطالبت بتمكين البعثة الأممية من أداء كامل مهامها، قبل أن تتدخّل بريطانيا وتقترح تمديد عمل البعثة لمدة 6 أشهر فقط. وهو أوّل تعبير واضح عن الموقف الروسي المُعارض للتوجّهات الغربية إزاء الملف اليمني، وهو ما ترى فيه الحكومة اليمنية موقفًا مساندًا للحوثيين ومؤشرًا إلى أنّ مرحلةً من الانقسام ستطبع الموقف داخل مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل إصدار أي قرار جديد بشأن هذا النزاع صعبًا أو أسيرًا للتوافقات الدولية.

الموقف التوافقي الذي شهدته أروقة مجلس الأمن الدولي بشأن عمل بعثة الأمم المتحدة في الحديدة، لا يبدو أنه قادر على الصمود خلال الجلسات المقبلة للمجلس الذي ينظر في الحالة اليمنية كلّ شهر. إذ يرى مسؤولون في الحكومة اليمنية أنّ تكليف الأمين العام للأمم المتحدة بتقييم عمل البعثة الأممية في الحديدة، واقتراح ما إذا كانت هناك حاجة لبقائها من عدمه، سيكون موضع سجال وتجاذب بخاصة إذا ما فشلت المساعي الأميركية لإبرام اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.

وبعيدًا عن الاتهامات التي وُجّهت من قبل وسائل إعلام غربية إلى الصين بتسهيل وصول الأسلحة إلى الحوثيين، وأحيانًا إلى روسيا بدعم هذه الجماعة من خلال إيران، فإنّ الجانب الحكومي يعتقد أنّ روسيا والصين ستمضيان باتجاه اتخاذ مواقف تُفشل أي قرار أو إعلان من قبل مجلس الأمن يُدين الحوثيين، خصوصًا في ظلّ التصعيد الحاصل في المنطقة وفي جنوب البحر الأحمر.

ومع ذلك، فإنّ تطوّرات الصراع في المنطقة والعالم تُظهر أنّ استعادة وحدة موقف الدول الكبرى تجاه الملف اليمني لم يعد يرتبط بالحرب الأوكرانية وحدها، بل إنّ الملف النووي الإيراني أصبح حلقةً في هذا الملف الذي مضى عليه أكثر من عقد. ويجزم المسؤولون اليمنيون أنّ طهران تستخدم الحوثيين كأداة ضغطٍ في هذا الجانب، وتدفعهم لتصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين عبر استهداف الملاحة في جنوب البحر الأحمر وإطلاق الصواريخ والمُسيّرات نحو إسرائيل.

ويُسند هؤلاء قناعتهم هذه إلى أنّ الحوثيين باتوا الآن الذراع الإيرانية الفاعلة في المنطقة بعد أن فقدت طهران أبرز حليفَيْن لها، هما "حزب الله" في لبنان ونظام حكم بشار الأسد في سوريا. ويشترك قطاع عريض من اليمنيين معهم في هذا الاعتقاد الذي يربط أي انفراجة في مسار التسوية اليمنية بالتوصل إلى اتفاقٍ بشأن الملف النووي الإيراني، لأنّ الحرب في هذا البلد هي حرب بالوكالة أساسًا، ولأنّ القرار اليمني لم يعد بيد الأطراف المتحاربة، بل انتقل إلى أيادي أطراف إقليمية ودولية.

ويزيد من تعقيد المشهد في اليمن مقتل رئيس حكومة الحوثيين وعددٍ من وزرائه في غارات إسرائيلية عنيفة استهدفت أحد المباني في صنعاء، حيث هدّد الحوثيون بالانتقام، وهو ما سيدفع الوضع إلى مساراتٍ أخرى، يتراجع معها الاهتمام الإقليمي والدولي بالصراع الداخلي مع الحكومة المُعترف بها دوليًا.

ويُضاعف من هذه القيود، الموقف الأميركي المعارض لخريطة السلام التي كانت الأمم المتحدة أعلنت التوافق عليها في نهاية العام 2023 بجهدٍ سعوديّ - عُمانيّ، قبل أن تُعلّق هذه الخريطة مع دخول الحوثيين على خط المواجهة مع إسرائيل واستهداف السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن