اقتصاد ومال

التحوّل في الاقتصاد العالمي ودور أسعار الفائدة والذهب!

بعد ضغوط سياسية مكثّفة وبيانات اقتصادية مُتضاربة، خُفِّضَ سعر الفائدة الرئيسي بواقع 25 نقطة أساس، ما يضع سعر الفائدة عند نطاق 4 إلى 4.25%. ويمثّل هذا الخفض تحوّلًا كبيرًا في سياسة البنك المركزي الأميركي. وعلى الرَّغم من أنّ البنك المركزي كان قد خفّض تكاليف الاقتراض، فإنّه أوقف أي تخفيضات إضافية لتقييم تأثير تلك التعريفات في الاقتصاد. وخفّض البنك المركزي الأميركي تكاليف الاقتراض بشكلٍ مطّردٍ، حيث استجاب صانعو السياسات للمخاوف بشأن ضعف سوق العمل. ويُشير خفض سعر الفائدة إلى أنّ مسؤولي البنك المركزي بدأوا التقليل من شأن خطر أن تؤدّي سياسات الإدارة التجارية المتقلّبة إلى تأجيج التضخّم المستمر، وأنّهم الآن أكثر قلقًا بشأن ضعف النموّ واحتمال ارتفاع البطالة.

التحوّل في الاقتصاد العالمي ودور أسعار الفائدة والذهب!

يُعتبر قرار البنك المركزي خفض سعر الفائدة، بمثابة خطوة استراتيجية تُترجَم مباشرة إلى فوائد ملموسة لاقتصادات دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى، فبفضل ارتباط عملات المنطقة بالدولار، يُصبح هذا الخفض بمثابة مُحفِّزٍ يضخّ سيولةً جديدةً، ويُعزز النموّ في قطاعات حيوية من العقارات وصولًا إلى الاستثمار، معزّزًا بذلك أجندات التنويع الاقتصادي. وتُحافظ 5 من دول "مجلس التعاون الخليجي" الست البحرين وعُمان وقطر والسعودية والإمارات مع العراق وبعض الدول العربية الأخرى، على ربط عملاتها بالدولار، في حين يرتبط الدينار الكويتي بسلّةٍ من العملات.

علامات تراجع الدولار تتكشّف في الاقتصاد العالمي مع بدء البنك المركزي الأميركي سلسلة تخفيضات في أسعار الفائدة

تمثّل مجموعة الـ"بريكس" تكتّلًا دوليًا يضمّ 10 دول: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا، مصر، إثيوبيا، إيران، الإمارات، إندونيسيا. وتهدف المجموعة إلى تعزيز نفوذ الأسواق الناشئة في النظام العالمي، إذ تسعى هذه الدول لتقليل الضغوط المالية عليها من خلال التخلّي عن جزءٍ من معاملاتها التجارية بالدولار. إذ إنّ علامات تراجع الدولار تتكشّف في الاقتصاد العالمي، مع بدء البنك المركزي الأميركي سلسلة تخفيضات في أسعار الفائدة، وذلك بعد أن ساهمت بيانات تضخّم أسعار المنتجين في تهدئة مخاوف ارتفاع أسعار المستهلك التي كانت تثير قلقًا بشأن قدرة البنك المركزي على اتخاذ إجراءاتٍ لتخفيف السياسات النقدية. ويستند هذا التوقّع إلى أسعار العقود الآجلة التي ترتبط بسعر الفائدة الذي يحدّده البنك المركزي الأميركي.

ويتأثّر معدّل الفائدة بالعديد من العوامل الاقتصادية، بما في ذلك التضخّم والنموّ الاقتصادي، ويعتمد قرار تحديد سعر الفائدة في الغالب على التضخّم، لأنّ الهدف الأساسي للبنك المركزي هو تحقيق استقرار سعر الدولار الأميركي. وبالتالي عندما يرتفع التضخّم فوق مستوى 2% تقريبًا، فإنّ البنك يُقدم على رفع نسبة الفائدة في محاولةٍ لتخفيض الأسعار، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى استقرّت أسعار الذهب بدعمٍ من بيانات تضخّم أسعار الجملة في أميركا التي عزّزت التوقّعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية مستقبلًا، عند 3643 دولارًا للأوقية (للأونصة)، مسجلًا أعلى مستوى له على الإطلاق.

من الجدير بالذكر أنّه في عام 2011، سجّل سعر الذهب أعلى مستوى له على الإطلاق عند 1923 دولارًا للأونصة، ومنذ ذلك التاريخ، لم يتمكّن المعدن النّفيس من الوصول إلى هذا المستوى إلا بعد مرور نحو تسع سنوات، وهو ما يعكس طبيعة الأسواق المالية المتقلّبة، والتغيّرات الهيكلية في الاقتصاد العالمي. وبعد تسجيل هذا الارتفاع التاريخي، بدأ الذهب رحلةً تصحيحيةً شملت انخفاضًا إلى 1045 دولارًا في 2015، قبل أن يبدأ التعافي التدريجي مسجّلًا 1942 دولارًا في 2020، في خضمّ أزمة جائحة "كوفيد – 19" التي هزّت الاقتصاد العالمي. اليوم، يعود الذهب ليؤكّد مكانته بصفته أصلًا آمنًا، إذ تجاوز مستوى أكثر من 3600 دولار للأونصة.

ارتفاع أسعار الذهب يعكس تحوّلات كبيرة في السياسات النقدية العالمية وعدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي

وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يحدث ارتفاع أسعار الذهب بمعزلٍ عن السياق الاقتصادي الكلّي، بل يعكس تحوّلاتٍ كبيرةً في السياسات النقدية العالمية وعدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي. ويشير هذا الارتفاع السريع إلى تغيّر جوهري في نظرة المستثمرين تجاه العملات التقليدية وأصول الاحتفاظ بالقيمة، خصوصًا في ظلّ المشهد المالي. وتؤكّد التحليلات الحديثة أنّ هذا الزخم قد يستمرّ خلال عام 2025 وما بعده، إذا واصل الذهب أداءه بوصفه ملاذًا آمنًا ضدّ التضخّم وتقلّبات الأسواق المالية.

وفي الختام، قفزت أسعار الذهب فوق مستوى 3700 دولار للأونصة للمرة الأولى، مدفوعةً بتزايد التوقّعات بخفضٍ وشيكٍ لأسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأميركي، وقد غذّى هذا الارتفاع عوامل متعدّدة، تشمل الطلب على الملاذات الآمنة، واستمرار مشتريات البنوك المركزية، وضعف الدولار. إنّ هذا الارتفاع مدفوع بمزيج قوي من عوامل عدّة، أبرزها استمرار مشتريات البنوك المركزية، وتزايد التدفّقات نحو الملاذات الآمنة، وتحوّل عالمي عن الدولار الأميركي الذي يعاني من ضعف مستمر. ويمثّل الذهب خيارًا جذّابًا بوصفه أصلًا يحافظ على القيمة في مواجهة الضغوط الاقتصادية المستمرّة، ويظلّ مستقبل الذهب واعدًا وفق خبراء السوق.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن