مع أنّ آمالًا عريضة تشكّلت خلال الأسابيع القليلة الماضية بشأن قرب التوصل إلى اتفاق بشأن صرف رواتب الموظفين وتمديد الهدنة وزيادة الرحلات التجارية من مطار صنعاء بفعل الوساطة العمانية، إلا أنّ تصريحات مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن هانس غروندبورغ جاءت مخيّبة للآمال، إذ تحدّث عن تعقيدات كثيرة مرتبطة بالميزانية العامة للدولة وتوحيد الإيرادات.
مصادر قريبة من المشاورات كانت تحدثت عن مسودة اتفاق حملها الوسطاء العمانيون خلال زيارتهم الأخيرة إلى صنعاء تنصّ على اعتماد قاعدة بيانات العام 2014 بشأن المستحقين للرواتب، وذكرت أنّ التحالف الداعم للحكومة المعترف بها دوليًا تكفّل بتغطية بند المرتّبات لستة أشهر، بالتزامن واستئناف تصدير النفط والغاز، والعمل على توحيد البنك المركزي والإيرادات. وربطت بين صرف هذه الرواتب واستئناف المسار السياسي حتى لا يحصل الحوثيون على ما يريدون ثم يتهرّبون من الدخول في مفاوضات الحلّ النهائي.
مبعوث الأمم المتحدة قلّل من سقف الطموحات، وقال إنّ الجميع متفقون على ضرورة دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية. ولكن بمجرد الدخول في كيفية تسليم هذه الرواتب، "فإنّك تدخل في أسئلة شديدة التعقيد"، سواء فيما يتعلق بالميزانية أو عندما يتعلّق الأمر بالإيرادات. ونبّه إلى وجوب تسوية هذه القضايا خلال المفاوضات بين اليمنيين. ورأى أنّ التحدي الذي يواجهه الوسطاء الآن هو إيجاد حل يسمح بدفع الرواتب، ولكن أيضًا يُمَكّن اليمنيين أنفسهم، من الدخول في مفاوضات على المدى الطويل والوصول إلى تسوية مستدامة بشأن صرف هذه الرواتب مستقبلًا.
وبحسب بيانات الموازنة العامة للدولة اليمنية عام 2014، قبل اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء، فإنّ إجمالي الموظفين في الجهاز الإداري للدولة يبلغ 447653، منهم 85164 موظفًا في وحدات القطاع العام، في حين يبلغ إجمالي الموظفين في الوحدات المستقلّة والصناديق 17347، كما يبلغ إجمالي الموظفين في وحدات القطاع المختلط 6207.
الحوثيون يشترطون الحصول على نسبة من عائدات النفط ويرفضون صرف المرتّبات للموظفين من تبرّعات التحالف العربي
واستنادًا إلى وزارة المالية في الحكومة المعترف بها دوليًا، فإنّ إجمالي الرواتب الشهرية التي يتمّ صرفها حاليًا لأكثر من نصف عدد الموظفين المدنيين فقط، تصل إلى 50 مليار ريال في الشهر (الدولار يساوي 1400 ريال)، وهذا المبلغ احتُسب بعد إسقاط رواتب العاملين في القضاء والقطاع الصحي وأساتذة الجامعات، التي توقّفت منذ عامين تقريبًا نتيجة منع جماعة الحوثي تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية وفرض رسوم تحويل على المبالغ المالية إلى مناطق سيطرتها، تجاوزت نسبة 100 في المائة.
ومع استمرار توقّف تصدير النفط منذ نهاية العام الماضي نتيجة استهداف الحوثيين موانئ التصدير والناقلات، تحوّلت قضية المرتّبات إلى واحدة من حلقات الصراع والسيطرة، بخاصة لدى الحوثيين الذين يشترطون الحصول على نسبة من عائدات تصدير النفط ويرفضون مقترحات صرف المرتّبات للموظفين من تبرّعات التحالف العربي، وعلاوة على ذلك يريدون تسلّم تلك المبلغ والتحكّم بصرفها فيما ترفض الحكومة هذه المطالب وتقول إنها ستعمل على تحويل الرواتب عبر حسابات مصرفية لضمان وصولها إلى المستفيدين مباشرةً ودون تحكّم من الحوثيين.
ومع استمرار انقسام البنك المركزي والعملة المحلية ووجود سعرين للدولار الأمريكي في مناطق سيطرة الجانبين، تحوّل ملف مرتّبات الموظفين إلى حلقة من أعقد حلقات الصراع، خصوصًا مع تصاعد إضراب المعلّمين في مناطق سيطرة الحوثيين، ومطالبتهم بصرف رواتبهم أسوةً ببقية المسؤولين هناك، واتساع مساحة التأييد والتعاطف الشعبي مع تلك المطالب. حيث يعتقد المراقبون أنّ هذا الضغط قد يدفع باتجاه تراجع الحوثيين عن الشروط التي وُصفت بالتعجيزية.
يجني الحوثيون سنويًا نحو مليار دولار وتبلغ رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم نحو 50 مليار ريال شهريًا
الحكومة اليمنية بدورها اتهمت الحوثيين بالاستحواذ على عائدات الدولة وحرمان الموظفين من رواتبهم، وأكدت أنهم يجنون سنويًا أكثر من 600 مليار ريال (نحو مليار دولار أميركي) من عائدات الضرائب والجمارك، في حين أنّ إجمالي رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم تبلغ نحو 50 مليار ريال شهريًا، وقالت إنّ هذه الأموال تذهب لصالح ما يُسمّى "المجهود الحربي"، كما حدث في مرّات سابقة.
ويؤكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي أنّ الحوثيين يحصلون على عشرات المليارات الريالات من عائدات سفن الوقود الواصلة إلى ميناء الحديدة خلال فترة الهدنة، من بينها 300 مليار ريال خلال الستة الأشهر الأولى من عمر الهدنة التي بدأ سريانها منذ أبريل / نيسان العام الماضي.
ومع إجماع المصادر الداخلية والخارجية على تحميل الحوثيين المسؤولية عن إفشال كل المقترحات الخاصة بحلّ ملف رواتب الموظفين، والتي طًرحت سواءً من الجانب الأممي أو الوسطاء الاقليميين، تجزم هذه المصادر أنه وفي ظل عدم قدرة الأطراف على العودة للقتال من جديد، فإنها تسعى لاستغلال القضايا الاقتصادية والانسانية لتحقيق مكاسب سياسية تعزّز موقفها عند استئناف المفاوضات السياسية والتوصّل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار.
(خاص "عروبة 22")