صحافة

"المشهد اليوم"...إسرائيل تهاجم أسطول الصمود وانتقادات لخطة ترامبعقوبات أميركية على كيانات مرتبطة بإيران ولاريجاني يؤكد قدرة "حزب الله" على قلب الموازين

من صور" أسطول الصمود العالمي" الهادف لكسر الحصار عن غزة (وكالات)

تتكثف المشاورات بين حركة "حماس" والدول المعنية من أجل التوصل إلى ردّ على الخطة الأميركية الرامية لإنهاء الحرب في غزة. وبينما تُكثر التصريحات والتسريبات، لا يزال موقف الحركة غامضًا وملتبسًا لاسيما أن ما سُرّب على لسان بعض مصادرها يؤكد بأنها ستطالب بتعديلات وتبدي تحفظات على عدد من البنود الواردة في الاتفاق الذي وافق عليه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اللقاء الذي جمعه في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبين ضغوط الخارج ومهل الولايات المتحدة الأميركية من جهة وبين القصف العنيف وعداد الشهداء الذي يزداد يومًا بعد يوم وسط تصاعد العملية العسكرية من جهة ثانية تقف الحركة ومن خلفها الفصائل الفلسطينية في موقع شديد الحساسية، فالقبول يعني بنظرها "هزيمة نكراء" فيما الرفض سيمنح ضوءًا أخضر لاستكمال إبادة سكان غزة واستمرار المحرقة إلى ما لا نهاية.

وبإنتظار تبلور موقف واضح ونهائي تجاه الخطة، اغتنم الجيش الاسرائيلي الفرصة وقرر زيادة ضرباته وقصفه الذي طال مختلف أنحاء القطاع حتى تلك المناطق التي يصفها بـ"الآمنة". والأمان، بالمفهوم الاسرائيلي، هو مجرد خدعة لأن تل أبيب لم تلتزم يومًا باتفاقياتها أو تصريحاتها بل أخلّت بها ونقضتها مرارًا وتكرارًا بحجج وذرائع واهية. وفي هذا الصدّد، أعلن الجيش الإسرائيلي عن إغلاق شارع الرشيد الساحلي أمام الحركة من جنوب القطاع إلى شماله، بينما أبقاه مفتوحًا باتجاه الجنوب أمام من تبقوا داخل مدينة غزة، بهدف الضغط عليهم للنزوح إلى المناطق الوسطى والجنوبية. ومن شأن هذه الخطوة أن تزيد معاناة الأهالي مع تشديد الحصار على من رفضوا النزوح وقرروا البقاء في أرضهم، والذين يُقدر عددهم بـ270 ألف فلسطيني وسط انعدام كامل لكل مقومات الحياة مع توقف معظم المستشفيات عن العمل نتيجة الاستهدافات المتكررة ووجود نقص كبير في الأدوية والعلاجات الطبية.

وفيما تستخدم اسرائيل كل أساليب الوحشية والترهيب وتتفنن في القتل والاجرام لدفع سكان مدينة غزة إلى النزوح، هدّد وزير الدفاع يسرائيل كاتس بإعتبار كل من سيبقى في المدينة "إرهابيين" وداعمين لحركة "حماس". وقال: "جيش الدفاع الإسرائيلي مستعد لجميع الاحتمالات، وهو مصمم على مواصلة أنشطته حتى عودة جميع الرهائن ونزع سلاح "حماس"، في طريق إنهاء الحرب". أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فعلّقت عملها مؤقتًا بمدينة غزة نتيجة ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية، مشيرة إلى أن عشرات الآلاف من السكان هناك يعيشون "ظروفًا إنسانية مروّعة، وهم في أمس الحاجة إلى مزيد من المساعدة، في ظل تدهور الوضع"، مؤكدة أن المدنيين يتعرضون للقتل، والنزوح القسري، كما يجبرون على تحمل ظروفٍ قاسية. واستشهد أمس، الأربعاء، أكثر من 73 شخصًا بنيران الاحتلال، في حين سجلت وزارة الصحة في غزة وفاتين نتيجة سوء التغذية وسياسة التجويع التي تنتهجها تل أبيب، مما يرفع عداد الضحايا إلى 455 شخصًا، بينهم 151 طفلًا.

تزامنًا، انطلقت مظاهرات في عدة مدن أوروبية تنديدًا باعتراض قوات البحرية الإسرائيلية "أسطول الصمود العالمي" الذي كان يتجه إلى قطاع غزة وتحويل وجهة عدد من سفنه إلى ميناء أسدود الإسرائيلي. وتظاهر المئات في برشلونة وإسطنبول وبرلين وأثينا وباريس وبروكسل وروما مندّدين بما يجري على وقع استنكار دولي ومطالبات بحماية المشاركين وضمان سلامتهم. وكان منظمو الأسطول استنكروا المداهمة الإسرائيلية ووصفوها بأنها "جريمة حرب". وقالوا إن الجيش استخدم أساليب عدائية، بما في ذلك توجيه خراطيم المياه نحو القوارب، لكن لم يصب أحد بأذى. من جهتها، تحدثت القناة الـ13 الإسرائيلية عن سيطرة سلاح البحرية حتى الآن على 6 سفن في أسطول الصمود. ونقلت القناة عن مصادر أن عملية السيطرة ستتواصل حتى يوم غد، الخميس. وهذه التصرفات باتت تواظب عليها اسرائيل منعًا لكسر الحصار المفروض على غزة وتحديًا للإرادة الشعبية ما دفع الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو إلى الإعلان عن توجيهه أمر بطرد كل أفراد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية المتبقين في البلاد. وقال بيترو إن البحرية الاسرائيلية احتجزت امرأتين كولومبيتين في "المياه الدولية" ودعا إلى "إطلاق سراحهما فورًا".

في غضون ذلك، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي تصعيد عملياتها العسكرية في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، وشنّت حملة اعتقالات ومداهمات واسعة شملت مدن قلقيلية وطولكرم وجنين شمالا، وبيت لحم جنوبا. في وقت تتفاقم فيه هجمات المستوطنين بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم، وسط عجز دولي يثير الكثير من علامات الاستفهام. وفي القدس المحتلة، اقتحم 489 مستوطنا باحات المسجد الأقصى بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، ونفذ المستوطنون جولات استفزازية وأدوا طقوسًا تلمودية، استجابة لدعوات جماعات استيطانية تنضوي تحت ما يُسمى "اتحاد منظمات الهيكل"، استعدادًا لاقتحام واسع يُخطط له يوم الاثنين المقبل بمناسبة "عيد العُرش" العبري. يُذكر أن "هيئة مقاومة الجدار والاستيطان" وثقت قيام السلطات الإسرائيلية بإصدار ما مجموعه 52 أمرًا عسكريًا لأغراض وضع يد على الأراضي الفلسطينية منذ مطلع 2025.

الاعتداءات الاسرائيلية لا تقف كما بات واضحًا عند حدود غزّة والضفة المحتلة بل تتعداها إلى سوريا التي تشهد اقتحامات يومية وترويع للسكان. في وقت فشلت فيه المفاوضات حتى اللحظة بالتوصل إلى تفاهمات أمنية تدفع نحوها الولايات المتحدة عبر موفدها توم برّاك وذلك بسبب العقبات والعراقيل الكثيرة التي تحيطها. وسبق لوكالة "رويترز" أن أشارت إلى أن سبب التعثر يعود إلى تمسك تل أبيب بإنشاء ممر يصل بين إسرائيل ومحافظة السويداء السورية، لكن ذلك يعتبر نقطة في بحر الاختلافات في وجهات النظر وتتعلق بشكل رئيسي بمطالب سورية بانسحاب إسرائيل من المواقع التي احتلتها منذ أواخر عام 2024، والعودة إلى حدود اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 تحت إشراف الأمم المتحدة، مع وقف انتهاك إسرائيل للأجواء السورية. وتصرّ تل أبيب، من جانبها، على الاحتفاظ بقمة جبل الشيخ الاستراتيجية وترفض التفاوض حول مستقبل الجولان في أي اتفاق سلام وتدعو إلى ان يكون الجنوب السوري منزوع السلاح.

ومن سوريا إلى لبنان الذي شهد أيضًا أمس على انتهاك اسرائيلي جديد للسيادة اللبناية بعدما استهدفت مسيّرة اسرائيلية سيارة في بلدة كفرا بقضاء بنت جبيل جنوبي البلاد ما ادى إلى مصرع شخص وإصابة 5 آخرين بجروح. يأتي ذلك فيما أعلنت الأمم المتحدة بأنها تحققت من مقتل 103 مدنيين في لبنان منذ وقف إطلاق النار عقب الاتفاق المبرم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إلى "مضاعفة الجهود للانتقال إلى وقف دائم للأعمال العدائية"، موضحًا بأن "مئات المدارس والمراكز الصحية ودور العبادة، وغيرها من المواقع المدنية المتضررة، لا تزال مناطق محظورة أو صالحة للاستعمال جزئيا فقط". وناشد لبنان مرارًا وتكرارًا المجتمع الدولي والجهات الضامنة لوقف التعديات من جانب تل أبيب في حين تخوض الحكومة داخليًا معركة ذات ارتدادات سياسية واسعة من أجل حصر السلاح وبسط سيطرتها على كامل أراضيها.

وكانت البلاد شهدت الأسبوع الماضي سجالات لبنانية – ايرانية على خلفية دعم طهران المتواصل لـ"حزب الله"، وهو موقف أعاد تكراره أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني، في تصريحات نقلتها وكالة "مهر" للأنباء، إذ شدّد على أن "حزب الله" ما زال قويًا عسكريًا وقادرًا على قلب الموازين، لكنه يلتزم الصمت حاليًا في مواجهة خروقات وقف إطلاق النار"، جازمًا بأن الاغتيالات الأخيرة - بما فيها اغتيال قادة وعلماء نوويين - لم تُدمر الحزب ولا القدرات العلمية والتكنولوجية لإيران. وأضاف أنه خلال زيارته للبنان، شهد "حزب الله" يُعيد بناء نفسه "بسرعة ويُواصل المقاومة". وكان لاريجاني شارك في الذكرى الأولى لاغتيال الأمينين العامين للحزب والتقى عدد من المسؤولين اللبنانيين، من بينهم رئيس الحكومة نواف سلام، الذين جدد أهمية عدم التدخل في الشؤون الداخلية وصون العلاقات اللبنانية – الايرانية بما يحمي مصالح البلدين. وقد شهدت الآونة الاخيرة تزايدًا في التصريحات الايرانية بشأن الحزب وإعادة تقديم الدعم له بما فُسر على أنه رسالة بأن ايران لن تتخلى عن ورقتها التفاوضية الأبرز وأن نفوذها ودورها في لبنان لم يتأثر بالضربات الاسرائيلية واختلال موازين القوى لصالح اسرائيل.

أما التغيرات الاقليمية وإعادة فرض العقوبات الأممية، فتواجهها ايران بالمزيد من التشبث بمواقفها وإعلان "التحدي" والصمود. وكان نائب قائد العمليات الإيرانية، الجنرال محمد جعفر أسدي، أكد أن بلاده ستعمل على رفع مدى صواريخها الباليستية، وذلك ردًا على مطالب القوى الغربية التي دعت في الآونة الأخيرة إلى تقليص نطاق تلك الصواريخ إلى 400 كيلومتر. في الأثناء، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على 21 كيانًا و17 فردًا، لتورطهم في دعم البرامج الصاروخية والعسكرية الإيرانية. وعدّت واشنطن تلك البرامج تهديدًا مباشرًا لأمن الشرق الأوسط والمصالح الأميركية، مؤكدة أن هذه الخطوة تأتي ضمن دعم إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي بدأت الأحد الماضي بعد فشل التوصل إلى اتفاق بين ايران ودول الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بشأن برنامجها النووي. يذكر أن موسكو أعلنت مجددًا عن وقوفها إلى جانب طهران وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا إن بلاده لا تعترف بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران "نعيش في واقعين متوازيين، لأن إعادة فرض العقوبات بالنسبة للبعض حدثت، وبالنسبة لنا لم تحدث".

دوليًا، دخلت الولايات المتحدة، أمس الأربعاء، في حالة إغلاق حكومي بعد فشل مجلس الشيوخ في تمرير مشروعي قانون للموازنة متنافسين قدمهما الجمهوريون والديمقراطيون إثر خلاف بين الحزبين على عدد من بنود الموازنة. ودفعت إدارة ترامب لتمرير مشروع قانون التمويل المؤقت الذي أقره مجلس النواب بأغلبيته الجمهورية، ويمدّد تمويل الحكومة حتى 21 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، في حين سعى الديمقراطيون لتضمين تجديد الدعم الحكومي لبرنامج الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما-كير"، والذي ينتهي بحلول نهاية العام الجاري. وهذا الإغلاق هو الأول من نوعه خلال 6 سنوات، وهناك مخاوف من أن يستمر وقتًا أطول من المرات السابقة بسبب الانقسامات العميقة والهوة الساحقة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن عدد من القضايا.

هذه المستجدات السياسية على اكثر من صعيد كانت محور عناوين الصحف العربية الصادرة اليوم. وهنا أهم ما ورد فيها:

رأت صحيفة "اللواء" اللبنانية أن "زيارة الامين العام لمجلس الامن الاعلى الايراني علي لاريجاني الى لبنان ليست بهدف المشاركة في احياء "حزب الله" مراسم الذكرى الاولى لاغتيال اسرائيل الامين السابق للحزب حسن نصرالله، وانما كانت المناسبة، لاعطاء دفع ايراني متجدد للحزب، وشدشدة عصبه لتجاوز الهزيمة التي لحقت به، ورفع معنوياته، للنهوض من جديد، في مواجهة قرار الحكومة اللبنانية لنزع سلاحه"، معتبرة أنه لابدّ "من رصد تحرك الدولة في قادم الايام، لمعرفة اتجاه استكمال نزع السلاح الفلسطيني من كافة المخيمات، وما اذا كان يشمل سلاح الفصائل الفلسطينية، التي تدور في الفلك الايراني، وكيفية تعاطي الدولة اللبنانية معها، بينما يبقى تحرك الدولة لاستكمال نزع سلاح الحزب الاهم، لانه يؤشر لكيفية مسار عملية نزع السلاح، او فرملتها مرحلياً في الوقت الحاضر".

صحيفة "الرياض" السعودية، بدورها، أشادت بـ"إعلان نيويورك الذي قدمته المملكة بالشراكة مع فرنسا، والذي هو تحرك جاد لتسوية القضية الفلسطينية بالطرق السلمية"، مشددة على أن "الاعترافات المتوالية ستجعل فلسطين في نظر القانون الدولي، مساوية لدولة الاحتلال في وزنها السياسي وحقوقها السيادية، وهو الأهم"، كما استشهدت بقول الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، في واحدة من كلماته: "إن دولة الاحتلال لا تستطيع العيش في بحيرة من الكراهية مع جيرانها، ومن الأفضل الوصول إلى حلول سلمية معهم، ولكن من يسمع!".

ولفتت صحيفة "الخليج" الاماراتية إلى أن "خطة ترامب بشأن غزة وضعت المنطقة كلها على أعتاب مرحلة جديدة، سواء وجدت هذه الخطة طريقها إلى حيز التنفيذ والنجاح، أو اصطدمت بعقبات كثيرة، قد تدفع بالمنطقة كلها إلى الهاوية". وقالت "الخطة تحمل في طياتها نقاطاً متفجرة قد تنسف معها كل المحاولات الجارية لإزالة العراقيل التي تعترضها، وهي كلها تتعلق، في الحقيقة، بـ"اليوم التالي" للحرب الذي لم يأت لا فلسطينيًا ولا إسرائيليًا"، متسائلة "هل يستطيع هذا التيار العالمي الجارف نحو السلام أن يتغلب على العراقيل والنقاط المتفجرة، ويفرض تسوية تاريخية، بات يحتاجها الجميع. الجواب مرهون بما ستحمله الأيام القادمة".

من جانبها، أكدت صحيفة "البلاد" البحرينية بأن "رسالة العالم إلى نتنياهو كانت واضحة وجلية، وتمثلت في قاعة شبه خالية، ليتحدث إلى المقاعد الفارغة، وهو ما يجسد العزلة السياسية التي تتعمق يوما بعد يوم"، موضحة أن محصلة ما جرى في الأمم المتحدة "لم يكن مجرد خطاب عابر، بل محطة كاشفة؛ قاعة شبه فارغة، مظاهرات صاخبة، معارضة داخلية تتربص، وإعلام يصف الخطاب بأنه الأضعف في مسيرة نتنياهو الدولية. هي صورة لرجل يواجه عزلة متزايدة، ليس على الساحة الدولية فحسب، بل داخل بيته السياسي أيضًا، وما لم يحمل القادم جديدًا في ملف الأسرى أو وقف الحرب، فإن نتنياهو لن يكون محاصرا بالمحكمة الدولية، بل محاصراً من كل الاتجاهات، داخليًا وخارجيًا"، بحسب وصفها.

(رصد "عروبة 22")

يتم التصفح الآن