رهانات

مرّت القمم والمؤتمرات المعنية بالمناخ بمنعرجات عدة منذ بدأ الانتباه إلى هذا الملف. وقليلاً ما تحقق الاتفاق في هذه المناسبات وفي خواتيمها، وإن حدث فليس بالسهولة المتصورة وسط تنصل قوى كبرى من مسؤولياتها تجاه إصلاح ما كانت سبباً رئيسياً في إفساده، وإعلاء المصالح الفردية على العالمية، وتفضيل التناحر السياسي والاقتصادي على العمل البيئي الموحد الذي يتوخى صالح الكوكب وسكانه.

من هنا، يتبدى سعي الإمارات إلى تنظيم نسخة استثنائية من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وأن تكون النسخة الثامنة والعشرون من «كوب 28» تحولاً في مسيرة العمل الدولي في هذا الإطار. والاستثنائية هنا لا تأتي من دقة التنظيم، وحسن الاستضافة، وشمولية التمثيل، فذلك مفروغ منه بالنظر إلى نجاحات الدولة في احتضان فعاليات دولية، وإنما التركيز الأهم على مضمون المناقشات والسجالات المنتظرة، والأهم الخلاصات والنتائج.

في قلب ما تسعى إليه الإمارات نجاح المؤتمر في تحقيق الزخم اللازم لموضوع المناخ بحيث لا يصبح مناسباتياً أو طارئاً، إنما يتواصل فيه العمل المشترك المنطلق من إدراك فداحة الأخطاء التي أفضت وتفضي إلى التغير المناخي الذي تتجلى آثاره السلبية في أركان العالم بغير استثناء، لكنها أشد وقعاً في بعض الدول.

وهذا الإدراك المشترك لا يمكن أن يتحقق بغير توافق سياسي يقود إلى خريطة للعمل المشترك تضمن مواجهة مسؤولة للتحديات المناخية والاشتراك في كلفة مواجهتها قبل أن تستفحل.

ولا شك أن الإمارات، وهي تترأس المؤتمر في نسخته الثامنة والعشرين، قادرة بعلاقاتها المتوازنة مع كل الأطراف على تحقيق هذا التوافق وجعله نموذجاً جديداً للعمل الدولي المأمول في التعامل مع الملفات العالمية. وفي هذا الاتجاه تبذل الدولة جهوداً متواصلة منذ الإعلان عن استضافتها الحدث العالمي، وهي جهود تميزها المسؤولية والإدراك التام لأهمية الموضوعات المطروحة، والحرص على اتباع نهج شامل يحتوي الجميع عبر مراحل التخطيط للمؤتمر وتنظيمه؛ لضمان تجربة ميسرة ومتكاملة للوفود المشاركة. 

هذه الجهود تتوخى، مستفيدة من سمعة الإمارات ومكانتها، التوفيق بين الآراء وتحقيق إجماع عالمي حول سبل التعامل العاجل والشامل مع تداعيات تغير المناخ التي لا يخفى على أحد صورها المتعددة والمتوالية في قارات العالم وما تنطوي عليه من خسائر هائلة.

وقياساً على ملابسات ونتائج نسخ سابقة من الملتقيات العالمية حول المناخ، ربما لا تكون هذه التداعيات كافية وحدها لتحرير القوى الفاعلة في هذا الملف من أنانيتها وعنادها، لذلك تراهن الإمارات على إحراز تقدم في هذا الجانب واستثمار فرصة المشاركة الواسعة في «كوب 28» للانتقال المسؤول من مرحلة التعهدات التي طالت، إلى آفاق العمل السياسي المشترك والملتزم بإنجاز حقيقي يحمي موارد الكوكب وسكانه.

("الخليج") الإماراتية

يتم التصفح الآن