رغم عدم وجود معلومات كافية عن المشروع (الممر الهندي)، إلا أن بعض المصادر الإعلامية، غربيًا وعربيًا، ركّزت على احتمالات ما يحققه من أضرار على قناة السويس، وقد يكون هذا التركيز هدفًا في حد ذاته، ضيقًا أو ضغطًا ضد مصر. لكن هذا الرأي يجب ألا يجعلنا نركن إليه ولا نتوقف أمام المشروع لدراسته ومعرفة آثاره علينا، والنظر إليه كمشروع يمكن أن يكون أمرًا واقعًا، حتى مع ما يبدو من غياب معلومات عن جدواه الاقتصادية، إلا أن الدراسة والاستعداد لوجوده، بل البحث عن وسيلة للاستفادة منه هو التصرف السياسي الحكيم.
مثل هذا المشروع لا يمكن مقارنة أهميته الدولية بقناة السويس، حتى يتسنى الادعاء بأنه يؤثر عليها سلبًا. أصوات عدة استبعدت أن يؤثر الممر الاقتصادي الذى تم الإعلان عنه في قمة العشرين بالهند على إيرادات قناة السويس أو التجارة العالمية التي تمر من خلالها. لكن لم يستبعد البعض احتمالات تأثير الكابلات البحرية للاتصالات أو خطوط أنابيب البترول وخطوط الربط الكهربائي. إلا أن هذه الآثار ما زالت غير واضح حجم تأثيرها. ويظل أيضًا علينا الرصد والمراقبة الدقيقة والاستعداد لتطوير موقفنا بما يتناسب مع تطور الأحداث.
عدم تأثر قناة السويس بالمشروع يرجع إلى العديد من الأسباب، أهمها: انخفاض تكلفة النقل البحري مقارنة بالبري، زيادة حجم البضائع المنقولة عبر السفن والحاويات البحرية مقارنة بوسائل النقل الأخرى، وإن المرور بقناة السويس لا يحتاج إلى أعمال شحن وتفريغ للمنتجات التي تحملها السفن. وقد أجاد عديد من المختصين والمهتمين في تفصيل هذه النقطة تحديدًا، والتي تثبت أن اقتصاديات الممر المقترح ستكون أعلى كثيرًا وذات تكلفة لا تُقارن بالنقل البحري عبر قناة السويس.
أيضًا السفن التي تمر عبر قناة السويس لا تتم عمليات تفريغ وشحن لها أكثر من مرة، بل تظل الشحنة كما هي وبنفس الطريقة التي تم التحميل بها في بلد القيام حتى الوصول إلى الميناء المستهدف، وبالتالي لا توجد أي تلفيات. تظل الحقيقة التاريخية أن موقع مصر الاستراتيجي يعطى ميزة تنافسية لقناة السويس، حيث يربط بين أوروبا وآسيا وإفريقيا، فضلًا عن تسهيل عملية الانتقال من خلال قناة السويس بعد افتتاح القناة الجديدة.
الأمر الأكيد أن مصر لا ينبغي أن تُستدرج لسياسة الاستقطاب، والسقوط في فخ التحالف مع طرف كرد فعل. أكثر من مرة أشرت إلى إيجابية إدارة مصر لعلاقاتها الخارجية واضعة المصلحة المصرية أساسًا للتعاون والتحالف وإدارة العلاقات الخارجية. لسنا في وضع نختار فيه طرفًا على حساب آخر، بل حسابات المصلحة المصرية هي المحرك والعنصر الحاسم. أينما كانت المصلحة ندير أمورنا لتحقيق أهدافنا. وأي مشروع أو تطور جديد في المنطقة فإن تعاملنا معه يجب أن يعتمد على أمرين: عدم التهوين أو التهويل منه، والثاني البحث عن الوسيلة المثلى للاستفادة منه.
(المصري اليوم)