عبر الرئيس الأمريكي ترامب عن قلقه من قمة شنغهاي، ووصف روسيا والصين بأنهما يتآمران مع كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة، ولم تختلف تصريحات قادة أوروبا كثيرا عن الموقف الأمريكي، الذي رأى في قمة شنغهاي تحديا خطيرا، وأنه خطوة نحو تحالف مناوئ للغرب. هناك ما يبرر غضب ترامب الذي كان يراهن على اجتذاب الرئيس الروسي بوتين بعيدا عن الصين، التي يعتبرها العدو الأخطر على مكانة الولايات المتحدة، ووجد بوتين يوقع 20 اتفاقية تعاون جديدة مع الحليف الصيني، من بينها تدشين خط غاز "قوة سيبيريا 2"، وهو ما يحقق مزايا لكلا البلدين الكبيرين، روسيا ستجد سوقا للغاز يعوض توقف أوروبا عن استيراده، بما يعزز اقتصاد روسيا، وكذلك ستحصل الصين على غاز أرخص بكثير، يجعل سلعها أكثر تنافسية، والأهم أنه أكثر أمانا، لأنه خط مباشر بين الدولتين.
وكان لحضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي القمة بعد 7 سنوات من القطيعة دلالة مهمة على أن الهند تفضل التعاون مع الصين رغم الخلافات الحدودية، وعدم الرهان على أمريكا المتقلبة التي تفرض شروطا مجحفة تعرقل نمو الاقتصاد الهندي، من بينها وقف استيراد الهند لغاز ونفط روسيا الرخيص، ومنعها من استيراد الأسلحة الروسية، وكانت التصريحات المتبادلة بين شي بينج ومودي عن رقصة التنين الصيني مع الفيل الهندي تعبيرا واضحا عن تعاون متنام بين أكبر دولتين بالعالم، وتأكيد تعميق التعاون من أجل عالم أكثر عدالة، متحررا من هيمنة الغرب.
لم تكن الكلمات وحدها ما تقلق الغرب، خصوصا أمريكا، وإنما اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري، إلى جانب اتفاقيات اقتصادية واسعة تستبعد الدولار الأمريكي ومنظومة سويفت، من بينها اتفاقيات مع دول خليجية باليوان الصيني. وكان حضور قادة 20 دولة تمثل أكثر من نصف سكان العالم يؤكد أن منظمة شنغهاي تتوسع من حيث العدد والعمق، وأمامها طلبات من دول أخرى تطمح للانضمام، وجدت في منظمة شنغهاي ملجأ تلوذ به من العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية والعسكرية، والتدخل المفرط في شؤونها الداخلية، سواء عبر قروض صندوق النقد الدولي أو فرض الرسوم الجمركية على صادراتها، أو العقوبات التي توسعت وأصبحت حملا ثقيلا على معظم دول العالم.
إن ما يجذب دول الجنوب إلى منظمة شنغهاي ليس فقط ما توفره من دعم وتعاون، وتقديم فرص استثمار وتبادل تجاري أوسع، وإنما لأن الضغوط الأمريكية المفرطة جعلتها تبحث عن بديل يمتلك قدرات تمكنها من الصمود أو على الأقل تحسين شروط التبعية للغرب. لم يتوقف القلق الأمريكي عند هذا الحد، بل كان العرض العسكري المهيب للقوات الصينية يحمل رسائل مرعبة، فالرئيس الصيني استعرض القوات المشاركة في مسيرة بسيارة مكشوفة لعدة كيلومترات، بين عشرات آلاف الجنود والضباط ومعداتهم، كان بعضها يؤكد أن الصين تجاوزت أمريكا في تطور الكثير من المعدات العسكرية.
كانت طائرات الجيل السادس الصينية تعبر عن تقدم الصين بخطوة عن القوة الجوية الأمريكية التي ظلت تحتكر المقدمة لعقود، وتميزت الطائرات الصينية بأن لديها صواريخ خارج مجال الرؤية، يمكن توجيهها بأكثر من وسيلة نحو هدف يبعد نحو ألف كيلو متر، ورادارات أبعد مدي. ولم يكن تطور القوة الجوية الصينية الوحيد، فالتفوق الصيني كان واضحا في أكثر من سلاح، منها صواريخ فرط صوتية نووية وتقليدية تتجاوز سرعتها 26 ماخ، وصواريخ فرط صوتية مضادة للطائرات والصواريخ، وطائرات مسيرة شبحية تتجاوز سرعة الصوت، ومزودة بمنظومة ذكاء اصطناعي يمكنها تعديل القرارات وفقا لما تكشفه من أهداف ومعلومات، لتختار الأنسب والأهم، مع القدرة على المناورة لتجاوز الدفاعات الجوية، وريبوتات مقاتلة.
وكذلك منظومات دفاع جوي لديها رادارات فائقة التطور، قادرة على كشف الطائرات الشبحية، وصواريخ يتعدى مداها الصواريخ الأمريكية، ما يعني أن الصين لم تتجاوز القوة البحرية الأمريكية فقط، بل القوات الجوية والدفاع الجوي والصواريخ فرط الصوتية والطائرات المسيرة، وكذلك أسلحة جديدة مثل الذخائر الكهرومغناطيسية القادرة على شل كل الأجهزة الإلكترونية والاتصال والكهرباء، وأيضا قذائف الليزر الفعالة والسريعة ضد أي أهداف جوية.
تحقيق الصين هذه القفزة الهائلة في الصناعات العسكرية يستند الى قاعدة متطورة وواسعة ومتكاملة للصناعة الصينية، جعلتها على سبيل المثال تنتج أكثر من نصف سفن العالم، بواقع 500 سفينة صينية مقابل كل سفينة أمريكية، وكذلك نصف قطارات العالم فائقة السرعة. ويأتي التحالف الواضح بين روسيا والصين ليضيف المزيد من القوة، وكذلك كوريا الشمالية التي تمتلك جيشا ضخما وأسلحة نووية مرعبة، وانضمت إيران رسميا لتكون رقما جديدا ومهما في منظمة شنغهاي. من هنا يأتي القلق الأمريكي، الذي يصل حد الخوف من بروز قوة لا يمكن إيقافها، ومن شأنها أن تغير شكل وموازين القوى في العالم.
(الأهرام المصرية)