معادلة غزة واستثمار الاعتراف بالدولة الفلسطينية كشفت فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة والاعتراف الأوروبي عامة، والبريطاني خاصة، أن مناخاً جدياً يتشكّل في سياق الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ومن الواضح أن مسارات جديدة قد بدأت لاستثمار ما هو جارٍ على المستويات العربية والدولية، خاصة أن مرحلة ما بعد الاعتراف سيترتب عليها بالفعل رؤية ومقاربة سياسية وقانونية حقيقية، إضافة لتغيير التعامل في الأمم المتحدة مع السلطة الفلسطينية، التي انبثقت عن إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
لكن الإشكالية الرئيسية مع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وتتالي إقرار الدول الأوروبية بواقع الدولة إلا أن الأهم - وبعيداً عن السياقات الإقليمية والدولية المصاحبة للواقع الراهن- ارتباط ما يجري بغزة باعتبارها الأولوية الراهنة، ووقف إطلاق النار وتحديد مستقبل القطاع المستهدف والمدمر جراء السلوك الإسرائيلي. خطوة مهمة تتمثل في الاعتراف الدولي وتزايد وتنامي التأكيد على الحق الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمته القدس الشرقية، ارتكاناً لنص القرار الدولي الشهير 181 والصادر عام 1947، والقاضي بإعلان دولتين على الأرض دولة لكيان دولة الاحتلال ودولة عربية، من المفترض أن تتواجد على جزء من أرض فلسطين التاريخية، التي تتعامل وفق المقررات الدولية الأخرى، التي تؤكد على الحق الفلسطيني.
وما دار في الأمم المتحدة خلال الدورة الراهنة من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أكد عمق الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وضرورة تحريك المشهد التفاوضي وتغيير بوصلة التعامل في ظل الممارسات الإسرائيلية، لتغيير واقع القضية الفلسطينية والانتقال من مرحلة لأخرى في إطار مواجهات التغيير الديمغرافي وتنفيذ مخطط الاستيطان على الأرض، بل والدخول في عمق المعطيات الديموغرافية باستئناف البناء في معالييه أدوميم، كبرى المستوطنات اليهودية في الضفة، إضافة لبناء 22 مستوطنة جديدة وافق الكنيست الحالي على تمريرها والعمل من خلالها. المخطّط الإسرائيلي ماضٍ، وشيطنة المواقف الأوروبية الداعمة للاعتراف بالحق الفلسطيني، تتم من خلال تصريحات وإجراءات وتحريض كبير من قبل وزراء حكومة نتنياهو مدعومين بحركة أميركية وتحريض لافت ورئيسي.
وهؤلاء يرون أن التوصل إلى الدولة الفلسطينية، أمر مرتبط بالأساس، وفي المقام الأول بتوافقات مشتركة وخارج سياق الأمم المتحدة، ومن خلال موقف إسرائيلي برغم إدراك الولايات المتحدة أنه لا قبول إسرائيلي داخل مكونات الائتلاف وخارجه بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، خاصة أن تخريب أي خطوة نحو التوصل إلى هذا الأمر ظل هدفاً إسرائيلياً وأميركياً، وفي إطار من الحسابات المشتركة.
ومن الضروري التأكيد على أن المتغيرات الجديدة المتعلقة بالأراضي الفلسطينية، يجب أن تنطلق من وحدة الأراضي بين غزة والضفة الغربية وتواصل حدودها، وأنه لا يمكن القبول بإقامة الدولة برغم كل الصعوبات من دون غزة أو ما يعرف بتكريس المخطط الإسرائيلي الأميركي، بفصل القطاع عن الضفة، وإتمام المشروعات الأميركية والأوروبية سواء من خلال "مشروع ريفييرا المتوسط" أو مشروع توني بلير أو غيرهما، من طروحات تهدف إلى تغيير الرؤية المقاربة لمستقبل الأراضي الفلسطينية انطلاقاً من غزة خاصة مع التخوف من فصل القطاع عن غزة، ولكن يبدو أن الأمور تبدو في الأفق تعمل في هذا الاتجاه أو مبادلة مستقبل الضفة عن ما سيجري في القطاع والخطط الشيطانية الراهنة التي تعمل في اتجاه احتلال القطاع بالكامل بعد تنفيذ احتلال مدينة غزة، والبناء على سيناريوهات من بينها: إقامة إدارة مدنية وعسكرية لإدارة الأوضاع في غزة لمدة انتقالية قبل إتمام مشروع الإعمار بعد تفريغ القطاع من سكانه.
إن التأكيد على الحق الفلسطيني ثابت وفق مقررات الشرعية الدولية، والبناء على ما تم مرتبط بالفعل بضرورة التحرك العربي الفلسطيني بتركيز الأولويات المنشودة وإعادة تقديم السلطة الفلسطينية إلى نطاقها من خلال إعادة ترتيب الأولويات وإصلاح نظام منظمة لتحرير الفلسطينية، كمدخل للتعامل مع الاستعداد لجعل السلطة شريكاً في ما يجري بقطاع غزة بصرف النظر عن التحفظات الإسرائيلية، إذ إن هذا الأمر سيخضع بالأساس لمراجعات حقيقية لاحقاً حال تبدل الظروف داخل قطاع غزة، وعدم مضي الأمور في إطارها كما هو مخطط إسرائيلياً وأميركياً حال تجدد أعمال المقاومة وعدم الاستقرار في القطاع بل وفي الضفة، ما يؤكد أن المسار الإسرائيلي الأميركي قد يتعطل بما يعطي فرصة حقيقية للتعامل، وطرح البديل مع الاستعداد بالفعل للتعامل مع كل المتغيرات الرئيسة، والمحتمل حدوثها مع التأكيد الدائم على وحدة الأراضي الفلسطينية، وعدم القبول بأنصاف الخيارات في هذا السياق من الأولويات المطروحة.
ومن المتوقع أن تُقدم إسرائيل على تسريع مخططها الراهن في غزة مع استكمال عمليات التهجير في الضفة والقطاع مع احتمال ضم المناطق، وإعلان الحكم العسكري، بل والدخول في مناطق (ج) في الضفة خاصة بعد ما جري في الجمعية العامة، وتتالي الاعترافات الدولية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ومواجهة المد الإسرائيلي الراهن واستمرار نزع شرعية إسرائيل في المحافل الدولية ما يتطلب متابعة ما قد يجري داخل إسرائيل من تحولات وتصعيد للموقف بأكمله في الإقليم.
(الاتحاد الإماراتية)