تقدير موقف

هل من حرب مقبلة بين إثيوبيا وإريتريا؟!

يلوح في الأفق حاليًا مخاطر اندلاع صراعٍ عسكريّ جديدٍ إلى جانب الصراعات الموجودة في الشرق الأوسط، والصراع المحتمل هو في منطقة القرن الأفريقي التي تعدّ قوس عدم الاستقرار التاريخي كما وصفه زبيغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأميركي، حيث تتعدّد المؤشرات التي تكشف عن توجهٍ إثيوبيّ حثيثٍ نحو إعادة طرح ملف الموانئ الإريترية كأولويةٍ استراتيجيةٍ للأمن القومي الإثيوبي.

هل من حرب مقبلة بين إثيوبيا وإريتريا؟!

وقد أثارت تغريدةٌ للمعارض الإثيوبي جوهر محمد جدلًا واسعًا، وهي التي كشف فيها عن اجتماعاتٍ عقدها حزب "الازدهار" في إقليمَيْ أوروميا وصوماليا الإثيوبيَيْن بشأن الاستعداد للحرب على إريتريا، وذلك بالتوازي مع تصريحاتٍ لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أشار فيها إلى أنّ التخلّي عن إريتريا عام 1993 كان "خطأً تاريخيّا". هذا التحوّل في الخطاب السياسي الإثيوبي يعكس أمرَيْن؛ الأول، شدّة الاحتياج لمنصة إثيوبية على البحر الأحمر لدرجة تكبّدها حربًا من أجل ذلك، أمّا الأمر الثاني فهو أزمة داخلية ممتدّة تعوّد آبي أحمد أن يقفز فوقها بمشروعاتٍ سياسيةٍ في الخارج الإثيوبي.

في هذا السياق، تنظر أسمرة إلى مثل هذه التصريحات الإثيوبية على أنّها "تهديد مباشر لسيادتها ووحدتها الوطنية"، وتضع سيناريو هذه الحرب على أجندتها، ومن المتوقّع أن تسعى إريتريا إلى استباق أي تحرّكات إثيوبية محتملة عبر تعزيز تحالفاتها الإقليمية، إذ هي بدأت الانخراط في تحالفٍ ثلاثيّ قبل أشهر عدّة مع كلّ من مصر والصومال، ذلك بالإضافة إلى إعادة تموضعها عسكريًا، بنشر قوات على الحدود مع إثيوبيا.

تداعيات هذا التوتّر لا تقتصر على القرن الأفريقي فحسب بل تمتدّ لتشمل أمن البحر الأحمر

التوتّر الراهن بين إثيوبيا وإريتريا من شأنه أن يُعيد المنطقة إلى مشهد الصراع والحرب بين أديس أبابا وأسمرة الذي شهدته ما بين عامي 1998 و2000، ولكن هذه المرّة في بيئةٍ إقليميةٍ أكثر هشاشةً وتوتّرًا، كانعكاسٍ للصراع الإسرائيلي - الإيراني وتجلّياته في البحر الأحمر.

من شأن هذه الحرب المحتملة أيضًا أن تُفاقِم الأوضاع في السودان والصومال وجيبوتي، ليس فقط عبر فتح جبهات جديدة للنزاعات، بل كذلك من خلال نزوح جماعي للاجئين، ممّا يزيد من تعقيد الأزمات القائمة، حيث لا تقتصر تداعيات هذا التوتّر على القرن الأفريقي فحسب، بل تمتدّ لتشمل أمن البحر الأحمر. ذلك أن أيّ تحرّك عسكري إثيوبي تجاه ميناء "عصب" الإريتري سيهدّد بشكل مباشر خطوط الملاحة الدولية في هذا الممرّ الحيوي، ويُثير مخاوف القوى الدولية التي تعتمد عليه تجاريًا واقتصاديًا خصوصا. كذلك، تعتبر دول الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، هذا الصراع تهديدًا مباشرًا لاستثماراتها ومصالحها الأمنية الحيوية في الساحل الغربي للبحر الأحمر.

وطبقًا لذلك، تذهب التقديرات العسكرية إلى أنّه في حالة بداية صراع مسلح بين البلدَيْن فإنّها قد تبدأ بصراع حدودي، ولكنّها سوف تتوسّع لتشمل الموانئ الإريترية خصوصًا "عصب" بما ينعكس مباشرةً على البحر الأحمر ويعدّ عاملًا إضافيًا لتصاعد التهديدات خصوصًا إذا تدخّلت أطراف ثالثة لتطويق الصراع.

أمّا التقديرات الديبلوماسية فيذهب بعضها إلى أنّ التصريحات السياسية الإثيوبية قد يكون سقفها الأعلى هو الضغط على إريتريا للحصول على تسهيلاتٍ في الموانئ الإريترية طبقًا لمتطلّبات أديس أبابا وشروطها.

ونظرًا لانشغال دول الخليج والشرق الأوسط بمجريات غزّة وتداعيات الضربة الإسرائيلية على قطر، فإنّها تبدو ضعيفة الانتباه إلى مجريات القرن الأفريقي المؤثّرة في مصالحها واستثماراتها، وذلك في وقتٍ تولي فيه دول القرن الأفريقي اهتمامًا بالحرب السودانية التي تؤثّر أيضًا على نحوٍ ضخمٍ في البيئة الجيوسياسية في المنطقة.

المطلوب تحرّك إقليمي عاجل بقيادة الاتحاد الأفريقي لاحتواء التهديدات وفتح قنوات تواصل فعّالة بين أديس أبابا وأسمرة

من هنا فإنّه مهما كانت النوايا الإثيوبية ومساراتها، فإنّه يبدو على مكتب السلم والأمن في "الاتحاد الأفريقي"، وأيضًا منظمة "الإيغاد" (IGAD) أن يعتبرا المناوشات السياسية الحالية الصادرة عن إثيوبيا بمثابة إنذارٍ مبكّرٍ لصراع محتمل في القرن الأفريقي. من هنا، فإنّه من المطلوب بلورة "تحرّك إقليمي عاجل" بقيادة الاتحاد الأفريقي لاحتواء التصريحات التصعيدية والتهديدات بين إثيوبيا وإريتريا، وكذلك تشجيع وساطات إقليمية لاحتواء التوجّهات الإثيوبية إزاء إريتريا.

وقد يكون من المطلوب أيضًا دعوة منظمة الأمم المتحدة لفتح قنوات تواصل مباشرة وفعّالة بين أديس أبابا وأسمرة، لتفادي انزلاق الموقف إلى مواجهة عسكرية تزيد أعباء المنظمة الدولية بالتأكيد خصوصًا في ملفَّيْ اللاجئين والمجاعات اللذَيْن سوف ينعكس عليهما أي صراع إضافي بالتضخّم والتعقيد. إذ من المعروف أنّه على الرَّغم من نداءات المنظمة الدولية المتكرّرة للدول الأعضاء خصوصًا "مجموعة السبع" لدعم قدراتها الاقتصادية بشأن تحسين خدماتها المقدّمة إلى اللاجئين، وكذلك إلى الجوعى ضحايا الأزمات الإنسانية، فإنّ حجم الإستجابة الدولية لمثل هذه النداءات ما زال ضعيفًا، ومؤثّرًا بشكل سلبي في ملايين البشر.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن