صحافة

خطاب ترامب في الأمم المتحدة يُعمّق عزلة أمريكا

عبدالله خليفة الشايجي

المشاركة
خطاب ترامب في الأمم المتحدة يُعمّق عزلة أمريكا

شكل خطاب الرئيس ترامب الأول في رئاسته الثانية صدمة بين قادة الدول وممثليهم المشاركين في الدورة الثمانين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي. استغرق خطاب ترامب حوالى الساعة وكان أشبه بمحاضرة، افتقد لرؤية وطرح شمولي عقلاني واقعي واستراتيجي، كرر فيه ازدرائه للنظام العالمي ومؤسساته ومنظماته. تعمد ترامب في خطابه التشدد والانتقاد من سياسة الهجرة والتشكيك بأزمة المناخ والاحتباس الحراري، ولم يقدم علاجاً وحلولاً للأزمات العالمية، وتخلى عن ممارسة دور القيادة الدولية. خاصة بعد تشكيل ورعاية ودعم الولايات المتحدة للنظام العالمي ومؤسساته بما فيه الأمم المتحدة، في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة بين الغرب بقيادة أمريكية والشرق بقيادة سوفيتية.

بالمجمل كان خطاب الرئيس ترامب مخيّبا للآمال بدا فيه ترامب أقرب إلى مرشح للرئاسة مكررا مقارباته ومواقفه وكأنه يخاطب ناخبيه وخاصة جماعة حركته ـ وليس لقادة العالم في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة وحول العالم! الذين لا شك تساءلوا بينهم وبين أنفسهم عن ماذا يتكلم ترامب؟ ويبدو أنه التبس عليه الأمر ونسي أنه يخاطب العالم وليس جماعته المتشددة المحافظة!!

أضر خطاب ترامب بمكانة وسمعة الولايات المتحدة ودورها على المسرح الدولي. وعمق انكفاءها. وأكد تغريدها خارج السرب كونها الداعمة الوحيدة لإسرائيل وشراكتها في حرب الإبادة على غزة. بعدما غابت عن مؤتمر حل الدولتين برئاسة السعودية وفرنسا-الذي قاد لطوفان اعترافات الدول الحليفة الأوروبية بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة تتقدمهم دول كبرى وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا وكندا وبلجيكا والبرتغال وأستراليا ولوكسمبورغ وأندورا، ما يرفع عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين 155 دولة ـ تشكل ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة!! بينهم أربعة من الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن ـ وتبقى الولايات المتحدة الوحيدة التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية، بل تنتقد الدول التي اعترفت وستعترف بالدولة الفلسطينية مدعية أنه تصرف أحادي!!.

طغى على خطاب ترامب في الأمم المتحدة، تناوله ومقارباته للشؤون الداخلية التي لا تهم القادة والشعوب حول العالم. وكان مسيئا للأمم المتحدة، لتعددية النظام العالمي ومنظماته ـ انسحب ترامب في رئاسته الأولى والثانية من عضوية تلك المنظمات وسخر منها وخفض مساهمات الولايات المتحدة السنوية، بما فيها منظمة الأمم المتحدة قرّعها وانتقدها وحاضر عليها من على منبرها. كما انتقد الحلفاء وخاصة الحلفاء الأوروبيين أكثر من انتقاده للخصوم..

وشهد خطاب الرئيس ترامب مبالغاته المعتادة، أبرزها أنه أنهى سبع حروب خلال سبعة أشهر من رئاسته. بينها نزاعات لم يكن لترامب دور فيها بين الهند وباكستان -تنفي الهند أن ترامب قام بالوساطة لوقف حرب الأيام المعدودة. وبين إسرائيل وإيران التي شاركت الولايات المتحدة بقصف منشآت إيران النووية. وحرب وهمية لم تقع بين مصر وإثيوبيا!!

لكن بذكر ترامب الحروب ـ ذّكر من دون قصد فشله الكامل بإنهاء أخطر وأكثر حربين دمويتين تحظيان بأكبر تغطية واهتمام عالمي ـ وهو فشله وإدارته ومبعوثيه إلى المنطقة بوقف حرب الإبادة الوحشية التي تشنها إسرائيل على غزة منذ عامين والتي أدت إلى تغير الوضع في الشرق الأوسط بشكل كلي. وأدخلت الولايات المتحدة شريكا في الحرب بتقديم الدعم والإسناد والسلاح والغطاء السياسي وحتى استخدام الفيتو ست مرات (4 في رئاسة بايدن و2 في رئاسة ترامب) آخرها قبل أسبوعين ـ بمعارضة وقف حرب إسرائيل على غزة ـ برغم تصويت 14 من 15 دولة أعضاء دائمين وغير دائمين في مجلس الأمن. ونذكر أن ترامب هو من غيّر مسمى وزارة الدفاع بأمر تنفيذي إلى «وزارة الحرب»!!

وهاجم ترامب بشدة الأمم المتحدة من على منبرها وتساءل ما هي مهمة الأمم المتحدة؟ وانتقد الدول الحليفة في حلف الناتو والحلفاء الأوروبيين لعدم وقفهم تدفق المهاجرين ـ وحذرهم من خبرته أنه إذا استمروا باستقبال اللاجئين فستذهب دولهم إلى الجحيم.. وانتقد الدول الأوروبية لتناقضهم باستمرار شراء النفط الروسي، بينما يدعمون أوكرانيا ويزودونها بالسلاح لهزيمة روسيا! وانتقد بوتين وهدد بفرض عقوبات!! وانتقد الصين لشراء النفط الروسي! بينما ترامب نفسه هو من يشن حروبا تجارية بإصراره على رفع الرسوم والتعريفات الجمركية ما يعمق الكلفة الشرائية على الطبقات الوسطى والفقيرة في الولايات المتحدة وحول العالم.

لم يحظ الشرق الأوسط وملفاته وأزماته وخاصة غزة إلا باهتمام عابر. سوى بتكراره لموقفه بالمطالبة بوقف حرب غزة على الفور وإطلاق سراح الأسرى ـ كيف ذلك دون خطة وضغط مباشر على نتنياهو الذي سيلتقيه اليوم الإثنين للمرة الرابعة منذ شباط/فبراير الماضي؟! ولم ينس انتقاد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين! لأنه اعتراف رمزي وليس خطوة فعلية نحو السلام. وكرر سردية إسرائيل أن الاعتراف هو مكافأة لحماس والإرهاب. وهاجم إيران ووصفها بالدولة الراعية للإرهاب. وتفاخر بضرب وتدمير قدرات إيران النووية، بعد ضرب منشآتها النووية مع إسرائيل في حزيران/ يونيو الماضي!

لكن تصريحات ترامب بعد اجتماعه مع قادة وممثلي دول عربية وإسلامية في نيويورك ووصفه بأهم اجتماعاته ـ ومطالبات القادة بوقف الحرب ومنع إسرائيل من الاستمرار بالعدوان ورفض ضم الضفة الغربية واستهداف دول خليجية، وكان ملفتاً تأكيده أنه لن يسمح لنتنياهو بضم الضفة الغربية، وسيدفع لوقف حرب غزة، وإطلاق سراح الرهائن وقدم خطة لإدارة قطاع غزة بعد وقف الحرب. هل يؤسس هذا لتحول ومرحلة جديدة؟! لننتظر اجتماع ترامب مع نتنياهو الرابع في البيت الأبيض اليوم وما بعده من مواقف لنرى ونحكم!!

(القدس العربي)

يتم التصفح الآن