مستقبل غزة ومقاربة ترامب

 تتوهم الإدارة الأميركية أنها قادرة على الدفع بمسألة غزة، وإقرار الترتيبات الأمنية إلى الأمام من خلال إعادة تدوير الحسابات والتقييمات السياسية والاستراتيجية سواء بالتأكيد على الحل الاقتصادي، وإقامة "الريفييرا"، أو من خلال التحرك في إطار استراتيجية دعم الحكومة الإسرائيلية بل وتشجيعها على المضي قدماً في مسار العمل العسكري في مدينة غزة.

ولم يعد هناك تحرك مسؤول من الإدارة الأميركية ومسؤوليها حول وقف إطلاق النار، أو العودة للتفاوض بل العكس هو ما جرى بداية من عزوف المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف عن الانخراط المعلن في دعم الجهود الداعية لوقف الحرب، وتنفيذ مخطط ويتكوف نفسه مروراً بالإجراءات والتدابير التي أعلنتها الإدارة في حق الرئيس الفلسطيني ومسؤولي السلطة وعدم منحهم تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة انعقادها في سبتمبر الجاري ما يحيط بهذه الدورة من تطورات تتعلق بالفعل بالاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية إضافة إلى 10 دول أوروبية أخرى، ما قد يؤدي لتبعات أخرى تتعلق بمواقف باقي الدول الأوروبية، وهو ما تتخوف من تبعاته إسرائيل والولايات المتحدة.

ومن ثم فإن المخطط المشترك بين البلدين، هو العمل معاً على المسار نفسه من خلال إحباط أي مسار لدعم السلطة، والانتقال تدريجياً لنزع شرعية وجودها في الخارج وتقويض أركان الضفة بدليل تشجيع مخطط فصل القرى والمدن الفلسطينية، والعمل على تقسيم الضفة إلى كانتونات، والحديث الجاري حول الضم، ما يعني أن الضفة ليست بمنأى عما يجري من مخطط شيطاني في قطاع غزة، والعمل على إقرار الترتيبات الأمنية بالقوة ومن خلال سلسلة إجراءات تتعلق بالاستمرار في العمليات العسكرية في مدينة غزة،، مع التخطيط لاحتلال مساحة 80% من مساحة المدينة، وحسم لأمر خاصة وأن التخوفات المتعلقة بما يجري من مقاومة فلسطينية محسوب وارد بالفعل في إطار مخاوف إسرائيلية من انفتاح المشهد السياسي إلي سيناريوهات قد تكون صفرية.

ولهذا فإن الإقدام على مزيد من الإجراءات داخل الضفة وتأييد الإدارة الأميركية لما يجري إسرائيلياً سيؤدي إلى تغيير الواقع الديمغرافي على الأرض، وإعادة بناء شرعية محلية للعشائر تحسباً، لأي تغيير حقيقي يمكن أن يتم في الساعة التالية بعد الرئيس محمود عباس، ما يؤكد أن الإدارة الأميركية تعمل على محاصرة السلطة، ودعم إسرائيل في خطها السياسي والأمني.

ولهذا فإن مؤسسات صنع القرار الأميركي ستعمل على دعم وتعزيز نمط العلاقات الأميركية الإسرائيلية بصورة متطورة، والانتقال إلى تقديم قائمة تحفيزية للجانب الإسرائيلي بل ودفعه للمزيد من التمادي في مخططه في الضفة والقطاع ما قد يؤكد خطورة ما يجري، حيث اختفى الحديث الحقيقي عن وقف إطلاق النار والاتجاه إلى اعتبار أن ما يجري في غزة ليس إبادة أو حرب تجويع بل هو نتاج ما تقوم به "حماس"، الأمر الذي يدفع إلى تبني إجراءات وتدابير مختلفة وأهمها رفض الدفع بتحقيق التسوية وفقاً لمقترح ويتكوف بل الانتقال إلى خطاب إعلامي وسياسي يؤكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

يبقى التأكيد إذن على عدة ثوابت أهمها أن أي ترتيبات أميركية جار طرحها أو العمل عليها بشراكة إسرائيلية، لن يكتب لها أي نجاح في ظل استمرار أزمة غزة، حتى بعد احتمالات احتلال القطاع بالكامل، وفي ظل ما تخطط له إسرائيل من دفع الولايات المتحدة للمشاركة في حكم القطاع من خلال تعيين حاكم أميركي من أصول فلسطينية والانتقال إلى إدارة مشتركة لبعض الوقت لحين اتضاح الرؤية ونقل الحكم لسلطة أخرى، وقد يأخذ ذلك وقتاً طويلاً غير معلوم، وستتحكم في ضبطه الحكومة الإسرائيلية بالأساس، على اعتبار أن مسؤولية الأمن وضبط الداخل مسؤولية إسرائيلية.

والإشكالية الرئيسة أن الإدارة ليس لديها المقاربة المستقرة والمدروسة للتعامل في قطاع غزة أو الضفة، فهذا الأمر يحتاج تخطيطاً جيداً ورؤية مستفيضة، وليس إجراءات عاجلة، ومن دون إلمام بتاريخ الصراع في الشرق الأوسط، بما في ذلك قطاع غزة، ومن ثم فإن الرهانات الأميركية على تغيير الواقع الراهن تحتاج خطوات حقيقية، وليست تصريحات قد تُطلق في توقيتات محددة، ويتم التراجع عنها لاحقاً. في كل الخيارات المقبلة والمحتملة، فإن الإدارة الأميركية ستستمر في دعم إسرائيل، وستعمل على توفير كل الفرص لتنفيذ مخطط الحكومة الإسرائيلية، ليس فقط في القطاع أو الضفة، وإنما أيضاً في كل نطاقاتها الاستراتيجية.

(الاتحاد الإماراتية)

يتم التصفح الآن