صحافة

إيران.. والبحث عن البديل الثالث

محمد السعيد إدريس

المشاركة
إيران.. والبحث عن البديل الثالث

عندما قررت دول الترويكا الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) الشريكة مع كل من روسيا والصين والولايات المتحدة في مجموعة (5 + 1) التي وقعت على الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، إعلان فشل تفاوضها مع إيران على "اتفاق نووي جديد" بديل لاتفاق عام 2015، الذي ينقضي مفعوله رسمياً يوم 18 أكتوبر/ تشرين أول المقبل، وعندما قررت التوجه يوم الأربعاء 13 أغسطس/ آب الماضي إلى مجلس الأمن بطلب تفعيل آلية "سناب باك" (الضغط على الزناد)، وما تتضمنه من البدء في إعادة فرض مجموعات العقوبات الدولية التي سبق تجميدها عقب التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، عندما قررت ذلك فإنها كانت تعني أن "زمن التفاوض مع إيران قد انتهى".

وأن إيران ستكون أمام خيارين، إما أن تقبل بالشروط الثلاث التي طالبت بها دول "الترويكا" الأوروبية، وإما الخضوع الاضطراري مجدداً لعقوبات لا تستطيع تحمل تبعاتها، خاصة في ظل أوضاعها الصعبة التي تعيشها بعد تعرضها للهجوم الأمريكي – الإسرائيلي فى 13 يونيو/ حزيران الماضي، الذي استهدف ظاهرياً تدمير القدرات النووية والصاروخية الإيرانية، بينما كان يستهدف فعلياً خلق حالة شعبية تتطور إلى "إسقاط النظام" في طهران.

شروط الترويكا الأوروبية الثلاث، التي بسبب رفض إيران لها قررت تفعيل زمن العقوبات الدولية المعلقة على إيران، هي: أن تسمح إيران بعودة مفتشِي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الوصول إلى منشآت برنامجها النووي، وأن تعالج المخاوف الدولية بشأن مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب (400 كيلو جرام بتخصيب وصل إلى 60%)، وأخيراً الدخول في محادثات رسمية مع الولايات المتحدة، وهي المحادثات التي سبق أن رفضتها إيران بسبب الإصرار الأمريكي على أن تلبي إيران الشرط الأمريكي، الذي تدرك أنه شرط إسرائيلي محض، الداعي إلى منع إيران نهائياً من أي نشاط لتخصيب اليورانيوم، و"تصفير" كل مخزونها من اليورانيوم المخصب.

شروط صعبة ترفضها إيران، لكن البديل وهو الخضوع للعقوبات الدولية مجدداً بكل شموليتها وتنوعها وقسوتها ربما يكون بديلاً لا يقل صعوبة، وفي الحالتين: القبول بالشروط أو التعرض للعقوبات، تجد إيران نفسها في أسوأ اختياراتها وفي أسوأ اختباراتها. السؤال الذي يشغل الإيرانيين الآن هو: هل من بديل ثالث؟ متابعة الانخراط الإيراني لتجاوز هذا المأزق يكشف عن خيارين بديلين، أولهما اللجوء للاحتماء دبلوماسياً داخل مجلس الأمن بالحليفين الروسي والصيني، وثانيهما رفض تقديم تنازلات تعرف أنها ربما تكون توطئة لجر إيران مجدداً إلى خيار الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، تُعد لها إسرائيل وتتهيأ لها الولايات المتحدة، وتخطط لخلق "أزمة سياسية" مع إيران حول برنامجها النووي على غرار الأزمة التي جرى خلقها من جانب الولايات المتحدة في جولة التفاوض الأمريكي مع إيران، التي سبقت هجوم الثالث عشر من يونيو/ حزيران الماضي.

اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع نظيريه الروسي والصيني في "تيانجين" بالصين على هامش قمة دول "منظمة شينغهاي للتعاون" التي تحظى إيران بعضويتها العاملة مع روسيا والصين والهند ودول آسيوية أخرى، كشف عن انخراط روسي صيني مع إيران في معركة دبلوماسية لوقف أو لتأجيل البحث في المهلة المحددة لإيران من جانب دول الترويكا الثلاث التي لا تتجاوز شهراً واحداً، وخلق فرصة لإيران لحل دبلوماسي بديل، ربما يكون مشروع القرار الروسي المُعد للطرح على مجلس الأمن مخرجاً مهماً لهما من الأزمة.

مضامين الموقف الروسي – الصيني تكاملت مع الموقف الإيراني في رسالة مشتركة وقع عليها وزراء خارجية الدول الثلاث: روسيا والصين وإيران، ونشرها وزير الخارجية الإيراني على منصة "إكس" في الأول من سبتمبر/ أيلول الحالي، من أبرز ما تضمنته هذه الرسالة الثلاثية: رفض تحرك دول "الترويكا" الأوروبية لإعادة فرض العقوبات الأممية على طهران بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015، أي قبل عشرة أعوام، واعتبار أن "هذه الخطوة (إعادة فرض العقوبات الأممية) معيبة من الناحيتين القانونية والإجرائية، ولها تأثير سياسي مدمر"، وأنها تمثل "إساءة استخدام لسلطة مجلس الأمن ومهامه".

وفي هذه الرسالة قال وزير الخارجية الإيراني في معرض عرضها أن "إعلان بطلان خطوة (الترويكا الأوربية) جاء لتأكيد حقيقة لا يمكن إنكارها هي: أن الولايات المتحدة كانت أول من انتهك الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل المشترك) وقرار مجس الأمن الصادر بشأنها (القرار 2231) ، بينما اتخذت أوروبا لاحقاً الانحياز إلى العقوبات غير القانونية بدلاً من الوفاء بالتزاماتها".

بموجب هذه الرسالة تنشط الدول الثلاث داخل أروقة مجلس الأمن ضمن سقف المشروع الروسي الذي يقضي بتمديد الاتفاق النووي الذي سينقضي رسمياً في 18 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لمدة 6 أشهر ويحث جميع الأطراف على استئناف المفاوضات. الخيار الدبلوماسي شديد التعقيد، وهذا ما يجعل إيران واعية بأنها مستهدفة بـ"حرب جديدة" تحقق ما عجزت الحرب الأولى في يونيو/حزيران الماضي عن تحقيقه، وفق تصريحات وتأكيدات إسرائيلية وتلميحات أمريكية، لكن إيران واعية أيضاً لأنها يجب ألا تُدفع إلى خيار البدء بـ "حرب وقائية"، لكنها يجب أن تكون مستعدة للنجاة من حرب تُدبر لها، وأن تُجبر الأطراف المعادية على دفع الأثمان.

(الخليج الإماراتية)

يتم التصفح الآن