ما نَرْغَبُ في بَحْثِهِ في هَذِهِ المُذَكِّرَةِ هو ما إِذا كانَ الاقْتِصادُ العَرَبِيُّ قَدْ وَقَعَ في فخِّ الدَّخْلِ المُتَوَسِّط، وإِنْ كانَ الأَمْرُ كَذَلك، فَما أَسْبابُ هَذا التَّراجُع؟.

تُظْهِرُ التَّجارِبُ الدَّوْليَّةُ أَنَّ هَذا الفَخَّ يَظْهَرُ غالبًا عِنْدَما يَتَراجَعُ نُمُوُّ النّاتِجِ الحَقيقيِّ للفَرْدِ مِنْ 4–5% سَنَوِيًّا إلى 2–3% أَوْ أَقَلّ. وَبِالأَرْقامِ، يَتَّضِحُ في الجَدْوَلِ أَعْلاهُ أَنَّ مُتَوَسِّطَ نَصيبِ الفَرْدِ في دُوَلِ الدَّخْلِ المُتَوَسِّطِ عالَمِيًّا ارْتَفَعَ مِنْ 4,441 دولارًا إلى 6,173 دولارًا بَيْنَ 2014 وَ2024، أَيْ بِمُعَدَّلِ نُمُوٍّ سَنَوِيٍّ قَدْرُهُ 3.9%، ما يُشيرُ إلى اسْتِمْرارِ هَذِهِ الدُّوَلِ في مَسارِ التَّقارُبِ الاقْتِصادِيّ. لَكِنَّ الصّورَةَ مُخْتَلفَةٌ تَمامًا في الحالَةِ العَرَبِيَّة؛ إِذْ ارْتَفَعَ نَصيبُ الفَرْدِ مِنَ الدَّخْلِ الحَقيقيِّ مِنْ 6,213 دولارًا إلى 6,282 دولارًا فَقَطْ، وَبِمُعَدَّل نُمُوٍّ سَنَوِيٍّ لا يَتَجاوَزُ 0.11%. مِنَ الواضِحِ أَنَّ مُتَوَسِّطَ الأَداءِ العَرَبِيِّ شِبْهُ راكِد، وَبِالتّالي فَهو عالقٌ في فخِّ الدَّخْلِ المُتَوَسِّط.
بِالطَّبْع، هَذا المُتَوَسِّطُ العَرَبِيُّ يُخْفي تَبايُناتٍ كَبيرَةً بَيْنَ 22 دَوْلَةً عَرَبِيَّةً مُوَزَّعَةً بَيْنَ أَرْبَعِ مَجْموعات:
7 دُوَلٍ مَشْرِقِيَّة (مِصْرُ، الأُرْدُنُّ، لُبْنانُ، فِلَسْطينُ، سورِيا، اليَمَنُ، العِراق).
6 دُوَلٍ خَليجِيَّة (السَّعودِيَّةُ، الإِماراتُ، قَطَرُ، عُمانُ، البَحْرَيْنُ، الكُوَيْت).
5 دُوَلٍ مَغارِبِيَّة (الجَزائِرُ، المَغْرِبُ، ليبْيا، تونُسُ، موريتانْيا).
4 دُوَلٍ عَرَبِيَّةٍ أَفْريقِيَّة (السّودانُ، الصّومالُ، جيبوتي، جُزُرُ القَمَر).
وَلفَهْمِ أَسْبابِ الوُقوعِ في فخِّ الدَّخْلِ المُتَوَسِّطِ بِشَكْلٍ أَدَقّ، اعْتَمَدْنا في الجَدْوَل على دُوَلٍ مُمَثِّلَةٍ لكُلِّ مَجْموعَة: المَغْرِب، السَّعودِيَّة، الأُرْدُن، السّودان.
وَنُلاحِظُ أَنَّ المَغْرِبَ والسَّعودِيَّةَ فَقَطْ سَجَّلا نُمُوًّا في نَصيبِ الفَرْدِ بَيْنَ 2014 وَ2024:
المَغْرِب: مِنْ 3,052 إلى 3,479 دولارًا، بِمُعَدَّل 1.39% سَنَوِيًا.
السَّعودِيَّة: مِنْ 23,405 إلى 24,917 دولارًا، بِمُعَدَّل 0.65% سَنَوِيًا.
وَعلى الرَّغْمِ مِنْ هَذا النُّمُوّ، فَإِنَّ البَلَدَيْنِ لا يُحَقِّقانِ التَّقارُبَ الاقْتِصادِيّ. وَمَعَ ذَلكَ، يَبْقَى أَداءُ المَغْرِبِ لافِتًا، وإِنْ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ الضَّوْءُ بِما يَكْفي، ليَجْعَلَهُ مِنَ الدُّوَل العَرَبِيَّةِ القَليلَةِ الَّتِي حَقَّقَتْ تَحَسُّنًا مَلْموسًا في الدَّخْلِ الحَقيقيِّ للفَرْد.
كدولة متوسّطة الدخل لا يستطيع الاقتصاد العربي المتوسّط منافسة الدول منخفضة التكلفَة أو الدول المبتكرة المتقدّمة
في الواقِع، لَقَدْ أَدْخَلَتْ تَجْرِبَةُ دُوَلٍ مِثْل المَغْرِبِ مَفْهومًا جَديدًا إلى أَدَبِيّاتِ التَّقارُبِ الاقْتِصاديّ، وَهو ما يُعْرَفُ بِاللَّحاقِ الشَّرْطيّ: نَظَرًا لاخْتِلافِ الخَصائِصِ الهَيْكَليَّةِ بَيْنَ الدُّوَل، يُمْكِنُ أَنْ يَتَقارَبَ نَصيبُ الفَرْدِ مِنَ النّاتِجِ نَحْوَ مُسْتَوَياتٍ ثابِتَةٍ مُخْتَلفَة، غالبًا بِخِلافِ مُسْتَوى الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الدُّوَلِ عالِيَةِ الدَّخْل.
لَكِنْ لِماذا يَحْدُثُ فخُّ الدَّخْلِ المُتَوَسِّط؟ وَلِماذا يَجِدُ الاقْتِصادُ العَرَبِيُّ نَفْسَهُ عالقًا فيه؟ السَّبَبُ هو أَنَّهُ، كَدَوْلَةٍ مُتَوَسِّطَةِ الدَّخْل، لا يَسْتَطيعُ الاقْتِصادُ العَرَبِيُّ المُتَوَسِّطُ مُنافَسَةَ الدُّوَلِ مُنْخَفِضَةِ التَّكْلُفَة (لارْتِفاعِ الأُجورِ) أَوِ الدُّوَلِ المُبْتَكِرَةِ المُتَقَدِّمَة (لانْخِفاضِ الإِنْتاجِيَّة).
لن يتمكّن الاقتصاد العربي من التحرُّر من فخّ الدخل المتوسّط إلا بعد معالجة القصور السياسيّ والاقتصادي
وَبِالتّالي تَعْجَزُ عَنِ الارْتِقاءِ في سَلاسِل القيمَةِ المُضافَة، وَهو ما يَتَطَلَّبُ ابْتِكارًا وإِنْتاجِيَّةً أَعْلَى. وَيَرْجِعُ ذَلكَ أَساسًا إلى أَرْبَعَةِ أَوْجُهِ قُصورٍ رَئيسِيَّة:
❖ تَقادُمُ السِّياسات: الاعْتِمادُ على سِياساتٍ تُرَكِّزُ على التَّراكُمِ الكَمِّيّ (رَأْسِ المال التَّقْليديِّ) بَدَلًا مِنَ الاسْتِثْماراتِ النَّوْعِيَّة (التِّكْنولوجْيا الذَّكِيَّة).
❖ ضَعْفُ المُؤَسَّسات: غِيابُ مُؤَسَّساتٍ تُعَزِّزُ الحَوْكَمَةَ الرَّشِيدَةَ على المُسْتَوى السِّياسيّ، وَتُشَجِّعُ الإِبْداعَ والتَّنْمِيَةَ الاقْتِصادِيَّةَ السَّليمَةَ على المُسْتَوى الاقْتِصادِيّ.
❖ نَقْصُ الكَفاءَات: الاسْتِخْدامُ غَيْرُ الفَعّالِ للعَمالَةِ الماهِرَةِ أَوْ قِلَّةُ تَراكُمِ المَواهِبِ الضَّرورِيَّةِ لقِيادَةِ الانْتِقالِ إلى مُسْتَوى دَخْلٍ أَعْلى.
❖ عَدَمُ الاسْتِقْرارِ السِّياسيِّ والأَمْنيّ: قابِليَّةُ الاقْتِصادِ العَرَبيِّ للتَّأَثُّرِ بِالتَّوَتُّراتِ الجِيوسِياسِيَّةِ والعَسْكَرَةِ العَشْوائِيَّة، بِالإِضَافَةِ إلى العَجْزِ الدّيموقْراطِيّ.
وَلَنْ يَتَمَكَّنَ الاقْتِصادُ العَرَبِيُّ مِنَ اسْتِئْنافِ مَسارِ التَّقارُبِ الاقْتِصاديّ، وَرُبَّما حَتَّى اللَّحاقِ الشَّرْطيّ، والتَّحَرُّرِ مِنْ فَخِّ الدَّخْلِ المُتَوَسِّط، إِلّا بَعْدَ مُعالَجَةِ هَذِا القُصورِ السِّياسِيَّ والاقْتِصادِيَّ الذي تَفاقَمَ بِفِعْلِ تَغَيُّرِ المُناخِ والسِّياساتِ الحِمائِيَّة.
(خاص "عروبة 22")[1] يُعبَّر عن الناتج المحلي الإجمالي للفرد بأسعار عام 2015 بهدف قياس الزيادات الحقيقية في النّاتج المحلي الإجمالي للفرد من خلال تحييد أي تأثيرات تضخّمية.[2] هناك نوعان من التقارب الاقتصادي: تقارب سيغما وتقارب بيتا. يشير تقارب سيغما إلى انخفاض التشتّت في دخل الفرد بين الدول، أي تقليص الفجوة في مستويات الدخل، بينما يعني تقارب بيتا لحاق الدول منخفضة الدخل بالدول عالية الدخل من خلال تحقيق نموّ أسرع، ممّا يؤدي إلى تضييق الفجوة الاقتصادية بينها. ولأغراض التبسيط، لن نفرّق بين هذين النوعين من التقارب في هذه المذكرة.[3] للمزيد حول فخ الدخل المتوسط، راجع: تقرير البنك الدولي، فخ الدخل المتوسط، 2024.


