وضعت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة حركة "حماس" بين خيارين إما القبول ببنودها أو استمرار المقتلة إلى ما لا نهاية بعدما أعطى الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو للاستمرار في الحرب بحال فشل التوصل إلى إتفاق. ولكن ما هو معروض اليوم على الفلسطينيين عمومًا والحركة خصوصًا قد لا يتلاءم مع أحلامهم وطموحاتهم في ما يتعلق بإقامة دولة فلسطنينية والعيش بسلام لأن الخطة تفتقر إلى تحقيق ذلك، وإن إدعى ترامب بأنها ستجلب السلام مكررًا هذه المفردة مرات عديدة علّه يحصل على "جائزة نوبل للسلام"، التي يطمح إليها من باب اعتباره بأن له اليد الطولى في إنهاء 7 حروب، بحسب تصريحاته المتكررة.
وبالتالي تبدو الحركة في موقفٍ حرجٍ وحتى أهالي غزة الذين اطلعوا على ما جرى في البيت الأبيض أدركوا أن القبول بما هو معروض عليهم أشبه بـ"النكبة" ولكن الرفض يعني "نكبات"، مع تصاعد العملية العسكرية الاسرائيلية وارتفاع أعداد الشهداء والمجوعين كما النازحين الذين تضايق بهم مساحة القطاع التي قلصتها قوات الاحتلال إلى ما لا يتعدى الـ12%. والتقدم الاسرائيلي هو وليد التفوق العسكري والتكنولوجي والدعم اللامحدود من واشنطن التي نسجت خطة على قياسها وقياس تل أبيب من دون تحديد آليات تنفيذية واضحة في ما يتعلق بالانسحاب الاسرائيلي وجدوله الزمني ومسألة سلاح "حماس" كما بدا مقترح تعيين مجلس إدارة يرأسه ترامب وإلى جانبه طوني بلير الذي يصفه البعض بـ"مجرم حرب"، تجاوزًا صارخًا للسلطة الفلسطينية التي، بدورها، رحبت بجهود الرئيس الأميركي ولكنها لم تبدِ رضى كامل عن العديد من بنود الاتفاق، مؤكدة استعدادها لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة منها وذلك في إطار مساعيها لضمان دور أكبر في "اليوم التالي" لإدارة قطاع غزة بعدما همشتها الخطة وجعلتها مجرد شاهدًا وجردتها من كافة صلاحياتها.
هذا وكان نتنياهو صرح، الثلاثاء، بأنه لم يوافق على إقامة دولة فلسطينية خلال محادثاته مع ترامب في البيت الأبيض، مشيرًا إلى أنه سيقدم تقريرًا "تفصيليًا إلى أعضاء الحكومة وأعضاء الحكومة" الأمنية بشأن ما جرى، لاسيما بعدما فجر الاتفاق المعلن جدلًا واسعًا في اسرائيل، حيث تراوحت المواقف بين قبول مشروط وتحفّظات وانتقادات شديدة اللهجة لرئيس الوزراء الاسرائيلي من قبل وزراء وشخصيات من اليمين المتطرف، وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين وصفا ما تم الاتفاق عليه بـ"الكارثي" ويبقي إسرائيل "رهينة بيد حركة حماس". فيما أبدت المعارضة الاسرائيلية انفتاحًا أكبر معتبرة بأنها تشكل فرصة لإنهاء أزمة الرهائن المحتجزين في القطاع دفعة واحدة. بموازاة ذلك، أعلنت وزارة الخارجية القطرية عن اجتماع عُقد مساء أمس في الدوحة لمناقشة تفاصيل المبادرة، بمشاركة وفد من الحركة ومسؤولين من تركيا ومصر.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن ما طرح "ما يزال في مراحله الأولى، ويحتاج إلى تطوير وتوضيح، خاصة فيما يتعلق بآليات الانسحاب الإسرائيلي من القطاع"، مشيرًا إلى أن "الرّد النهائي يتطلب توافقًا داخليًا بين الفصائل الفلسطينية التي دعاها إلى النظر في الخطة بشكل بناء، واستغلال الفرصة المتاحة لإنهاء الحرب". إلى ذلك، كشف موقع "أكسيوس" أن الخطة التي أعلنها الرئيس الأميركي بشأن غزة شهدت تعديلات جوهرية أدخلها نتنياهو، مما أدى إلى تغيير كبير في بنود الاتفاق الذي سبق أن وافقت عليه الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية والإسلامية. وبحسب الموقع، فإن المقترح الجديد يربط الانسحاب الإسرائيلي بتقدّم عملية نزع سلاح "حماس"، ويمنح إسرائيل حق النقض (الفيتو) على العملية، وحتى إذا تمّ استيفاء جميع الشروط واستُكملت المراحل الثلاث للانسحاب، فإن القوات الإسرائيلية ستبقى في نطاق أمني داخل القطاع "إلى أن تصبح غزة مؤمّنة بشكل كامل ضد أي تهديد متجدّد" وهذا قد يعني إلى أجل غير مسمّى. وقد أعرب مسؤولون من السعودية ومصر والأردن وتركيا عن غضبهم من هذه التعديلات.
إلا أن هذا "الغضب" لن يغيّر في المعادلة القائمة بعدما كرس ترامب سياسة "الاستسلام" لا "السلام" في المنطقة التي تنهشها الصراعات السياسية والمطامع الاستراتيجية، واضعًا "حماس" في "خانة اليكّ" ومانحًا إياها 3 أو 4 أيام للرّد على خطته، محذرًا من أن "إسرائيل ستفعل ما يجب عليها فعله" في حال الرفض، موضحًا أن المبادرة "تمنح الفلسطينيين فرصة تاريخية لوقف الحرب والانتقال إلى مرحلة جديدة من السلام والتنمية"، على حدّ تعبيره. وتواجه "حماس" ضغوطًا داخلية وخارجية، وذلك بفعل مطالبة السكان وشخصيات عديدة بضرورة الموافقة على الاتفاق المعروض بإعتباره أفضل الممكن بظل موازين القوى الحالية وسط دعوات مشددة إلى ضرورة حماية ما تبقى من القطاع ووضع حد لسفك الدماء المتواصل منذ ما يُقارب العامين. وبين سندان ترامب ومطرقة الخطة الأميركية "المجحفة" تستمر العمليات العسكرية في القطاع الذي يشهد على المزيد من القصف المكثف والتدمير الممنهج فيما ترتفع حصيلة التجويع بعدما وثقت وزارة الصحة استشهاد 453 شخصًا، بينهم 150 طفلًا نتيجة المجاعة وسوء التغذية.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، من جهتها، طالبت بتقديم المزيد من خدمات التغذية والصحة المنقذة لحياة الأطفال، لافتة إلى أن طفلًا واحدًا من كل 5 في قطاع غزة يولد قبل أوانه أو يعاني من نقص بالوزن عند الولادة. في وقت بدأ العدّ التنازلي لدخول 41 سفينة على الأقل من ضمن أسطول الصمود العالمي إلى "المنطقة شديدة الخطورة"، وسط ترجيحات بأن تحاول البحرية الإسرائيلية اعتراضهم فيها خلال الأيام القليلة المقبلة. وكانت إيطاليا دعت المشاركين في الأسطول إلى التوقف فورًا، وقررت سحب فرقاطتها العسكرية المرافقة له، في خطوة وصفها ناشطون بأنها انحياز واضح لسياسات إسرائيل. وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، التي تعتبر من المدافعين عن تل أبيب، إن أي خيار آخر غير توقف الأسطول قد يشكل عقبة أمام السلام. بينما استمر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو في تصريحاته الهجومية، واصفًا ترامب بأنه شريك في جريمة الإبادة الجماعية في غزة كما أعلن أن اتفاقية التجارة الحرة المبرمة مع الولايات المتحدة ستُعاد مراجعتها وسيتم إلغاء اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع إسرائيل.
في السيّاق، تخطف مستجدات غزة الاهتمام ولكن ما يجري في الضفة الغربية المحتلة لا يقل إجرامًا ووحشية مع تعمد الاحتلال التضييق على السكان وسلبهم ممتلكاتهم وأراضيهم ناهيك عن "غزوات" المستوطنين وأعمال العنف اليومية وخطط الاستيطان الأخذة بالتوسع. وأمس، الثلاثاء، أدى اعتداء نفذه مستوطنون إلى توقف عمل 3 آبار مياه يعتمد عليها سكان 19 تجمعًا فلسطينيًا قرب مدينة رام الله. في حين أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بوقوع عملية دهس أعقبه إطلاق نار قرب مفرق الخضر المؤدي إلى مستوطنة غوش عتصيون جنوب القدس المحتلة، ما أسفر عن إصابة 3 إسرائيليين بجروح متفاوتة. من جانبه، أكد المراسل العسكري للقناة 14 أن منفذ العملية هو شاب من بلدة بيت جالا القريبة، وأنه استشهد برصاص القوات الإسرائيلية.
تزامنًا، أعلن الحوثيون إنتهاء الهدنة السابقة والتي تم الاتفاق عليها مع إدارة ترامب، مؤكدين بأنهم سيعمدون إلى مهاجمة شركات نفط أميركية كبرى مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون". ولم يعرف بعد الأسباب التي أدت إلى انتهاء "شهر العسل" بين الجانبين رغم الأجواء التفاؤلية التي يحاول البعض تعميمها بعد تبني الرئيس الاميركي خطة السلام في الشرق الأوسط والتي تقوم على انهاء الحرب في غزة وفق أحاديثه الصحفية. هذا وكان المتحدث العسكري باسم جماعة "انصار الله" (الحوثيين) تبنى المسؤولية عن استهداف سفينة الشحن الهولندية "إم في مينرفاجراخت" قبالة سواحل عدن. وأضاف المتحدث بأنه تم استهداف السفينة بصاروخ "لانتهاك الشركة المالكة لها قرار حظر الدخول" إلى الموانئ الإسرائيلية، مؤكدًا أن "العملية أدت إلى إصابة السفينة بشكل مباشر واشتعال النيران فيها، وهي الآن معرضة للغرق". وينفذ الحوثيون، المقربون من إيران، هجمات من حين لآخر على سفن في خليج عدن، واضعين ذلك في إطار تقديم الاسناد والدعم للفلسطينيين في الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة.
على المقلب الايراني، شدّد الرئيس مسعود بزشكيان أن العالم يمارس ضغوطًا على بلاده كي تستسلم، مجددًا التأكيد بأن "إيران لن تخضع"، وذلك في أعقاب إعادة فرض العقوبات الأممية عليها بعد فشل التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي. وتتضمن العقوبات، التي تم إعادة تفعيلها ضمن "آلية الزناد" المنصوص عليها في الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع القوى الكبرى عام 2015، حظرًا على صادرات السلاح والمواد المرتبطة بتخصيب اليورانيوم والصواريخ الباليستية. بدوره، أعلن رئيس الأركان الإيراني، عبد الرحيم موسوي، استعداد القوات البحرية "لأي اشتباك أو مواجهة محتملة" وذلك خلال تفقده القوات البحرية للجيش و"الحرس الثوري" قبالة مضيق هرمز. وتلوح في الأفق معطيات عن إمكانية تجدد المواجهة بين إيران والولايات المتحدة من جهة كما وجود مخاوف من تكرار الهجمات الإسرائيلية من جهة ثانية.
أما في ما يتعلق بالعناوين والمقالات الصادرة اليوم في الصحف العربية، فهنا سرد بأهم معطياتها والتي ركزت على تداعيات الخطة الأميركية والحرب على غزة:
تناولت صحيفة "القدس العربي" الخطة الأميركية قائلة "وإذا كان ترامب قد تقصد إضفاء تمثيلات وردية عليها، فإنه لم يتأخر عن لغة التهديد والوعيد ومساندة دولة الاحتلال أكثر فأكثر نحو "إنجاز العمل" في شتى أشكاله الإبادية والوحشية، ولم يغفل عن تحويل رئيس حكومة الاحتلال من مجرم حرب مدان بموجب القانون الدولي إلى "محارب" وشريك للولايات المتحدة في صناعة السلام"، معددة الأسباب التي حتمت اقرار مثل هذه الخطة في هذا التوقيت بالذات، حيث "يستميت ترامب لتوفير الأسباب التي قد تضمن له الحصول على "جائزة نوبل للسلام". السبب الثاني هو التحولات الكبرى على صعيد مواقف الرأي العام الدولي وسيل الاعترافات بالدولة الفلسطينية. السبب الثالث، والأهم ربما، هو أن إخفاقات الجيش الإسرائيلي العسكرية والفشل الذريع في إتمام أي من الأهداف التي أعلنها نتنياهو منذ الساعات الأولى بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر".
صحيفة "الخليج" الاماراتية، بدورها، اعتبرت أن الخطة الحالية ضمنت "تراجع ترامب عن خططه السابقة بتهجير الفلسطينيين، وإقامة "ريفييرا الشرق الأوسط" في غزة، ووافق على إعادة إعمارها، كما وضع حدًا لتكهنات موافقة إدارته على ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، وهذا بحد ذاته يعتبر إنجازًا سياسيًا حققته الدول العربية والإسلامية في الحؤول دون التوسع، ومنع مخططات قيام "إسرائيل الكبرى" أو ما يسمى "الشرق الأوسط الجديد" كما يردد نتنياهو". وأضافت "الخطة تضع جميع الأطراف أمام خيارات صعبة. فإسرائيل مطالبة بمراجعة حساباتها ومخططاتها، و"حماس" تقف أمام اختبار حقيقي تجاه الشعب الفلسطيني في غزة وإنقاذه من حرب الإبادة والمنطقة تقف على عتبة ترتيبات جديدة ستحدد شكل التوازنات المقبلة، والولايات المتحدة مطالبة بموقف يؤكد مصداقيتها والتخلي عن سياسة ازدواجية المعايير"، على حدّ تعبيرها.
أما صحيفة "الصباح" العراقية فأشارت إلى أنه اتفاق "أوسلو" استنفذ لمشروعيته كمشروع غير قادر على تأمين الضمانات الدنيا للحق الفلسطيني، وبعدما تأكد أن حكومات اليمين الإسرائيلي، المتعاقبة ما انفكت تعمل على تطوير رؤاها لتصل إلى حدود “طبعة” نتنياهو المنقحة التي تقول إن قيام دولة فلسطينية سيكون بمثابة "إقرار إعدام لإسرائيل"، متسائلة "ألا يجب على الفلسطينيين والعرب عموما، مراجعة تلك المسارات التي سلكوها وهي لم تجلب لهم إلا عقودا من الخيبات؟ ثم ألا يجب أن تأخذ الإنحيازات الحاصلة في البنيان الغربي حيال مسألة الدولة الفلسطينية بعين الإعتبار، وهي لم تكن إلا بعد “الطوفان” الذي أعاد لخيار المقاومة توهجه من جديد"؟.
من جانبها، رأت صحيفة "الغد" الأردنية أنه إذا "توقفت الحرب في فلسطين، أو لم تتوقف، فإن الجبهة المستهدفة بعد فلسطين هي إيران، وهي جبهة قد تمر بعدة دول وتحديدا العراق، واليمن، وسورية، ولبنان، وهذا يعني أن الإقليم لن يهدأ تماما"، معتبرة أنه "في سياق الحسابات الإيرانية، من مصلحة طهران استمرار المواجهات في غزة، وعلى أكثر من جبهة، في سياقات جدولة أزمتها المباشرة، لكن الكارثة قد تكمن في معرفة الإسرائيليين هذه الحسبة الإيرانية الدقيقة، بما قد يجعلها تذهب للحرب مباشرة، دون المرور بجبهات الإسناد، من خلال ضربة جديدة لطهران، وهي بالتأكيد قد تؤدي هذه المرة إلى خروج الحسابات عن كل التوقعات."
(رصد "عروبة 22")