صحافة

"المشهد اليوم"...واشنطن على خط "هدنة غزّة" ونتنياهو يخنق الضفةالشرع يطالب من نيويورك برفع العقوبات بالكامل وسجال لبناني إيراني بشأن "حزب الله"

من تشييع جثمان الشهيد سعيد النعسان في قرية المغير بالضفة الغربية والذي قضى برصاص مستوطن (إ.ب.أ)

بعد الحديث عن الاجتماع "المهم" الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقادة عرب ومسلمين لطرح خطته بشأن إنهاء الحرب في غزّة، تتوجه الأنظار إلى ما ستؤول إليه الأمور خاصة بعد تصريحات الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، التي عبّر فيها عن "تفاؤله" بحصول "إنفراجة ما" بالتزامن مع تصدّر الملف الفلسطيني كلمات القادة والمسؤولين خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك. فما يحصل في القطاع المنكوب شكل محورًا أساسيًا، لاسيما أن المواقف عكست مدى العزلة التي تعيشها اسرائيل ورفض المزيد من الدول التورط في "المحرقة" الدائرة على مرأى ومسمع العالم أجمع منذ ما يُقارب العامين.

فمعظم الدول باتت أكثر إدراكًا لمخططات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يتوعّد ليل نهار بالمزيد من الاجراءات العقابية بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة بعد إغلاق معبر الكرامة "اللنبي"، والذي يعتبر رئتهم وشريانهم الحيوي في وقت تخوض قواته والمستوطنين حملة شعواء لسلب المالكين الأصليين بيوتهم وأرزاقهم. هذا بينما تعيش غزّة أيامًا دموية وظروفًا انسانية مأساوية تتفاقم يومًا بعد يوم. وتتخطى حكومة نتنياهو كل الخطوط الحمر وتتجاوزها وأخرها الاعتداء على أسطول الصمود العالمي الهادف لكسر الحصار عن غزة ما دفع إيطاليا للإعلان عن إرسال فرقاطة تابعة لسلاح البحرية لتقديم المساعدة، فيما دعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إلى وقف "الهجمات" على الأسطول، مطالبة بتحقيق "مستقل".

وكان نتنياهو، قبيل سفره إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، شنّ هجومًا على الدول الغربية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية واصفًا خطوتها بـ"الاستسلام" لما أسماه "الإرهاب الفلسطيني"، مجددًا التأكيد على عدم قيام دولة فلسطينية. يأتي ذلك فيما أكد زعماء ومسؤولون من 8 دول عربية وإسلامية، في بيان مشترك بعد اجتماع قمة مع الرئيس ترامب في نيويورك، أن إنهاء الحرب على غزة هو "الخطوة الأولى نحو سلام عادل ودائم". ووفقًا للبيان الصادر، أعاد المشاركون الثوابت الرئيسية لجهة رفض التهجير القسري ووضع خطة شاملة لإعادة الاعمار وضرورة إدخال المساعدات مع الدعوة إلى ضمان استقرار الأوضاع في الضفة الغربية والمقدسات في القدس. ولم تتضح بعد ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع الذي وصفه ترامب بـ"الرائع"، إلا أن موقع "بوليتيكو" نقل عن ستة مصادر مطلعة قولها إن الرئيس الأميركي تعهد للزعماء العرب بأنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية.

وستكون نتائج هذه القمة على طاولة البحث خلال اللقاء الذي سيُعقد الاثنين المقبل في البيت الأبيض ويجمع ترامب ونتنياهو، حيث يعتبر جميع المحللين أن واشنطن وحدها تملك القدرة على وقف الحرب الدائرة في غزة. في الوقت ذاته، كشف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، خلال حديث تلفزيوني، بأنه يجري العمل على إطلاق خطة تحمل اسم "الأمن والسلام للجميع" تهدف لإنهاء الحرب في قطاع غزة. وأضاف أن الخطة "تتضمن وقفًا لإطلاق النار، والإفراج عن الأسرى، وتشكيل إدارة انتقالية في غزة، وتأهيل قوات الشرطة"، وكذلك وجود "قوة دولية" لحفظ الاستقرار. وكانت مصادر رفيعة من حركة "حماس" تحدثت، في وقت سابق، عن أن هناك حراكًا جديدًا بدأ يتبلور من أجل محاولة التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار. وقالت لـ" الشرق الأوسط"، إنه خلال أيام (قدّرها مصدر بـ10 أيام تقريبًا) ستتضح الصورة أكثر بشأن ما سيُقدّم من قِبل بعض الأطراف بشأن المضي نحو اتفاق، حتى ولو كان بشكل مؤقت لوقف العملية بمدينة غزة، والبدء بمفاوضات أكثر أهمية.

في غضون ذلك، حذّرت "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، الجيش الإسرائيلي مجددًا، من أن توسيع عملياته في مدينة غزة يزيد الخطر على أسراه، وطالبته بأن يأمر قواته بالتراجع "إلى الخلف فورًا". وكثّف الاحتلال مؤخرًا من هجماته الجوية على مدينة غزة توازيًا مع توغل قواته في عدد من الأحياء الشمالية والجنوبية والشرقية للمدينة في إطار عملية "عربات جدعون 2". إلى ذلك، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، لموقع "العربي الجديد"، بأن القاهرة تلقت خلال الأيام الماضية عرضًا غربيًا يتضمن "حزمة اقتصادية ضخمة" تشمل منحًا أوروبية غير مستردة، مع إمكانية تعزيزها باستثمارات خليجية، عبر التزام أميركي بإقناع أنظمة خليجية بالدخول على خط التمويل، مقابل القبول بتهجير سكان القطاع. إلا أن ردّ القاهرة جاء "قاطعًا برفض العرض"، انطلاقًا من الموقف الثابت الرافض لتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير السكان الفلسطينيين من أرضهم.

وتعيش تل أبيب انقسامات داخلية حادة يغذيها الاضطرابات الأمنية نتيجة الصواريخ المتكررة التي تنهمر عليها وأخرها أمس، حيث أصيب 22 شخصًا، اثنان منهم بحالة خطرة، جراء سقوط وانفجار مسيرة أطلقت من اليمن في منطقة سياحية بمدينة إيلات جنوبي إسرائيل. من جهته، أشار الناطق العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، إلى مهاجمة عدة أهداف إسرائيلية في منطقتي أم الرشراش (إيلات) وبئر السبع، لافتًا إلى أن العملية تمت بعدد من الطائرات المسيّرة وقد حققت أهدافها بنجاح. أما وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، فقد خرج بتصريحات تهديدية جديدة قائلًا "يرفض الإرهابيون الحوثيون تعلم الدرس من إيران ولبنان وغزة، سنلقنهم درسًا قاسيًا"، مضيفاً: "من يُلحق الضرر بإسرائيل سنلحق بهم الضرر سبعة أضعاف".

تزامنًا مع ما يجري في نيويورك لجهة القضية الفلسطينية، كان للحدث السوري وقعه حيث برزت زيارة الرئيس أحمد الشرع واللقاءات التي عقدها. وحملت كلمته البنود العريضة التي تنادي بها حكومة دمشق منذ وصولها لسدة الحكم بعد الإطاحة بالنظام السابق. فقد دعا الشرع إلى رفع كل العقوبات المفروضة على بلاده، متعهدًا بتقديم كل من تلطخت يداه بالدماء للعدالة. وكان الرئيس السوري التقى ترامب على هامش أعمال القمة ونشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، صورًا لهما، من دون أن يتم ذكر المزيد من التفاصيل. وهذا هو الاجتماع الثاني بين الشرع وترامب، بعد لقائهما في العاصمة السعودية الرياض في أيار/ مايو الماضي. هذا وتخوض دمشق نقاشات جادة من أجل التوصل إلى اتفاق أمني مع اسرائيل لتسوية الأوضاع وعودة الأمور إلى ما كانت عليه إبان الحكم السابق. إلا أن ذلك لا يزال دونه الكثير من العقبات رغم الضغوط الأميركية الممارسة على الجانب السوري. وكان مكتب نتنياهو أعلن أن هناك مفاوضات جارية وأن نتائجها مرهونة بضمان مصالح إسرائيل، بما في ذلك نزع السلاح في جنوب غربي سوريا، وسلامة وأمن الدروز، وفقًا لما نقلته وكالة "رويترز". 

وبينما تجهد سوريا في لملمة أوضاعها الداخلية وتحسين علاقاتها الدبلوماسية الخارجية، يدخل لبنان في سجالات سياسية عقيمة و"بازار" المواقف التي تعيد نفسها في بلد يعاني أصلًا من تداعيات الحرب السورية والتعطيل الذي رافق المرحلة الماضية ناهيك عن الازمة الاقتصادية. وأعادت مناسبة احياء الذكرى الأولى لاغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله فتح باب السجالات على مصراعيه خاصة بعد الحديث عن توجه الحزب لإضاءة صخرة الروشة بصورة نصرالله وهاشم صفي الدين. وكالعادة برزت الاتصالات من أجل نزع فتيل الأزمة حيث، وفق المعطيات، تم التوصل إلى صيغة تقضي بإستمرار إقامة الفعالية الخاصة الحزب ولكن دون إضاءة الصخرة. وتترافق هذه الاختلافات مع استمرار الانتهاكات والاعتداءات الاسرائيلية على الرغم من الاتفاق المبرم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي من جهة، واستمرار التراشق الكلامي بين المسؤولين اللبنانيين والايرانيين من جهة ثانية.

ففي هذا الإطار، نفى رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف وجود "طريق مسدود بالمطلق" لإيصال الأسلحة لـ"حزب الله"، لافتًا إلى وجود "صعوبات". وإذ شدّد على أن "حزب الله حيّ" وأنه "اليوم أكثر حيوية من أي وقت مضى"، اعتبر أنّ "استمرار وجود ممثلين أميركيين في لبنان، ومحاولاتهم تجريد "حزب الله" من السّلاح، دليل على أن الحزب ليس مهزومًا؛ وإلا لما سعى العدو إلى هذه الخطوات". كلام قاليباف أتى بعد تصريح مشابه على لسان المرشد الايراني علي خامنئي الذي لفت إلى أن "حزب الله" باقٍ"، ما استوجب ردًا من وزير الخارجية يوسف رجي الذي قال "الباقي الوحيد في لبنان هي الحكومة الشرعيّة وقراراتها التي لا رجوع عنها، وفي طليعتها قرار حصر السلاح".

وعلى الصعيد عينه، حذّر الرئيس الفرنسي نظيره الإيراني مسعود بزشكيان بأن أمامه فقط بضع ساعات للتوصل لاتفاق يجنب طهران عقوبات دولية. وأورد ماكرون الشروط التي لن "يتساهل" الأوروبيون حيالها، وهي: "وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل إلى المواقع النووية" و"الشفافية في ما يتّصل بمخزونات المواد المخصبة" و"الاستئناف الفوري للمفاوضات". من جهتها، أوضحت الرئاسة الإيرانية بأن بزشكيان أكد لماكرون أن إيران لا تسعى بأي شكل إلى تصنيع القنبلة النووية، كما أكد له أن شكوك الدول الغربية بشأن البرنامج النووي الإيراني ناتجة عن سوء الفهم ودعاية إسرائيل. هذا ويجدر الذكر بأن محادثات "الفرصة الأخيرة" تهدف للتوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني وتجنّب إعادة فرض العقوبات التي تدخل حيّز التنفيذ نهاية الأسبوع الحالي.

دوليًا، شنّ الرئيس الأميركي هجومًا حادًا على روسيا واصفًا قواتها العسكرية بأنها مجرد "نمر من ورق"، جازمًا بأنه "بدعم من الاتحاد الأوروبي، يمكن لأوكرانيا أن تُعيد بلدها إلى حالته الأصلية، ومن يدري، ربما تُحقق ما هو أبعد من ذلك"، معلناً أيضًا بأنه "حان الوقت لأوكرانيا للتحرك". وهذا الموقف المستجد المعاكس لتصريحاته السابقة يأتي بعد فشل "قمة الأسكا" في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب الدائرة بين الجانبين. وتعتبر موسكو انها الطرف المنتصر حاليًا ولهذا ترفض المساومة والخضوع. وعلّق الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف على تصريحات ترامب مستخفًا بها، إذ قال "يبدو أنه تأثر برؤية الرئيس الأوكراني"، معربًا عن قناعة بأن التصريحات اتخذت "بُعدًا عاطفيًا".

وإليكم أبرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم:

أشارت صحيفة "الدستور" الأردنية إلى أن "السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق في ظل استمرار الاحتلال وسياساته العدوانية، وأن المدخل إلى الأمن والاستقرار الدولي يبدأ بإنهاء أطول احتلال في العصر الحديث وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير والعودة وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة". وأضافت "يجب على المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن تحمل مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية والسياسية، والتحرك العاجل لوقف العدوان، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ومساءلة دولة الاحتلال على جرائمها بحق المدنيين العزل".

صحيفة "النهار" اللبنانية، بدورها، اعتبرت أن " تذكير ماكرون لترامب بأن غزة هي التي توصله إلى أوسلو، كي يتساوى مع أربعة رؤساء أميركيين آخرين نالوا الجائزة من قبله، وهم في نظره لا يستحقونها أكثر منه، هو محاولة فرنسية أخرى لحض سيد البيت الأبيض على التحرك لوقف الحرب، وإيماناً من ماكرون بأن كل الجهد المبذول أوروبياً لا يعادل مبادرة أميركا نفسها، التي تزود إسرائيل بالسلاح الذي تقصف به القطاع، إلى الطلب جديًا من نتنياهو التوقف". وخلصت للقول "لقد تفوق الأوروبيون في الاختبار السياسي والأخلاقي على ترامب، عندما أعادوا إحياء فكرة حل الدولتين سبيلًا وحيدًا لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، الذي يواجه مصيراً غامضاً كمصير "أسطول الصمود العالمي"، على حدّ تعبيرها.

في سياق مشابه، كتبت صحيفة "الصباح" العراقية "بات المشهد السياسي العالمي والرأي العام الداخلي يتابع الولايات المتحدة وهي تتخبط في سياستها الخارجية بطريقة غير مسبوقة، وكأنها تسير نحو تقويض دورها كقوة عظمى بقرار ذاتي، لا نتيجة ضغوط خارجية أو تهديدات عالمية". وقالت: "تبنّت الإدارة سياسة منحازة لـ(إسرائيل)، متجاهلة القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. هذا الانحياز أفقد الولايات المتحدة دور الوسيط، وحوّلها إلى طرف صراع، مما فاقم الأزمات في المنطقة وقلّل فرص أي تسوية سياسية".

من جانبها، رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة تحمل في طياتها أكثر من رسالة؛ أولها أن دمشق الجديدة لم تعد أسيرة ماضيها المنغلق، بل تتجه إلى الانخراط في ترتيبات دولية تعكس واقعية سياسية وبراغماتية مدهشة"، موضحة أن "الرئيس ترامب ينظر إلى هذه الزيارة باعتبارها فرصة لتسجيل إنجاز سياسي يعزز صورته كصانع للسلام في منطقة تعثرت فيها معظم المبادرات الأمريكية السابقة. ولعل الاتفاق المحتمل بين دمشق وتل أبيب سيكون بمثابة الجائزة الكبرى لترمب، إذ سيمكنه من القول إنه نجح فيما عجز عنه أسلافه، أي كسر جدار العداء السوري الإسرائيلي".

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن