تعمل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقفز فوق القانون الدولي والشرعية ومواثيق الأمم المتحدة، بطرح خطة تتولى بموجبها الوصاية على قطاع غزة، وتعيين حاكم أمريكي يدير شؤون غزة لمدة 10 سنوات على الأقل، يضع ترامب الأولوية بالنسبة له إسرائيل ومطالبها موضع التنفيذ.
وهذا التحول هو عكس ما روجه في حملته الانتخابية العام الماضي، بأنه رجل سلام، وسيوقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة، فجميع تحركات وقرارات ترامب تؤكد عدم اهتمام بالسلام، بل بالحروب، وسفك الدماء وتشجيع مجرم الحرب نيتانياهو على استكمال مخططه بضم أجزاء من الضفة الغربية والاحتلال الكامل لقطاع غزة، ولم يكترث ترامب بسقوط نحو 250 ألف فلسطيني ما بين قتيل ومصاب ومفقود على مدى عامين، ولا أحد يعرف كم عدد الضحايا الذين سيقتلون خلال الأيام المقبلة مع قيام جيش الاحتلال بالهجوم على مدينة غزة، رغم وجود 800 ألف فلسطيني يقيمون في خيام أو بعض المنازل بالمدينة.
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الوثيقة الخاصة بالوصاية على غزة، وتشمل 38 صفحة، بها كل التفاصيل المتعلقة بعودة الاستعمار الأمريكي في ثوبه الجديد ليحكم غزة، ويكون الحاكم الأمريكي هو المنفذ لسياسات إسرائيل، وبالنظر إلى الخطة الأمريكية تحويل القطاع لمنتجع سياحي ومركز للتكنولوجيا لكن الهدف غير المعلن هو تحويل غزة إلى قاعدة عسكرية أمريكية، وتسيطر الولايات المتحدة على هذا المكان، وتصبح قريبة من كل موارد البترول والطاقة والثروات في المنطقة، وتكون غزة جزءا من الممر الاقتصادي الذي تحدثت عنه إدارة بايدن قبل عامين، والذي يربط الهند بدول الخليج والشرق الأوسط وأوروبا مرورا بإسرائيل، بهدف وقف مسار طريق الحرير الصيني، وقطع الطريق أمام التحرك الصيني وطريقها الذي يربط الخليج ومصر وشمال إفريقيا والوصول إلى أوروبا.
تخطط إدارة ترامب مع نيتانياهو لتنفيذ الوصاية التي يرفضها الشعب الفلسطيني، والعالم كله لن يوافق على هذه الخطة التي ستكون لها تأثيرات سلبية خطيرة على الأمن والسلم الدوليين، ولن تؤدي إلى سلام، ولن تؤدي إلى الأمن لإسرائيل، بل ستزداد الكراهية وموجات الإرهاب، بل وربما ستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها لعقود مقبلة بفعل هذا التحرك الأمريكي ـ الإسرائيلي الخطير، الذي يتجاوز كل القوانين والأعراف الدولية، ولن يخدم سوى مصالح الاستعمار الأمريكي ــ الصهيوني.
وتحدثت الوثيقة عن إخلاء غزة من سكانها بالكامل، أي مليوني فلسطيني يطلب منهم الهجرة عن وطنهم إلى خارجه، مع عرض حوافز لمن يرغب في الهجرة بمنحه 5 آلاف دولار إلى جانب إيجار سكن لمدة 4 سنوات وقيمة الغذاء لمدة عام، ومنذ مجىء ترامب في 20 يناير الماضي، وتصدر عنه قرارات وتصريحات تؤدي إلى حالة من الارتباك في العالم، خاصة التحركات المتعلقة بالشرق الأوسط، ومنها مسألة قبول مصر الفلسطينيين في سيناء، وكان الرد المصري الحاسم من الرئيس عبدالفتاح السيسي بعدم المشاركة في هذا الظلم، وعدم الموافقة على التهجير تحت أى مسمى لأنه يعني ببساطة تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على حلم إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وتحدث ترامب في شهر فبراير الماضي عن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق"، ورفضت مصر والعالم كله هذا المخطط. أحاديث وتحركات ترامب كلها لا يستهدف منها تحقيق أي مصلحة لا عربية ولا فلسطينية، بل تحقيق مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل على حد السواء. لدى ترامب وإدارته حالة من عدم التوازن، بل والتخبط بشأن ملفات عديدة، وفي مقدمتها ملف غزة، ولم تسع هذه الإدارة لوقف العدوان، بل منحت نيتانياهو كل احتياجاته من الصواريخ والقنابل، والتي كانت قد أوقفتها إدارة بايدن.
المرحلة المقبلة خطيرة على المنطقة والعالم في حالة الإصرار على تهجير مليوني فلسطيني من غزة، وهو ما يتطلب توحيد الموقف العربي مع الشركاء الدوليين الرافضين لهذه المخططات، خاصة فرنسا وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا، وباقي الدول، وعدم تمرير مسألة وصاية الولايات المتحدة على غزة، وترك الشعب الفلسطيني ليختار من يحكمه دون وصاية من أحد، واشنطن تتجاوز كل القوانين بخططها لإدارة غزة على جثث أهلها الذين سيدافعون عن وطنهم لوقف المخطط الصهيو ـ أمريكي.
(الأهرام المصرية)