أثار الهجوم الذي وقع قرب مدينة تدمر وسط سوريا وأدى لمقتل جنديين أميركيين ومترجم مدني الكثير من الأسئلة حول توقيته وأهدافه في وقت تسعى دمشق فيه إلى استعادة علاقاتها مع الخارج، وتحديدًا مع الولايات المتحدة الأميركية، وتعزيز مشاركتها في التحالف الدولي كما توقع النتائج الايجابية لرفع عقوبات "قانون قيصر" بشكل كامل، على الرغم من الشروط الموضوعة لذلك. ولكن عملية أمس ستسهم في خلط الأوراق، لاسيما ان هناك أطرافًا داخلية وخارجية مستفيدة مما حدث وتمني النفس بعرقلة المسار الذي تتخذه "سوريا الجديدة" وهو ما سيكون محل رصد خلال الأيام القليلة المقبلة لأنه يعيد إلى الواجهة خطر تنظيم "داعش" واستمرار وجوده وقدرته على زعزعة الأمن.
وبعد العملية التي لاقت الكثير من الإدانة والاستنكار من قبل السلطات السورية، شدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أن الولايات المتحدة سترد على تنظيم "داعش" إذا تعرضت قواتها لهجوم آخر. وأوضح، في تصريحات أدلى بها للصحفيين أمام البيت الأبيض، أن الأميركيين الثلاثة قتلوا في كمين، وأن ما حصل كان هجومًا شنّه تنظيم " الدولة الإسلامية" ضد كل من الولايات المتحدة وسوريا، مشيرًا إلى أن الهجوم وقع "في منطقة شديدة الخطورة ولا تسيطر عليها تمامًا" الحكومة السورية. كذلك، قال ترامب عبر منصته "تروث سوشيال" إن "الرئيس السوري أحمد الشرع غاضب ومستاء للغاية من هذا الهجوم". كما توعّد وزير الحرب بيت هيغسيث بأن "كل من يستهدف الأميركيين ستتم مطاردته وقتله دون رحمة". فيما سارع المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك إلى التأكيد على أن أي هجوم على الأميركيين سيُقابل بـ"عقاب سريع وحاسم"، مرحبًا بما أسماه "التزام الرئيس السوري القوي الذي يشاركنا عزمنا الراسخ على تحديد هوية مرتكبي هذا الهجوم وملاحقتهم ومحاسبتهم".
هذا وتبدي إدارة ترامب انفتاحًا كبيرًا على الإدارة السورية الجديدة وقد أكدت أكثر من مرة بأنها ستمنحها الفرصة الكاملة من أجل النهوض بالبلاد بعد الحرب الدموية التي استمرت 14 عامًا. ولكن هذه الفرصة تواجه الكثير من "المطبات"، لكثرة الدول والأطراف التي على ما يبدو "منزعجة" من التقارب الأميركي – السوري ومن الخطوات "المتسارعة" المتخذة، ففي أقل من عام حققت إدارة الشرع الكثير من الانجازات على الرغم من التحديات الجسام التي تواجهها في بلد مدمر على مختلف الأصعدة. وهذه العملية تشكل "جرس إنذار" حقيقي، خصوصًا أنها المرة الأولى التي يُسجل فيها حادث مماثل منذ سقوط نظام بشار الأسد قبل عام. بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا إنه "كانت هناك تحذيرات مسبقة من طرف قيادة الأمن الداخلي للقوات الشريكة في منطقة البادية"، مضيفًا أن "قوات التحالف الدولي لم تأخذ التحذيرات السورية باحتمال حصول خرق لـ"داعش" بعين الاعتبار". وإذ كشف أن المُهاجم كان عضوًا بقوات الأمن و"يتبنى فكرًا متشددًا"، لفت إلى أنه "لم يكن يشغل أي منصب قيادي".
إلى ذلك، أفادت وسائل إعلام سورية بأن قوات أميركية وسورية نفذت عمليات اعتقال عقب الهجوم شملت عددًا من الأشخاص في مدينة تدمر، التي كانت سابقًا تحت سيطرة التنظيم المتطرف ومسرحًا لإجرامه ووحشيته التي لم يسلّم منها لا البشر ولا الحجر. ولا تزال "داعش" تمتلك العديد من الخلايا الارهابية التي تعمل تحت إمرتها وكانت تقارير أممية تحدثت عن خطرها وكيفية استعادة نشاطها منذ سقوط النظام، ما يضع عبئًا إضافيًا على الحكومة السورية التي تراهن على استعادة السيطرة وفرض نفوذها خاصة أن هناك مناطق شاسعة لا تزال غير خاضعة لها. بدوره، عبّر قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي عن أسفه على سقوط ضحايا، معتبرًا أن "ازدياد هذه الهجمات يتطلب مزيدًا من الإرادة وبذل الجهود المشتركة على المستوى الوطني في عمليات مكافحة الإرهاب وخلاياه". وتخوض "قسد" مباحثات "شاقة" مع حكومة الشرع للتوصل إلى تسوية "ترضيها"، برعاية أميركية، خلاصة أن اتفاقًا سبق وتم توقيعه بين الجانبين في 10 آذار/ مارس ولكن تطبيقه تعثر بسبب وجود اختلافات "حادة" في وجهات النظر.
وتنتهي مع نهاية العام الجاري 2025، المهلة المحددة لتطبيق هذا الاتفاق الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وعبدي، وسط تقارير تفيد عن تقدم "قسد" بطلب إلى الحكومة السورية لتمديد فترة تنفيذ الاتفاق 3 أشهر إضافية. وينص الاتفاق على دمج كامل مؤسسات شمال شرق سوريا ضمن الدولة السورية، ودمج "قسد" ضمن الجيش السوري. وتمارس تركيا ضغوطًا متزايدة في هذا الإطار مع تصنيفها "قسد" ضمن الجماعات الارهابية، محملة إياها كامل المسؤولية، حيث اتهمها وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بأنها "تستمد جرأتها من إسرائيل"، مشيرًا إلى أنها لم تتحرك يومًا مع المعارضة ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. أما المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية ذكي آق تورك، فأوضح أن بعض الدول تشجع قوات "قسد" على رفض إلقاء السلاح وعدم الاندماج في صفوف الجيش السوري، نافياً نية بلاده شنّ عملية عسكرية في سوريا، واضعًا التحركات الأخيرة للجيش التركي في إطار "عمليات تناوب اعتيادية للوحدات".
هذه التهم لقوات "قسد" تترافق مع التصعيد الاسرائيلي في جنوب سوريا وتعثر التوصل إلى إتفاق على الرغم من الجهود التي تبذلها واشنطن، والتي سبق ودعا رئيسها اسرائيل إلى "حوار جدي وحقيقي" مع دمشق. وبات من المعروف أن المقاربة الاميركية تختلف عن حليفتها تل أبيب، التي تريد الاستمرار في احتلال الأراضي التي سيطرت عليها بعد سقوط نظام الأسد ومحاولتها بقاء دمشق في اتون الفوضى ومن هنا المساعي الحثيثة التي بذلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أجل منع رفع العقوبات المفروضة على سوريا. ويلعب المبعوث الأميركي توم برّاك دورًا محوريًا، إذ أفادت معلومات اسرائيلية إلى انه بصدّد زيارة اسرائيل يوم الإثنين المقبل للبحث مع نتنياهو في منع التصعيد في لبنان وسوريا. ويعاني البلدين الجارين من استباحة تل أبيب لسيادتهما وزيادة مستوى انتهاكاتها واعتداءاتها بشكل يومي في ما تضعه بإطار حماية أمنها ومنع تكرار عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وكان الجيش الاسرائيلي أعلن عن تجميد قصفه "مؤقتًا" لمنزل في بلدة يانوح بجنوب لبنان وذلك بعدما قام الجيش اللبناني بتفتيشه، بمؤازرة من قوات "اليونيفيل". وأفادت وسائل إعلام محلية بأن عناصر الجيش قاموا بالحفر في أسفل المبنى، بناء على طلب من "الميكانيزم" التي كانت قيادتها على تنسيق مباشر مع الجيش، كما طُلب من الجيش الحفر في قنوات "الصرف الصحي" وتفتيشها. ولكن، بعد ثلاث ساعات على البدء بالحفر، لم يعثر الجيش على أي أسلحة أو معدات عسكرية، بحسب الادعاءات الاسرائيلية التي وضعت الاستهداف، في وقت سابق، بأنه "بنى تحتية عسكرية تابعة لـ"حزب الله". وتُكثف قوات الاحتلال من استهدافاتها محذرة من هجوم واسع يتم الاعداد له من أجل منع الحزب من استعادة عافيته ونشاطه بعد نشرها العديد من التقارير التي تصب في هذا الإطار. وتترافق هذه التحذيرات العالية اللهجة مع ضغوط أميركية على الجانب اللبناني لتنفيذ سحب السلاح قبل نهاية العام، وهو ما لا يمكن أن يتم في ظل المعضلات الكبيرة التي تواجه الحكومة الساعية لردع العدوان وتجنيب البلاد حرب جديدة.
بالموازاة، صعّد الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم لهجته حيال ملف السلاح، مؤكداً أن "السلاح لن يُنزع تحقيقًا لهدف إسرائيل، ولو اجتمعت الدنيا بحربها على لبنان"، مشددًا على أن "الأرض والسلاح والروح خلطة واحدة متماسكة، وأي مساس بأحدها هو مساس بالثلاثة معًا وإعدام لوجودنا، ولن نسمح بذلك". وجدّد قاسم – الذي لم يستشر حزبه لبنان في الحرب السابقة بحجة "وحدة الساحات" - موقفه الداعي إلى تحمل "الدولة مسؤوليتها في حماية لبنان وطرد الاحتلال ونشر الجيش"، فيما رأى أن "وظيفة المقاومة هي المساندة والمساعدة على التحرير". وهذا الموقف يعكس مدى الانقسام في البلاد خاصة أن لبنان اتخذ قرارًا بتطعيم وفد المباحثات بشخصية مدنية بهدف تحقيق أي تقدم ولو جزئي وتنفيس الاحتقان. ولكن كل هذه المحاولات المترافقة مع مساعي دبلوماسية تُبذل على اكثر من صعيد لم تُثمر أي نتيجة إيجابية بعد.
"تعقيدات" الأوضاع اللبنانية تأتي في وقت لا تزال قوات الاحتلال تنتهك اتفاق وقف النار في قطاع غزة وترهن أي تقدم في المرحلة الثانية بنزع سلاح "حماس"، بعد رفض تل أبيب الاقتراح الأخير القاضي بتجميده بدل نزعه. ففي الوقت الذي كانت الأنظار تتوجه إلى مفاعيل اللقاء الذي سيُعقد بين نتنياهو وترامب نهاية الشهر الجاري وما يمكن أن يُسفر عنه من نتائج، أعلن الجيش الإسرائيلي اغتيال رائد سعد، الذي وصفه بأنه مسؤول التصنيع العسكري في "كتائب القسام". وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بعملية الاغتيال بعد 20 دقيقة من التنفيذ، وخاطرت بإثارة غضب الأميركيين بشأن التداعيات المحتملة على وقف إطلاق النار في غزة. من جانبها، أدانت "حماس" "الجريمة، التي، وفق بيانها الصادر، "تؤكد مجددًا أن الاحتلال يسعى عمدًا إلى تقويض الاتفاق"، محملّة حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تداعيات جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.
وكانت إسرائيل برّرت العملية بأنها جاءت ردًا على تفجير عبوة ناسفة بقوة إسرائيلية متمركزة داخل "الخط الأصفر"، وقالت إنها تمت بموافقة نتنياهو. ولكن الدوافع الرئيسية تكمن في ان تل أبيب تريد الاحتفاظ بدورها ومواصلة سيطرتها على أكثر من نصف مساحة القطاع، وهي ترسل رسائل امنية وسياسية لمن يعنيهم الأمر، بأنها ماضية في مخططاتها رغم الهدنة الهشة. وهذه الخروقات تزيد من معاناة السكان اليومية في حين تبدو الاوضاع الانسانية في غاية الصعوبة مع استمرار الاحتلال في الحدّ من دخول المساعدات، وخصوصًا الرئيسية منها. وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن منخفض "بيرون" المستمر منذ، الخميس، أسفر عن تضرّر أكثر من ربع مليون نازح من أصل نحو 1.5 مليون نازح يعيشون في خيام ومراكز إيواء بدائية لا توفر الحد الأدنى من الحماية. وأوضح أن طواقم الدفاع المدني انتشلت جثامين 11 فلسطينيًا من تحت أنقاض نحو 13 مبنى كانت قد تعرضت لقصف إسرائيلي سابق وانهارت بفعل الأمطار كما استشهد 3 أطفال نتيجة البرد.
دوليًا، حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تحويل البحر الأسود إلى "منطقة مواجهة" عسكرية بين روسيا وأوكرانيا بعد سلسلة ضربات شهدتها في الأسابيع الأخيرة، مشيرًا إلى إمكانية التوصل إلى سلام بين موسكو وكييف. في الأثناء، تتوجه الأنظار إلى العاصمة الألمانية برلين التي أعلنت أنها ستستضيف الأسبوع المقبل محادثات بشأن جهود إنهاء الحرب في أوكرانيا، بظل الخلافات التي تحوم حول الخطة الاميركية المقترحة ورفض الرئيس الاوكراني التنازل عن أراضٍ لصالح روسيا. في إطار منفصل، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن فريق عمليات خاصة أميركيًا داهم في المحيط الهندي سفينة متجهة من الصين إلى إيران الشهر الماضي، وصادر مواد عسكرية. ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله إن "عملية الاستيلاء تهدف إلى منع طهران من إعادة بناء ترسانتها الصاروخية".
وفي الجولة اليومية على الصحف العربية الصادرة اليوم، الأحد، تركيزٌ على العناوين التالية:
شدّدت صحيفة "الخليج" الإماراتية على أن وكالة "الأونروا" تلقى "دعمًا دوليًا غير محدود، دفاعًا عن شرعيتها ودورها الإنساني النبيل في الأراضي المحتلة والشتات، ولا سيما في قطاع غزة، ردًا على الاستهداف الإسرائيلي المستمر للوكالة وموظفيها تحت حجج واهية، ولأهداف تتصل بالمشروع المتطرف لتصفية القضية الفلسطينية". وقالت: "حماية "الأونروا" ودعمها واستدامة تمويلها التزام سياسي وإنساني لا يمكن التخلي عنه حتى يتم التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس "حل الدولتين"، وفي غياب ذلك ستظل الوكالة شريان حياة لمجتمعات اللاجئين الفلسطينيين، ولا يمكن لأي جهة أو منظمة أخرى أن تعوضها".
في الإطار نفسه، اعتبرت صحيفة "الغد" الأردنية أن "وجود "الأونروا" بحد ذاته يشكل تحديًا مباشرًا للسردية الاستعمارية التي سعت، وما تزال، إلى طمس النكبة وتحويلها إلى حدث عابر في التاريخ. فالأونروا تُبقي الصفة القانونية للاجئ الفلسطيني حيّة، وتربط المعاناة الإنسانية بجذورها السياسية والقانونية، وتفشل محاولات اختزال القضية الفلسطينية إلى "أزمة إنسانية" منفصلة عن أسبابها التاريخية البنيوية، مستنتجة أنه "في لحظة يُستباح فيها القانون الدولي، وتُطوى فيها المبادئ أمام منطق القوة، تبقى "الأونروا" واحدة من آخر الشواهد الأممية على النكبة المستمرة، وعلى حق لم يسقط، وعلى ذاكرة ترفض أن تُمحى".
أما صحيفة "الثورة" السورية، فأوضحت أن "رفع قانون قيصر لا يعني فقط نهاية "القيود الأميركية" على الاقتصاد، بل بداية اختبار جديد للنضج الوطني السوري، ومدى جاهزية السوريين لإدارة حريتهم من دون وصايةٍ داخلية أو خارجية"، مؤكدة أن" ما قبل قيصر ليس كما بعده مرتين: الأولى، حين كان سببًا في إضعاف النظام وسقوطه. والثانية، حين رفع، وأصبحت سوريا خارج نطاق العقوبات، ووضعت على سكة إعادة الاعمار نحو الجمهورية الثالثة".
(رصد "عروبة 22")

